"المدينة الإنسانية" في رفح... تهجير أخير قبل طرد الغزيين
Arab
9 hours ago
share

يروّج الاحتلال الإسرائيلي عبر وزير الأمن يسرائيل كاتس، لإنشاء مدينة يطلق عليها مسمّى "المدينة الإنسانية" في رفح جنوبي قطاع غزة، على أنقاض المدينة شبه المدمرة، يستهدف من خلالها نقل ما بين 600 و700 ألف فلسطيني. مخطط إسرائيلي يفرض ما يشبه "الغيتو" على الفلسطينيين؛ إذ يجري فحص المنتقلين إلى تلك المنطقة، ومنعهم من الخروج منها لاحقاً، بينما يستكمل جيش الاحتلال حرب الإبادة في بقيّة مناطق القطاع.

والاثنين الماضي، كشف كاتس عن ملامح خطة لإقامة ما سمّاها "المدينة الإنسانية" في رفح والمكونة من خيام على أنقاض المدينة. وبحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية حينها، ستقام المدينة المزعومة بين محورَي "فيلادلفي" (صلاح الدين على الحدود مع مصر) و"موراغ" (بين خانيونس ورفح جنوبي القطاع)، وسيجري في المرحلة التالية تجميع كل فلسطينيي غزة بها، قبل تفعيل آليات لتشجيع ما تزعم أنه "هجرة طوعية" للفلسطينيين هناك. وتستند الخطط الإسرائيلية في جوهرها إلى "خطة الجنرالات" أو لاحقاً عملية "عربات جدعون"، والهادفة لإفراغ مناطق غزة وشمالها من قرابة مليون نسمة، ونقلهم إلى الوسط والجنوب وحشرهم بين وسط وجنوبي القطاع. وأظهرت الخرائط المسربة التي عرضها الوفد الإسرائيلي في مفاوضات الدوحة، المستمرة منذ أكثر من أسبوع، إبقاء كامل مدينة رفح تحت الاحتلال، ما يدلّ على نية الاحتلال لاحقاً تطبيقَ خطة التهجير، سواءً بدفع السكان نحو سيناء المصرية، أو حتّى نقلهم عبر البحر إجباراً.

وبحسب هذه الخرائط فإنّ الاحتلال، سيستولي على مسافة عميقة تصل إلى ثلاثة كيلومترات في بعض المناطق، فيما سيضمّ أجزاء واسعة من مدينة بيت لاهيا وقرية أم النصر ومعظم بيت حانون، شمالي القطاع، وكل خزاعة شرق خان يونس جنوبي القطاع، بالإضافة مسافة قريبة من شارع السكة في مناطق التفاح والشجاعية والزيتون شرق مدينة غزة. اللافت أنّ خريطة إعادة التموضع الإسرائيلية تقضم 40% من مساحة قطاع غزة، فيما تمنع نحو 700 ألف فلسطيني من العودة لبيوتهم لدفعهم نحو مراكز تجميع النازحين في مختلف أنحاء القطاع، وتبقي على أعداد كبيرة من الفلسطينيين في منطقة المواصي، جنوبي القطاع.

ومعظم مدينة رفح مدمر عبر عمليات قصف ونسف ممنهجة بعد اجتياح الاحتلال لها في السابع من مايو/ أيار 2024، بالرغم من الموقف الأميركي والدولي الرافض للعملية في حينه. حتى إنّ إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قالت إنّ العملية ستكون محدودة وسريعة إلّا أن الاحتلال لم ينسحب منها حتّى في ظل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير. وبالتزامن ينفذ جيش الاحتلال عمليات تدمير ممنهجة في مناطق شماليّ القطاع من خلال إدخال شركات ومقاولين إسرائيليين تستهدف جعل تلك المناطق غير صالحة للعيش، فضلاً عن انتقال الأمر ذاته إلى مناطق الجنوب في خان يونس تحديداً.

رفض مخطط "المدينة الإنسانية" في رفح

ترفض الفصائل الفلسطينية وحركة حماس على وجه الخصوص هذه الخرائط مع وضوح المساعي الإسرائيلية الرامية لفرض مدينة معزولة يطبق فيها الاحتلال القتل، كما يحصل حالياً في نقاط توزيع المساعدات وفق الآلية الإسرائيلية الأميركية عبر "مؤسّسة غزة الإنسانية". وتشدّد حركة حماس عبر وفدها المفاوض على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من محور موراغ (بين خانيونس ورفح)، إذ سيشكل الانسحاب مرحلياً عملية إحباط للخطط الإسرائيلية كما حصل مع "خطة الجنرالات" شمالي القطاع، عندما أُبرم اتفاق يناير/كانون الثاني 2025، الذي رفض الاحتلال الدخول في مرحلته الثانية في الثاني من مارس/ آذار الماضي، مستأنفاً حرب الإبادة.

من جهتها حذرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، في بيان أمس الأحد، من مخاطر مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين قسراً في قطاع غزة، تحت شعار "المدينة الإنسانية" في رفح. واعتبرت أن تلك المدينة "لا تمتُّ للإنسانية بصلة"، وقد واجهت "انتقادات عديدة من المجتمع الدولي ومن أوساط إسرائيلية"، وأكدت الوزارة أن "الوقف الفوري لعدوان الاحتلال هو المدخل الصحيح لحماية الإنسانية في قطاع غزة"، وأن "تمكين دولة فلسطين ومؤسّساتها الشرعية من ممارسة ولايتها السياسية والقانونية على قطاع غزة، هو المدخل الوحيد لحماية شعبنا وتحقيق العدالة له".

القتل والتهجير

يرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتلال وعبر سعيه لتنفيذ هذه الخطة يواصل السير على الأهداف المعلنة ذاتها منذ بداية الحرب المرتبطة بقتل الفلسطينيين والسعي لتهجيرهم"، وفي رأيه فإنّ "خطورة نقل السكان إلى رفح، تظهر من خلال الخطط الإسرائيلية التي عرضت خلال جولات المفاوضات الأخيرة، والتي تعكس تمسكاً إسرائيلياً بمشروع تهجير الفلسطينيين".

مصطفى إبراهيم: يستغل الاحتلال الصمت الدولي  لتنفيذ خطط التهجير

ويعتبر إبراهيم أنّ خطة "المدينة الإنسانية" في رفح "هي امتداد لخطة نقل السكان في بداية الحرب من غزة وشمالها إلى مناطق جنوبي وادي غزة، بالإضافة لخطة الفقاعات الإنسانية (نقاط لتوزيع المساعدات في مناطق صغيرة خاضعة لسيطرة مشدّدة من شأنها أن تتوسّع بمرور الوقت) وخطة الجنرالات وغيرها من الخطط الإسرائيلية"، ويستغل الاحتلال، وفق إبراهيم، حالة الصمت الدولي وغياب مواقف حقيقية تسعى لوقف الإبادة "لتنفيذ هذه الخطط في ظلّ انحسار الخيارات أمام المقاومة الفلسطينية في غزة، وغياب أيّ حراك عربي ودولي يفرض اتفاقاً لوقف إطلاق النار".

من جهة أخرى يشير إبراهيم إلى أنّ "المعارضة الإسرائيلية التي تطالب بوقف الحرب واستعادة الأسرى لا تختلف في النهج عن تفكير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بل تختلف في التفاصيل"، موضحاً أنه "بالنسبة لها لا مشكلة في العودة للحرب لاحقاً في ما لو جرى الوصول لاتفاق مرحلي". ويبيّن أن الفترة المقبلة "ستكون الأصعب في ما لو فشلت المفاوضات، لا سيّما في ظل الخطط الإسرائيلية المعلنة وغير المعلنة وغياب أي فعل حقيقي قادر على إيقافها بالرغم من الجهد الميداني الذي تبذله المقاومة".

سياقات الخطط

يقول الكاتب والمحلّل السياسي إياد القرا، إنّ كاتس، الذي ينادي بتنفيذ مخطط "المدينة الإنسانية" في رفح "يُعد في الأساس محسوباً على نتنياهو"، إذ "ينفذ تعليمات الأخير ويتحرك وفق توجيهاته دون تردد"، ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الوزير سبق أن طرح مشاريع عدّة بأسلوبه الخاص، منها مقترح الميناء البيئي العائم (أمام سواحل غزة عندما كان وزيراً للمواصلات قبل أكثر من 10 سنوات)، والميناء الصناعي (2011)، وفكرة الربط مع قبرص، إلى جانب مشاريع تتعلق بالحركة التجارية وتنقل الأفراد بين غزة والخارج".

إياد القرا: اليمين الإسرائيلي يرى ما بعد السابع من أكتوبر فرصة تاريخية 

ويوضح أن "هذه المشاريع، رغم طرحها المتكرّر، تبقى في إطار التصورات النظرية"، مشيراً إلى أن "اليمين الإسرائيلي يحمل مشروعاً أكبر يتمثل في تهجير الفلسطينيين والتخلص منهم في غزة، ويرى في الحكومة الحالية وما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 فرصة تاريخية ربما لا تتكرّر لتنفيذ مثل هذه المخططات، خصوصاً مع هيمنة اليمين على الحكم بهذه الصورة المتطرفة"، وفي رأي القرا فإنّ "الواقع أكثر تعقيداً مما يظنه صُنّاع القرار في إسرائيل"، موضحاً أن "الجيش الإسرائيلي يعارض علناً هذه التوجهات، انطلاقاً من قناعة راسخة بعدم رغبته في إدارة قطاع غزة، نظراً لما يترتب على ذلك من خسائر بشرية ومادية، وحالة استنزاف دائمة"، ويلفت إلى أنّ "المؤسّسة العسكرية باتت ترى أن الحرب في غزة قد استنفدت أهدافها العسكرية إلى حد كبير"، مشدداً على أن "الاحتلال المباشر للقطاع لن يحقق مكاسب استراتيجية لإسرائيل، سواء باستعادة الأسرى أو بالقضاء التام على حركة حماس".

ووفقاً للقرا فإن "الوجود العسكري الإسرائيلي، خصوصاً في رفح، يُستخدم ورقةَ ضغط على المفاوض الفلسطيني وعلى قوى المقاومة، إلّا أن الحديث عن إنشاء محور أو ممر في إطار عملية التفاوض يظل قائماً"، لكنّه يوضح أن "إسرائيل تبقي مثل هذه المشاريع أداة ضغط على المقاومة الفلسطينية بهدف استنزافها، إلّا أن ذلك لا يلغي احتمال محاولة تنفيذ هذه المشاريع". ويقول إنّ "تكلفة مثل هذه المشاريع عالية جداً بشرياً ومادياً، وإسرائيل لا تستطيع تحمّل أعباء مدينة مكتظة بهذا الحجم"، لافتاً إلى أن تل أبيب "فشلت في إدارة أربعة مراكز توزيع مساعدات (وسط وجنوبي القطاع)، فكيف لها أن تدير شؤون 600 أو 700 ألف إنسان نتاج الحرب".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows