عودة بينالي الإسكندرية.. رهان متجدد على الفن المتوسطي
Arab
6 hours ago
share

بعد غياب دام أكثر من عقد، تعود الحياة إلى بينالي الإسكندرية لدول حوض البحر المتوسط، مع إعلان وزارة الثقافة المصرية منذ ثلاثة أيام عن تشكيل اللجنة العليا للدورة السابعة والعشرين، المقرر عقدها العام المُقبل. ويعد البينالي، الذي انطلقت أولى دوراته عام 1955، ثاني أقدم تظاهرة فنية دولية في العالم بعد بينالي البندقية، غير أن مسيرته الطويلة لم تخلُ من تعثرات، كان آخرها التوقّف التام منذ 2014. الأمر نفسه ينطبق على بينالي القاهرة الدولي الذي تأسس عام 1984، وتوقّف لسنوات، ليعود في دورته الثالثة عشرة عام 2019، ثم يتوقّف من جديد.

البيان الصادر مؤخراً عن وزارة الثقافة أشار إلى أن الدكتور مصطفى عبد المعطي سيتولى رئاسة اللجنة العليا، بينما يشغل الدكتور وليد قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، منصب الرئيس العام، ويقوم الفنان معتز نصر بدور القوميسير العام للدورة المقبلة. كما حُدد يوم 17 يوليو/ تموز الجاري لعقد أول اجتماعات اللجنة لمناقشة الإطار العام وجدول الأعمال.

ينطلق ثاني أقدم بينالي عالمي بعد عقدٍ من الغياب

عودة البينالي تمثل، من جهة، رغبة رسمية في إحياء الفعاليات الثقافية الكبرى التي طالما عززت الحضور المصري على خريطة الفن الدولي، لكنها من جهة أخرى تضع القائمين عليه أمام تحديات واضحة، لا سيما في ما يخصّ تجاوز أخطاء الماضي، وفتح آفاق حقيقية للفنانين المصريين والعرب، للتفاعل مع التيارات الفنية المعاصرة في فضاء البحر المتوسط.

كانت الدورة الأخيرة التي انعقدت في يونيو/ حزيران 2014 قد عكست بوضوح حجم التوترات التي تحيط بالبينالي. وقد شارك في تلك الدورة فنانون من ثلاث عشرة دولة، وحصلت الفنانة المصرية هدى لطفي على الجائزة الكبرى عن عملها "بيادات"، وهو تركيب فني من وسائط متعددة. غير أن ذلك لم يمنع الانتقادات الحادة التي وُجهت إلى البينالي، سواء من حيث تنظيمه أو طريقة اختيار المشاركين، أو حتى مستوى الأعمال المعروضة.

كانت الانتقادات التي طاولت الدورة الأخيرة من بينالي الإسكندرية متعددة في اتجاهاتها، لكنها التقت عند نقطتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق بما اعتبره البعض تغليباً لخطاب فني لا ينسجم مع الخصوصية الثقافية المحلية، بل يضع الهوية في مواجهة مفتعلة مع ما هو معاصر أو تجريبي. أما الثانية، فترتبط بآليات التنظيم والاختيار، إذ وُجهت اتهامات بتكرار الاعتماد على أسماء بعينها، وبتأثير دوائر ضيقة من القاعات الفنية والمصالح الشخصية، سواء داخل مصر أو خارجها.

وقد أثار هذا الوضع تساؤلات مشروعة حول مدى شفافية البينالي بعد عودته وانفتاحه الحقيقي على الطيف الواسع من الفنانين العرب والمصريين. هل تُتاح فرص المشاركة بالتساوي للجميع؟ أم أن التمثيل يخضع لمعادلات غير معلنة؟ ولماذا تغيب آلية واضحة تضمن التواصل المباشر مع الفنانين والمؤسسات الثقافية، بدلاً من ترك الأمر لتوصيات أو علاقات تمرّ عبر وسطاء قد تكون أولوياتهم تجارية أو انتقائية؟ تلك الأسئلة لا تزال معلقة، وتتطلب معالجة جادة إذا أُريد للعودة الجديدة أن تؤسس لانطلاقة مختلفة.

يترافق الإعلان عن عودة البينالي مع رغبة معلنة أخرى في تعزيز مكانة مدينة الإسكندرية جسراً فنياً بين شعوب المتوسط، التي فقدت الكثير من حضورها خلال العقود الأخيرة. لكن النجاح في تحقيق هذه الرغبة يتطلب أولاً إعادة النظر في آليات التنظيم والاختيار، وضمان تمثيل أوسع للحركات الفنية الناشئة، وإفساح المجال لتجارب غير تقليدية، دون الوقوع في فخ الإقصاء أو المحاباة. فلا تكفي النوايا الطيبة وحدها لإعادة البينالي إلى مساره، بل لا بد من هيكل تنظيمي مؤسسي متين، ولجان تقييم محايدة وتعمل بنزاهة ومهنية، وتواصل شفاف مع الوسط الفني، داخل مصر وخارجها. وإذا ما تحقق ذلك، فقد يكون لعودة البينالي هذه المرة طعم مختلف، وطاقة جديدة يمكن البناء عليها في السنوات المقبلة، لا سيما في ظل ما يشهده العالم العربي من تحولات ثقافية كبرى تبحث عن منابر دولية تعبّر عنها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows