
لا تبدو "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ذات الصبغة الكردية بصدد وضع مصير سلاحها على طاولة التفاوض مع دمشق، فهي تريد الاندماج في الجيش السوري كتلةً واحدة، وهو ما يدفع إلى تصعيد الأوضاع في شمال شرق سورية، بعد أيام قليلة من جولة تفاوض فاشلة بين دمشق و"قسد" أجريت الأسبوع الماضي في العاصمة السورية.
تعزيزات على خطوط التماس
وبحسب شبكات إخبارية محلية، يسود توتر في ريف دير الزور الشرقي الذي تتبادل دمشق و"قسد" السيطرة عليه، ويفصل بينهما نهر الفرات، في مؤشر واضح ربما على انسداد آفاق التفاهم بسبب تمترس كل طرف خلف مطالبه. وبيّنت هذه الشبكات، أن وزارة الدفاع السورية دفعت تعزيزات إلى محافظة دير الزور، ليس بعيداً عن خطوط التماس مع "قسد" والتي كما يبدو تدفع بتعزيزات مقابلة. ويعد ريف دير الزور الشرقي جبهة محتملة لصدام عسكري بين دمشق و"قسد" في حال فشلت المحاولات لتجنيب المنطقة تبعات مواجهة عسكرية مؤجلة حتى اللحظة، لا سيما من دمشق، بانتظار المساعي الأميركية والفرنسية لـ"تليين" موقف "قسد" من قضايا متعددة.
وذكرت مصادر في وزارة الدفاع السورية لـ"العربي الجديد"، أن اشتباكات جرت أول من أمس السبت، في محيط سد تشرين مع "قسد"، مشيرة إلى أن التعزيزات التي وصلت إلى دير الزور تتضمن طائرات مسيّرة من نوع "شاهين" والتي كان لها دور فاعل في المعركة التي أدت إلى إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وبحسب المصادر، فإن قرار استرجاع الشمال الشرقي من سورية "قد اتخذ سلماً أو حرباً"، مضيفة أن الحكومة تفضل عدم اللجوء إلى خيار المواجهة، وأن تغلّب "قسد" الخيار السلمي.
التعزيزات التي وصلت إلى دير الزور تتضمن طائرات مسيّرة من نوع شاهين
من جهته، أكد أبجر داوود، وهو متحدث رسمي باسم "قسد"، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا توجد هناك أي نيّة أو مؤشرات لصدام عسكري"، مضيفاً أن "كلا الطرفين (دمشق و"قسد")، يعتمد مبدأ الحوار. وقال: "طريقنا ربما طويل ولكنه بدأ بشكل جيد ومستمر". وحول التعزيزات إلى ريف دير الزور، أكد أنها "مرسلة مسبقاً بهدف محاربة خلايا داعش"، مشيراً إلى أنها "أمر روتيني وطبيعي ويندرج ضمن عمل القوات". ولفت داوود إلى أن مسألة تسليم "قسد" سلاحها "غير ممكنة لكونها تخلق فوضى وفراغاً أمنياً يؤدي إلى عدم الاستقرار والأمان في المنطقة"، لافتاً إلى أن "خلايا داعش ما زالت موجودة، وتعمل على زعزعة الأمن، لهذا لا يمكن تسليم السلاح بشكل قطعي". غير أن داوود أبدى جاهزية هذه القوات "لتكون جزءاً من جيش سورية"، مضيفاً أن "هذا ما نعمل عليه عبر الحوارات المستمرة، ومستعدون لتقدمة الخبرات والتجربة التي لدى قواتنا لجميع السوريين وحماية الشعب بكل أطيافه ومكوناته، وقومياته، وكامل جغرافيته".
شروط متبادلة بين دمشق و"قسد"
ويكرّر قياديون في "قسد"، والكيانات المدنية والسياسية والإدارية المرتبطة بها، في كل مناسبة، أنهم ليسوا ضد الاندماج في المؤسسة العسكرية السورية الناشئة. بيد أنهم يضعون شروطاً لذلك، فقائد هذه القوات مظلوم عبدي الذي وقع في العاشر من مارس/آذار الماضي اتفاقاً مع الرئيس السوري أحمد الشرع نصّ على دمج هذه القوات في المنظومة العسكرية للبلاد، قال في تصريحات صحافية أول من أمس السبت، إنه لا حاجة لنزع سلاح قواته "الآن أو مستقبلاً" في حال الاندماج في الجيش السوري، مطالباً ببقائها مسؤولة عن حماية شمال شرق سورية.
وتشير المعطيات والمعلومات القادمة من شمال شرق سورية، إلى أن "قسد" لم تتوقف عن حفر الأنفاق، استعداداً ربما لخوض مواجهة في حال فُرضت عليها. كما تشير التصريحات المتشنجة التي وردت على ألسنة قياديين أكراد، إلى خشية واضحة من تخل أميركي عن "قسد"، تعزّزت بعد تصريحات أثارت جدلاً واسعاً في الشارع السوري الكردي للمبعوث الأميركي إلى سورية توماس برّاك، الذي أكد أخيراً أن بلاده لا تؤيّد الفدرلة في سورية.
وقال برّاك إن "قسد" ستواجه مشكلات مع الحكومتين السورية والتركية إن لم تندمج بسرعة في الجيش السوري، مشيراً إلى أن عملية الاندماج العسكري بين حكومة دمشق و"قسد" ستستغرق وقتاً "بسبب غياب الثقة المتبادلة". وجاءت تصريحات المسؤول الأميركي عقب جولة تفاوض بين الحكومة ووفد يمثل "قسد" عقدت في دمشق، أخيراً، وفشلت بسبب تمسّك هذه القوات بشروط ترى دمشق أنها "غير ممكنة التطبيق"، من قبيل دخول هذه القوات الجيش السوري كتلة واحدة والاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" الكردية، فضلاً عن مطلب اللامركزية السياسية.
ورأى الباحث السياسي مؤيد غزلان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن العلاقة بين "قسد" ودمشق "يفترض أن يكون أساسها الحوار المستمر والقابلية للتوصل إلى تسوية تندرج تحت إطار الهوية الوطنية الجامعة". وأشار إلى أن "الضغط الأميركي الأخير أحدث تحولاً ملموساً في موقف قسد، وخفّضت من حدة خطابها إثر ذلك".
مؤيد غزلان: نحتاج إلى ترسيخ اتفاق عملي يعتمد على طواعية قسد للاندماج في المؤسسات الوطنية بصفة سورية
ورأى غزلان أن على "قسد" البدء في تنفيذ الاتفاق الذي وقّعته مع القيادة السورية فوراً وعليها أن تتخلى عن المطالبة بالشكل الفيدرالي للحكم الذي يرفضه أغلبية السوريين. وتابع أن "محاولة كسب الوقت (من قبل قسد)، عبر العبارات الحسنة للبحث عن كفيل أو داعم جديد، غير ممكنة، لأن الحرب الإيرانية الإسرائيلية أثبتت عدم نجاعة سياسة انتظار الدعم من دول أخرى غير منهمكة في القضية السورية، ممن كانت تدعم نظام الأسد مثل إيران وغيرها". وأشار غزلان إلى "أننا نحتاج إلى ترسيخ اتفاق عملي يعتمد على طواعية قسد للاندماج في المؤسسات الوطنية بصفة سورية، دون إدراج المكون كعنصر هوية ومعرف للاندماج". وأضاف أن "الانصهار ضمن مؤسسات الدولة هو الطريق الوحيد لتجاوز هذه المعضلة. موقف قسد أصبح غير مقبول دولياً".
رزكار قاسم: خطوات الحكومة كانت بطيئة في إطلاق عمل اللجان التي تعمل على تنفيذ الاتفاق
ورأى الباحث السياسي أن الصدام العسكري "خيار سلبي لكل السوريين، وهو لن يكون في مصلحة قسد وسيتم استغلاله من بعض القوى الخارجية التي خسرت الحرب في معركة ردع العدوان" ضد النظام السابق. وبرأيه، "من المفيد أن تدرك قسد أن التفاوض والحوار لا يتفقان مع التوجهات السلطوية التي تعتبر بطانة منهجها السياسي"، لافتاً إلى أنه ينبغي عليها "أن تعتبر أن الاتفاق النهائي مع دمشق سيكون مكسباً حقيقياً للأكراد ضمن الهوية السورية".
في المقابل، رأى رزكار قاسم، ممثل "مجلس سوريا الديمقراطية" (جناح سياسي لـ"قسد") في ألمانيا، ورئيس حركة التجديد الكردستاني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاتفاق الذي تم بين الحكومة و"قسد" و"الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية "خطوة أساسية نحو بناء سورية جديدة". وتابع أن "هناك مشتركات بين الطرفين علينا التركيز عليها"، معرباً عن تفاؤله بأن الفشل "ليس مصير الاتفاق الذي يقع ضمن إطار بناء الوعي الذي تستند إليه سورية الجديدة". واعتبر رزكار أن خطوات الحكومة "كانت بطيئة في إطلاق عمل اللجان التي تعمل على تنفيذ الاتفاق"، مشيراً إلى أن الجانبين لم يتوصلا إلى نتائج في الجولة الأخيرة من المفاوضات. لكن رغم ذلك، فإن اللقاء بحدّ ذاته "مسألة إيجابية، وخطوة أولى لخطوات مقبلة"، خاتماً بأنه "متفائل بأن السوريين سيكونون على قدر المسؤولية التاريخية".

Related News



