
تتفاقم ظواهر طبيعية مدمّرة في العراق، من بينها التصحر والجفاف، والعواصف الرملية والترابية التي باتت تتكرّر بوتيرة متصاعدة، ما يجعلها تتجاوز كونها مجرد قضايا مناخية، لتتحوّل إلى أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية تهدّد استقرار البلد وموارده البشرية والطبيعية وسلامته البيئية.
وخلال الاجتماع رفيع المستوى الذي عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس الماضي، بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة العواصف الرملية والترابية، أكد ممثل العراق في المنظمة الأممية الحاجة إلى تعاون دولي لإنقاذ البلدان المعرضة لشبح التدهور البيئي الذي يلتهم الموارد عاماً بعد آخر.
وذكرت وزارة الخارجية العراقية، في بيان، أن ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، عباس كاظم، ألقى بصفته رئيس مجموعة الـ77 والصين، بياناً خلال الاجتماع رفيع المستوى تحت شعار: "العمل عبر الأجندات من أجل الصمود والاستدامة"، قال فيه إنّ "العواصف الرملية والترابية أصبحت قضية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية خطيرة تؤثر على تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، لا سيّما في الدول النامية، ومنها العراق".
وأكّد كاظم أن "مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تعاوناً دولياً فاعلاً، وتوفير وسائل التنفيذ المناسبة، بما في ذلك التمويل وبناء القدرات، ونقل التكنولوجيا، مع ضرورة إزالة الإجراءات الاقتصادية الأحادية المفروضة على الدول النامية، وتعزيز دور التحالف الأممي لمكافحة العواصف الرملية والترابية، وتسريع تنفيذ أنشطته، وتكليف جهة أممية مختصّة لتكون جهة التنسيق الرئيسة في متابعة الملف، مع ضرورة رفع مستوى الاستجابة الدولية، وتكثيف الجهود السياسية والمالية لمعالجة هذه الظاهرة المتفاقمة، ضمن الأجندات الوطنية والعالمية".
من جانبه، يؤكّد الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، أن البيان العراقي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يعكس إدراكاً متزايداً بحجم الكارثة البيئية، مشيراً إلى أن التصحر والعواصف الرملية وندرة المياه لم تعد تحديات بيئية فحسب، بل تحولت إلى ملفات أمنية واقتصادية واستراتيجية.
ويوضح الحلو لـ"العربي الجديد"، أن "السبيل الوحيد لمواجهة هذه التحديات هو التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر على أسس علمية حديثة، تبدأ من إصلاح البنية التشريعية والرقابية، وتمرّ عبر تبني التقنيات الصديقة للبيئة، خاصّة في قطاع المياه الذي يُعدّ الأكثر تضرراً. التقديرات تشير إلى أن نسبة العجز في الموارد المائية قد تصل إلى 30% بحلول عام 2035، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، لذا ينبغي دعم مشاريع الحصاد المائي، وإعادة تدوير المياه، وتطوير أنظمة الري الذكية. يفقد العراق سنوياً ما يزيد عن 50% من مياهه الزراعية بسبب الهدر والطرق التقليدية في السقي، بينما تغطي الزراعة اليوم أقل من 50% من الحاجة الغذائية المحلية".
ويتابع: "يعدّ العراق من أكثر الدول تأثراً بالتغيرات المناخية في الشرق الأوسط، إذ سجّل أكثر من 300 يوم غبار في بعض المحافظات خلال السنوات الأخيرة، كما أن نحو 39% من أراضيه مهدّدة بالتصحر، بحسب البيانات الرسمية. مواجهة هذه التحديات تتطلب جهوداً محلية ودولية مشتركة، تشمل تمويل المشاريع البيئية، ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات المؤسّسية والبشرية، فضلاً عن تفعيل الشراكات الدولية والمبادرات الأممية، وعلى رأسها التحالف الأممي لمكافحة العواصف الرملية والترابية".
ويشدد الخبير الاقتصادي العراقي على أن "أي تأخير في تبني نموذج اقتصادي أخضر متكامل سيزيد من حجم الخسائر البيئية والاقتصادية، والعراق يخسر سنوياً ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار بسبب آثار التدهور البيئي على قطاعات الزراعة والصحة والبنية التحتية".
في ذات السياق، يؤكد المتحدث باسم وزارة البيئة العراقية، لؤي المختار، أن "التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر لم يعد خياراً نظرياً، بل ضرورة ملحّة لمعالجة الأزمات البيئية المتراكمة في العراق، وعلى رأسها التصحر والعواصف الرملية، وشحّ الموارد الطبيعية"، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "العراق بحاجة إلى خارطة طريق واضحة ومدعومة دولياً، تتضمن تحديث التشريعات البيئية، ونقل التكنولوجيا، وتوفير التمويل، وبناء القدرات الوطنية، إلى جانب رفع وعي المجتمع بأهمية أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدامة".
ويشير المختار إلى أن "أبرز المعوّقات أمام هذا التحول تتضمن وجود محدّدات بيئية قديمة صار بعضها يعيق إدخال تقنيات حديثة تتوافق مع المعايير البيئية العالمية، إضافة إلى ضعف تطبيق القوانين البيئية على الأرض. يواجه العراق تحديات مركبة تتعلق بارتفاع معدلات تولّد النفايات للفرد، التي تُعد من الأعلى في المنطقة، وهو مؤشر خطير يستدعي إجراءات عاجلة، كما أن أنماط الاستهلاك غير المنضبطة، وضعف الرقابة على التغليف والتعبئة والنفايات البلاستيكية، كلّها عوامل تساهم في تزايد حجم النفايات، في ظل تشريعات غير كافية لمواكبة هذه التحديات".
ويكشف المختار أن "وزارة البيئة تعمل حالياً على استكمال مسودة تعليمات ومحددات بيئية محدثة، بالتعاون مع خبراء ومختصين، تهدف إلى تبسيط إجراءات الموافقات البيئية، وتشجيع الأنشطة الصديقة للبيئة والتقنيات النظيفة. هذه المسودة ستُرفع إلى مجلس شورى الدولة للمصادقة عليها تمهيداً لاعتمادها رسمياً، والتحديث الجديد سيمثل نقلة نوعية في الحوكمة البيئية، ويسهم في تهيئة بيئة تنظيمية مرنة وشفافة تدعم التنمية المستدامة، وتفتح الطريق أمام تحوّل العراق الفعلي نحو الاقتصاد الأخضر".

Related News

