الغريب في رواية "قطط إنستجرام"
Arab
10 hours ago
share

الغريب هو ما يوحي بداهة بعدم الواقعية (والاستغراب) في المكان والزمان، كأن تقول إن جسماً غريباً مختلفٌ عن السياق الطبيعي والمألوف للحياة. وللتبسيط، يمكن أن يلج الغريب إلى الخوارق و"الفانتاستك"، أي في سياق لا يمكن استكناه معناه من دون قرائن ورسائل إنسانية مضمرة. سنجده في الأدب العالمي كما في قصة "المسخ" لفرانز كافكا، المتأثّرة بقصّة "الأنف" للروسي نيقولاي غوغول، وغيرها من سرديات استحضرت العجيب وغير العادي وغير المتكلّم بطلاً روائياً. من التراث العربي يمكن استحضار ما سمّي "أدب الأنسنة"، كما في "كليلة ودمنة"، لعبد الله بن المقفّع، حين يتحدّث الحيوان بلسان عربي فصيح نيابةً عن البشر وأفعالهم.
في هذا السياق، تحدّث القط "سبايس" نيابةً عن البشر، في رواية "قطط إنستجرام" (دار العين، القاهرة، 2015) للكويتية باسمة العنزي. يظهر القط "سبايس" قناعاً، تستخدمه صاحبته من دون أن تعرف الرواية اسمها، إنما من خلال ما يطلقه القطّ من عبارات إنستغرامية تأتي في سياق انتقادي لمنعطفات وأفعال تحدث في الشأن الاجتماعي العام، أي إن هذا القطّ، من خلال حديثه في منصّة إنستغرام، أراد أن يظهر ويبيّن ما يفترض أنه مخفيٌّ ومحجوبٌ من أفعال تندرج غالباً في سياق الفساد المالي، الذي يكون بطله في الرواية "منصور لافي"، شخصية متخيّلة بدأ حياته بائعاً للسيّارات المستعملة، ثمّ مُرابٍ يقوم بقرض المحتاجين مقابل فوائد مضاعفة، ومن لم يتمكّن منهم من السداد يكون مصيره السجن، ليساوم من وراء المعتقل أهل الضحية. هناك "أحلام"، امرأة أربعينية من الطبقة الوسطى، تعتصم بماضيها المزدهر، بيد أنها تعاني (في زمن الرواية) ضغوطاً مالية ستحول بينها وبين حياتها (الكريمة والسخية)، حين تدعو إلى مجلسها صديقاتها (بصورة مستمرّة) للأكل وتبادل الأحاديث، وكان من ضمن جُلّاسها الفتاة العشرينية الغامضة، صاحبة القط "سبايس"، وهي عاطلة من العمل بعد الأزمة الاقتصادية، تدير صفحةً تحت اسم "القطط السِّمان" (fat cats)، بما يحمله الاسم من رمزية تدلّل على الجشع المالي.
تتناول الرواية بطريقة درامية شائقة أحداثاً معاصرةً تدور في عالم التجار ورجال الأعمال وجشعهم المبالغ فيه من أجل مراكمة الثروات، ويمثّل الضحايا في الرواية "حامد"، أخو صاحبة القط "سبايس"، الذي يبدأ بدراسة القانون في السجن. ومن هناك يتعرّف إلى طرق محاربة الفساد، ومن ثم محاربة منصور لافي، الذي يمثّل طبقة التجّار المرابين، فيبدأ بمراسلة مجلس النواب من أجل استصدار قانون لحماية الشباب من هذا الوباء. ولكي تعطي الرواية لأحداثها إيهاماً بالواقع، نجدها تتضمّن أسماءً واقعيةً مثل الشخصية الوطنية المعروفة، أحمد الربعي، وكان في زمن الرواية عضواً في مجلس الأمة، وأيضاً محمد السنعوسي، وكان في زمن الرواية أيضاً عضواً في المجلس، وبسببهما استُصدر قانون يحمي الضحايا، كان من نتائجه خروج حامد من السجن.
حاول التاجر "منصور لافي" بطرقه الملتوية أن يصل إلى صاحبة "سبايس"، فأغراها فريقه بالمال من أجل أن تدير له حملةَ انتخاباتٍ للترشّح إلى مجلس النواب، ولكنّها ترفض الإغراء، وتستمرّ في محاربة الفساد رغم انشكاف شخصيتها. وكان من نتيجة ذلك أن رأت قطّها الأثير ميتاً في الحديقة.
في هذه الأثناء، يبدو أن الرواية قد انتهت، ولكن ليس قبل أن تفتح الكاتبة أفق انتظار وتشويق للقارئ، وهو زواج المرأة الأربعينية "أحلام" بـ"منصور لافي"، حين يلتقيان مصادفةً في مصعد شركته، لتنبعث من هذا اللقاء ذكريات غابرة حين كان منصور يعيش في المنطقة نفسها التي كانت تعيش فيها الشابّة مع أسرتها. بعد ذلك، يجتهد "منصور" في البحث عن هاتفها والتواصل الطويل معها، إلى أن يتزوّجها فتنتهي الرواية عند هذا الحدّ، فاتحةً السؤال على مصراعيه عن مصير هذا الزواج غير المتكافئ، بين سيّدة عصرية راقية وتاجر مليء سجلّه الاجتماعي بالمساحات السوداء.
يتلمّس القارئ أيضاً في الرواية جهداً واضحاً في تتبع أحداثٍ كثيرةٍ وقعت حقيقة في أزمنةٍ مختلفةٍ في الكويت، فضلاً عن القاموس الزاخر المتعلّق بحياة القطط وطباعها وطبيعة تقلّباتها. فلم تضع الكاتبة قطّها "الغريب" بطلاً شكلياً لروايتها الشائقة، قبل أن تدرسه جيّداً، ومن مختلف الجوانب الظاهرة والخفية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows