سنغافورة ولندن في صدارة مدن العالم الأكثر كلفة للرفاهية
Arab
4 hours ago
share

يشهد العالم تحولات متسارعة في خريطة المدن الأكثر جذبًا لأصحاب الثروات، في ظل تغيرات اقتصادية وتشريعية وتقلبات سياسية تؤثر بأنماط الاستهلاك والاستقرار. وفي هذا السياق، كشف تقرير سنوي صادر عن شركة "يوليوس باير" السويسرية لإدارة الثروات، ونقلته وكالة "بلومبيرغ"، عن تصدّر سنغافورة قائمة أغلى مدن العالم من حيث تكاليف الإنفاق على السلع الفاخرة للعام الثالث على التوالي، تليها لندن التي ارتقت إلى المركز الثاني متجاوزة هونغ كونغ.

التقرير يستند إلى مؤشر شامل يُقيّم تكاليف العيش الفاخر في 25 مدينة حول العالم، ويعكس التأثير المتزايد للعوامل الجيوسياسية والتشريعية في رسم ملامح الرفاهية العالمية، وسط تراجع طفيف في أسعار السلع الفاخرة للمرة الأولى منذ إطلاق المؤشر في عام 2020.

في هذا الإطار، تصدّرت سنغافورة قائمة أغلى مدن العالم للإنفاق على السلع الفاخرة للعام الثالث على التوالي، في حين تقدّمت لندن على هونغ كونغ لتحل في المركز الثاني. وجاءت بعدهما موناكو وزيوريخ، بينما تراجعت شنغهاي -التي كانت الأولى في عام 2022- إلى المركز السادس، وذلك بحسب تقرير سنوي صادر عن شركة "يوليوس باير" السويسرية لإدارة الثروات، نقلته وكالة "بلومبيرغ" اليوم الاثنين.

وللمرة الأولى منذ انطلاق هذا المسح في عام 2020، سجّلت أسعار السلع الفاخرة انخفاضًا بنسبة 2%، وهو ما وصفته الشركة بـ"الاستثنائي"، نظرًا لأن الأسعار في هذا القطاع كانت ترتفع تاريخيًّا بمعدل ضعف معدل تضخم الأسعار العامة. بدوره، قال كريستيان غاتيكر، رئيس قسم الأبحاث في البنك السويسري لـ"بلومبيرغ": "في ظل حالة عدم اليقين المستمرة، والتوترات التجارية، والرسوم الجمركية، تعكس نتائجنا اللحظة الأخيرة 'قبل' الوضع الحالي"، مضيفًا أن "تقرير العام المقبل سيقدّم على الأرجح منظورًا مثيرًا للاهتمام عن 'ما بعد'".

وأشار التقرير، بحسب "بلومبيرغ"، إلى أن سنغافورة تحظى بتقدير عالٍ بسبب استقرارها وأمانها، في وقت استقطب فيه برنامج الإقامة مقابل الاستثمار في هونغ كونغ اهتمامًا كبيرًا من أصحاب الثروات. وقد ارتفعت أسعار أجنحة الفنادق في سنغافورة بنسبة 10.3%، بينما انخفضت بنسبة 26.1% في هونغ كونغ. وارتفعت لندن في الترتيب بفضل زيادة بنسبة 26.6% في كلفة التعليم الخاص بعد تغييرات تشريعية، إلى جانب قفزة بنسبة 29.7% في أسعار تذاكر درجة رجال الأعمال، بحسب البنك السويسري.

ومع ذلك، فقد شهدت لندن "رحلة مضطربة" في مكانتها مركزًا للثروة خلال العام الماضي، بعد إلغاء نظام الإقامة غير المقيمة (Non-Dom)، ما دفع مدنًا مثل دبي وميلانو وزيوريخ إلى جذب النخب الثرية التي تفكر بمغادرة المملكة المتحدة. وصعدت دبي خمس مراتب لتحل في المركز السابع، وأصبحت الآن "منافسًا قويًّا" للمدن التقليدية الثرية مثل لندن وموناكو وزيوريخ، وفقًا للتقرير. وقال التقرير إن "الزخم الذي بدأ خلال الجائحة بشأن انتقال أصحاب الملايين إلى دبي من المتوقع أن يستمر".

أما نيويورك، فجاءت في المركز الثامن، وكانت المدينة الوحيدة من الأميركتين التي دخلت قائمة العشرة الأوائل. في المقابل، شهدت ساو باولو ومكسيكو سيتي أكبر التراجعات في التصنيف، حيث تراجعت الأولى سبع مراتب إلى المركز الـ16، والثانية خمس مراتب إلى المركز الـ21.

وأشار التقرير إلى أن قطاع الرفاهية يواجه الآن "تباطؤًا" بعد "فورة إنفاق لا تنتهي"، نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، واحتمال نشوب حرب تجارية. وكان أبرز محرك لانخفاض الأسعار هو قطاع التكنولوجيا، بينما خالفت أسعار تذاكر درجة رجال الأعمال هذا الاتجاه، وارتفعت بنسبة 18.2%.

ويعتمد مؤشر "أسلوب الحياة" الصادر عن بنك "يوليوس باير" في تصنيفه لـ25 مدينة على تحليل أسعار العقارات السكنية، والسيارات، وتذاكر درجة رجال الأعمال، والتعليم، والعشاء الفاخر، وسلع فاخرة أخرى. وقد شمل المسح أفرادًا من أصحاب الثروات الذين يملكون أصولًا قابلة للاستثمار بقيمة مليون دولار أو أكثر، وأُجري بين شهري فبراير/شباط ومارس/آذار من عام 2025.

وتكشف نتائج تقرير "يوليوس باير" عن ملامح مرحلة جديدة في ديناميات الرفاهية العالمية، حيث لم يعد تصدّر المدن للإنفاق الفاخر قائمًا فقط على البنية التحتية أو العراقة الاقتصادية، بل بات يرتبط بشكل وثيق بعوامل أكثر تعقيدًا، مثل الاستقرار السياسي، والمرونة التشريعية، والسياسات الضريبية الجاذبة، إضافة إلى جودة الحياة والخدمات. ويأتي تراجع أسعار السلع الفاخرة هذا العام مؤشرًا على تغير المزاج الاستهلاكي للأثرياء، بعد سنوات من الإنفاق الكثيف الذي غذّته معدلات فائدة منخفضة واقتصادات مفتوحة.

في المقابل، نشهد صعود مدن مثل دبي محورًا بديلًا ومنافسًا للمدن التقليدية، بفضل سياساتها المفتوحة لجذب رؤوس الأموال وأصحاب الثروات، وهي بذلك تعيد رسم جغرافيا الرفاهية وتحدياتها في عالم يشهد تحولات حادة في مراكز القوى والنفوذ. ويُحتمل أن تستمر هذه التحولات مع تعمّق الأزمات العالمية، مثل ارتفاع أسعار الفائدة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتصاعد النزاعات التجارية، ما سيجعل من مؤشرات الرفاهية أداة تحليل حيوية لرصد توجهات رأس المال البشري والمالي.

ولعل الأهم من التصنيفات السنوية هو ما تعكسه من تحوّلات هيكلية في خيارات الأثرياء وتوقعاتهم، ما يجعل المدن التي تستجيب لهذه المتغيرات بسرعة وفعالية، هي الرابح الأكبر في سباق جذب النخب العالمية في المستقبل القريب.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows