تكتيكات لكسر جمود حرب أوكرانيا: الدراجات النارية سلاح مستحدث
Arab
8 hours ago
share

في نهاية الأسبوع ما قبل الماضي، اطلع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال معرض "كل شيء من أجل النصر" على نماذج جديدة لوسائل القتال في حرب أوكرانيا. ونشرت المحطات الروسية مقاطع فيديو يستمع فيها بوتين إلى شرح عن دراجات نارية متعددة الأغراض، تناسب جميع التضاريس مزودة بعجلات منخفضة الضغط. وحسب الشرح من أحد المسؤولين عن القسم، فإن هذه الدراجات يستخدمها الأطباء والقادة وخبراء الطائرات من دون طيار. ومقارنة مع الدراجات النارية العادية، تُجهّز هذه المعدات بهيكل عسكري، ومصباح أمامي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، وحامل للأسلحة القياسية، بالإضافة إلى رفوف أمتعة أمامية وخلفية. وتحتوي الدراجة على مصدر طاقة للحرب الإلكترونية. ويمكن أن تجر الدراجة مقطورة خاصة مصممة للاستخدام في نقل العتاد والمؤن وعمليات إخلاء المصابين.

أساليب حرب أوكرانيا وأدواتها

وفيما كشفت حرب أوكرانيا عن زيادة دور المسيّرات، ودفعت إلى تطوير أنواعها وأساليب استخدامها لتتوافق مع الأهداف المطروحة، فإن الاكتشاف المضاد هو أن الطرف الذي يتمكن من تطوير وسائل فعالة للتصدي لطائرات العدو المسيّرة سيكسب تفوقاً تقنياً حاسماً في هذه الحرب، رغم أن هذا التفوق لن يدوم طويلاً على الأرجح، نظراً للسرعة الكبيرة التي ينسخ بها الطرفان ابتكارات بعضهما بعضاً، ويدفع إلى تطوير تكتيكات جديدة. ولعبت المسيّرات بعيدة المدى دوراً مهماً في ضرب البنى التحتية وأهداف عسكرية واقتصادية للعدو خلف الخطوط. ويواصل الطرفان إطلاق مئات المسيّرات يومياً بعيداً عن الجبهات. وعلى خطوط القتال المباشرة، تستخدم المسيّرات صغيرة الحجم للرصد ونقل المعلومات إلى مراكز لتوجيه ضربات المدفعية والصواريخ، وتنفيذ ضربات باستخدام قنابل أو لتكون انتحارية ضد المدرعات، وبات استخدام مضادات الدروع نادراً في الأشهر الأخيرة، حسب مقاطع الفيديو المتناقلة على قنوات تليغرام الروسية والأوكرانية المتابعة لمسار المعارك.

تنوي روسيا شراء 200 ألف دراجة من الصين

ومع زيادة حجم الخسائر بالعتاد والأرواح، تراجع دور المدرعات والدبابات في حرب أوكرانيا بوضوح، وزادت مساحات المناطق الرمادية إلى ما بين خمسة وعشرة كيلومترات، وفي هذه المنطقة غالباً ما يسعى الطرف المهاجم إلى التقدم، لكنه يواجه عدواً يراقب المنطقة من مراكز محصنة بعيدة ويستخدم المسيّرات لوقفه. وفي ظل صعوبة استخدام سلاح الطيران بشكل واسع على الجبهات، قلص الجيشان الروسي والأوكراني استخدام الدبابات ومدرعات نقل الجنود. ونظراً لأن السيطرة والتقدم لاحقاً يتطلبان نشر جنود بأعداد كافية على الأرض، فالسيطرة الجوية لا تحسم أي حرب، خصوصاً في حالة روسيا الراغبة باحتلال ما تبقى من مقاطعات دونيتسك وزابوريجيا وخيرسون الأوكرانية، في ظلّ ادّعائها السيطرة على كامل لوغانسك، وبناء مناطق عازلة في سومي وخاركيف بأقل تقدير لإعلان النصر والانتقال إلى مرحلة المفاوضات من دون ضغوط.

تطوير عسكري

برزت الطائرات المُسيّرة في حرب أوكرانيا عنصراً رئيسياً. وأدّى الانتشار الواسع لهذه الأسلحة إلى ظهور عقائد تكتيكية جديدة، كما غيّر جذرياً منظور حرب أوكرانيا الاستراتيجي، بعدما أصبحت حرب استنزاف. بات الطرفان يعتمدان الآن بشكل أقل على المدفعية، وربما يجمعان ما تبقّى من القذائف النادرة، خصوصاً أوكرانيا، ويستخدمان عدداً أقل من المركبات المدرعة. وهذا أمر بالغ الأهمية، نظراً لأن نقص الآليات العسكرية كان يُشكّل مشكلة مستمرة لكل من روسيا وأوكرانيا في السابق. في الوقت الراهن، يطوّر الجيشان أساليب وتكتيكات تمكّنهما من الحفاظ على القوى البشرية بشكل أكثر فاعلية، في الوقت الذي لا يتردد فيه أيٌّ منهما في استخدام الطائرات المُسيّرة. في المقابل، فإن هذه الطائرات لم تُغيّر الديناميكيات الأساسية للعمليات القتالية. فلا يزال التقدم السريع للقوات مستحيلاً كما كان دائماً، وأصبح اختراق الدفاعات المعادية بعمق أكثر صعوبة. بدلاً من ذلك، قد تُطيل الطائرات المسيّرة، والتطلعات المعقودة على قدرتها على قلب موازين المعركة، أمد حرب أوكرانيا لسنوات مقبلة، على نحو يُبقي الصراع في حالة جمود، وهو ما لا تريده روسيا المتوجسة من تغير في موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب، وسط تقديرات بأن روسيا ستكون خاسرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في حرب الاستنزاف.

بعيداً عن الجبهات، تعمل روسيا على ضرب المنشآت والمصانع العسكرية، ومخازن النفط، ومحطات الطاقة والبنى التحتية، لهدف عسكري هو منع وصول الإمدادات إلى القوات على الجبهات، وهدف آخر هو كسر إرادة الأوكرانيين وإجبار أعداد متزايدة على مغادرة أوكرانيا والتوجه نحو أوروبا، ما يفرغ البلاد من سكانها ويزيد الضغوط على الحكومات الأوروبية. في الأشهر الأخيرة تستخدم روسيا هجمات مدمّجة تتضمن مسيّرات للخداع من دون ذخيرة وأخرى حقيقية، تتخللها صواريخ بالستية ومجنحة تطلق من الطائرات والسفن. أصبح من الشائع أيضاً اختيار عدد قليل من المدن في كل ليلة لمهاجمتها من أجل إطلاق أقصى قدر من القوة عليها. وتنطلق الضربات الجوية من عدة اتجاهات، بما في ذلك من شبه جزيرة القرم المحتلة، ويتم إطلاق الطائرات من دون طيار في "موجات"، ما يخلق تأثيراً هائلاً. والهدف الأساسي عسكرياً إنهاك منظومات الدفاع الجوي التي زادت معاناتها بعد توجيه الولايات المتحدة قسماً كبيراً من مخزوناتها إلى إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وزادت مع محاربة حزب الله، والتمهيد للضربات الأخيرة على إيران.

روسيا حدّثت أكثر من 200 مركز تدريب لتواكب التكتيكات الجديدة التي تعتمدها قواتها في أوكرانيا

وعلى الجبهات، يزداد التركيز على اختراق تحصينات الأوكرانيين والتقدم على الأرض باستخدام وحدات مقاتلة صغيرة. وينطلق الجانبان الروسي والأوكراني من أن تفريق وتشتيت تشكيلات الجنود يدفعان العدو إلى استخدام عدد أكبر من الطائرات المسيّرة مقارنة باستهداف مركبات مدرّعة مملوءة بالجنود. لكن هذه الطريقة غالباً ما تسبّب مشكلات أكثر مما تحلّ، إذ فقدت روسيا وأوكرانيا القدرة على اختراق خطوط العدو، واستُبدلت آمال الحسم السريع بآمال بأن ينهار الطرف الآخر جرّاء الاستنزاف. وفي ظل هذا الواقع، تعمل الجيوش على تطوير تكتيكات جديدة تستطيع أن تنجح رغم نقص المدرعات والمدفعية في الخطوط الأمامية. أحد هذه التكيّفات هو الاعتماد المتزايد على الدراجات النارية من كلا الجانبين في مهام الإمداد وعبور المناطق المكشوفة قبل تنفيذ الهجمات. وهناك حاجة إلى عدد أكبر من المسيّرات لاستهداف الدراجات النارية مقارنة بالمركبات القتالية، ومن الأصعب إصابة دراجة نارية سريعة. أما الأسلحة التي تهدد سائق الدراجة، فيمكن اصطيادها بطائرات مسيّرة. وتقلل الدراجات خسائر المركبات المدرّعة التي باتت نادرة. وفي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، تراجعت الخسائر المؤكدة للمركبات المدرّعة الروسية بنحو 50% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، حسب تقديرات معهد دراسات الحرب الأميركي.

تحديث ميادين التدريب الروسية

وضمن هذه المقاربة، يعمل القادة العسكريون الروس على تحديث ميادين التدريب التابعة للجيش الروسي لتشمل مسارات للدراجات النارية، ونشرت وزارة الدفاع الروسية في 27 و28 يونيو/ حزيران الماضي مقاطع فيديو لمسؤولين عسكريين وهم يطلعون على ميدان تدريب عسكري جديد في مدينة نوفوروسيسك على البحر الأسود لتطوير برامج تدريب على استخدام الدراجات النارية في القتال. كما ناقش وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف، وقائد القوات البرية الروسية الجنرال أندريه موردفيتشيف، سبل تحسين قدرات روسيا في تدريب القوات وتخريج ضباط جدد في المدرسة العليا للقيادة في نوفوسيبيرسك. وأمر بيلوسوف بتزويد المدرسة بدراجات نارية ومركبات برية خفيفة لتدريب الطلاب على التكتيكات الحديثة. كما صرّح نائب وزير الدفاع يونس بيك يفكوروف بأن ميدان التدريب في كراسنودار يتضمن ميدان قيادة حديث للدراجات النارية والمركبات البرية والعربات الرباعية، مشيراً إلى أن روسيا حدّثت أكثر من 200 مركز تدريب لتواكب التكتيكات الجديدة التي تعتمدها قواتها في أوكرانيا. وكثف القادة العسكريون الروس، خلال الأشهر الماضية، جهودهم لإضفاء الطابع الرسمي على التكتيكات المتعلقة باستخدام الدراجات النارية وتعميم برامج التدريب عليها داخل الجيش.

راكبو الدراجات النارية الروس يعملون في أسراب تتألف من ست إلى ثماني دراجات

ونقل معهد دراسات الحرب الأميركي في تقرير، مطلع الشهر الحالي، عن قنوات تليغرام تابعة للمراسلين العسكريين، أن روسيا اشترت أكثر من 40 ألف دراجة نارية صينية الصنع في عام 2024 لزجها في حرب أوكرانيا مستلمة 20 ألف دراجة منها حتى الآن. وتناقلت مواقع المراسلين العسكريين حينها معلومات عن وجود مخططات لشراء ما يصل إلى 200 ألف دراجة نارية صينية الصنع لصالح الجيش الروسي، فضلاً عن شراء 60 ألف مركبة خفيفة أخرى، ويُرجّح أن يتم ذلك في العام الحالي. ونقل المعهد عن عسكريين أوكرانيين في 24 يونيو الماضي قولهم إن تهديد الهجمات الروسية بالدراجات النارية يتزايد على طول الجبهة، مع تزايد دمج القوات الروسية للدراجات النارية في تكتيكات الهجوم. وأوضح أحدهم أن "قوات الدراجات النارية الروسية لم تعد تهاجم عبر الطرق فقط، بل أصبحت تهاجم بشكل رئيسي عبر الحقول المفتوحة، محاولة تجاوز الحواجز الهندسية الأوكرانية على طول الجبهة". وقدّمت منظمة Frontelligence Insight المختصة بالمعلومات المفتوحة ومقرها أوكرانيا، في 23 يونيو الماضي، معلومات إضافية حول العقيدة التكتيكية التي تضعها القوات الروسية لاستخدام الدراجات النارية.

تكتيك الدراجات النارية الروسية

وأفادت المنظمة بأن القوات الروسية تستخدم الدراجات النارية بشكل رئيسي وسيلة نقل للمشاة المهاجمين، لدعم مهام التمويه والاستطلاع والتسلل والدعم الجانبي في المعارك. وأضافت المنظمة أن راكبي الدراجات النارية الروس يعملون في أسراب تتألف من ست إلى ثماني دراجات، مع وجود راكب أو راكبين على كل دراجة (أي بين ستة وستة عشر شخصاً إجمالاً). وذكرت المنظمة أن كل سرب مزود بما بين جهازين وأربعة أجهزة حرب إلكترونية محمولة، وجهاز واحد لمراقبة الطائرات المسيّرة الأوكرانية. كما تستخدم القوات الروسية الدراجات النارية في إخلاء الجرحى ودعم اللوجستيات. وأضافت منظمة Frontelligence Insight أن القوات الروسية بدأت في ربيع عام 2025 تدريب عناصرها على استخدام الدراجات النارية والمركبات البرية الخفيفة في مسارات موتوكروس مؤقتة، وتتضمن برامج تدريب متقدمة لتعليم مهارات التملص من الطائرات المسيّرة، وتراوح مدة هذه الدورات التدريبية بين 16 ساعة وأكثر من شهر.

وأشار المراقب العسكري الأوكراني كوستيانين ماشوفيتس، في مايو/ أيار الماضي، إلى أن القوات الروسية كانت تستخدم الدراجات النارية بشكل أساسي في حرب أوكرانيا بالتزامن مع العربات المدرعة، إلا أن القوات الروسية يبدو أنها تعتمد أخيراً بشكل متزايد على الدراجات النارية وسيلة مستقلة للنقل والتقدم بعيداً عن الدبابات والمركبات المدرعة. ورجح "معهد دراسات الحرب" أن القوات الروسية تعتمد بشكل متزايد على الدراجات النارية والمركبات البرية غير المدرعة الأسرع، نظراً لأن المركبات الأبطأ أصبحت تشكل خطراً على القوات في ساحة المعركة الأكثر شفافية في أوكرانيا. وساعد استخدام الدراجات النارية القوات الروسية على تحسين قدرتها بشكل طفيف على تفادي الطائرات الأوكرانية المسيّرة في "المناطق الرمادية" المتنازع عليها على طول الجبهة، غير أن وتيرة التقدم الروسي لا تزال بطيئة للغاية، ولا تتجاوز سرعة المشاة، رغم محاولات إدماج مركبات أكثر سرعة في التكتيكات الهجومية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows