وساطة قطر مستمرة... من غزة إلى الكونغو الديمقراطية وإيران
Arab
16 hours ago
share

في الوقت الذي تقود فيه قطر جهوداً دبلوماسية مضنية للتوصّل إلى اتفاق يوقف حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تستضيف الدوحة مفاوضات أخرى غير معلنة، بين وفد من حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس (أم 23)، تهدف إلى وقف الحرب في شرق الكونغو الديمقراطية. وتأتي هذه المفاوضات بعد الاتفاق الذي وقّعته رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن برعاية أميركية وحضور قطري في يونيو/ حزيران الماضي.

وتسعى الدوحة، وشريكتاها القاهرة وواشنطن، في مفاوضات غزة غير المباشرة، التي تستضيف الدوحة جولتها الجديدة منذ أكثر من أسبوع، للتوصل إلى اتفاق إطار بين حركة حماس وإسرائيل لوقف الحرب على قطاع غزة، ودخول المساعدات إلى القطاع من دون شروط، وتبادل الأسرى، وضمان بدء مفاوضات فوراً لإنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع.

تتبنّى قطر مبدأ حلّ النزاعات بالوسائل السلمية والحوار والدبلوماسية الوقائية، ويعتبر ذلك التزاماً دستورياً لدولة قطر

التزام دستوري بالدبلوماسية في قطر

وتتبنّى دولة قطر مبدأ حلّ النزاعات بالوسائل السلمية والحوار والدبلوماسية الوقائية والوساطة والمساعي الحميدة كأولوية في سياستها الخارجية، ويعتبر ذلك التزاماً دستورياً لدولة قطر، وتنصّ المادة السابعة من دستور قطر الدائم الصادر عام 2003 على: "تقوم السياسة الخارجية للدولة على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين، عن طريق تشجيع فضّ المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وبما يتفق مع دور الدولة في حل تلك المنازعات على المستويين الإقليمي والدولي من خلال الوساطة والحوار، وما يستلزمه ذلك من الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام".

ومنذ عام 2004، تصاعدت جهود دولة قطر في مجال الوساطة، وشمل ذلك الخوض في عدد من الوساطات بهدف وقف إطلاق النار واستعادة العلاقات الدبلوماسية، والإفراج عن الرهائن، وتبادل الأسرى، ودعم الحوارات الوطنية، وإنهاء النزاعات الحدودية، وتعزيز الجهود الإنسانية، والتوصل إلى اتفاقيات السلام في العديد من الصراعات على المستويين الإقليمي والدولي.

ويعدّد الإعلامي والكاتب عيسى آل إسحاق، لـ"العربي الجديد"، النجاحات التي سجّلتها الوساطة القطرية، في وقف العديد من النزاعات والحروب خلال السنوات القليلة الماضية، كوساطتها في إقليم دارفور بالسودان، وعملية السلام الأفغانية، والدور الذي لعبته في المفاوضات بين واشنطن وحركة طالبان، وأدوارها في غزة وسورية وليبيا وغيرها من الأزمات في المنطقة والإقليم. ويقول: "تعدّ قطر واحدة من الدول الرائدة في مجال الوساطة الدولية، حيث قامت بدور إيجابي في حلّ النزاعات والنهوض بالسلام، وهي تعتمد على دبلوماسية نشطة تتضمن الانفتاح على جميع الأطراف، وبناء علاقات قوية مع مختلف الدول والمجموعات السياسية، ما يمكّنها من العمل وسيطاً موثوقاً". ويلفت إلى تمسك قطر بمبدأ الحياد وتجنّب الانحياز لطرف ضد آخر، ما يعزّز مصداقيتها وسيطاً.

تنشط الدبلوماسية القطرية في التواصل بين واشنطن وطهران

من جهته، يقول المستشار الإعلامي والكاتب الصحافي جاسم إبراهيم فخرو، لـ"العربي الجديد": "لقد اختارت قطر أن تكون جزءاً من الحل، وأن تستثمر في صناعة السلام، لا في تعميق الخلافات، وهو ما يجعلها، وبكل جدارة، عاصمة الدبلوماسية في زمن الانقسام، ومرجعاً موثوقاً في الأزمات، وهي تواصل إثبات مكانتها كقوة ناعمة فاعلة، تبادر لاكتشاف مساحات للحلّ، حين يعجز الآخرون عن مجرد اللقاء". ولا يرى فخرو في الجهود القطرية مجرد تحركات سياسية، بل يراها تعبيراً صادقاً عن دبلوماسية قطرية ناضجة، تتكئ على رصيد من الثقة الدولية، وعلى سياسة خارجية تستند إلى التوازن والاعتدال والاحترام المتبادل، وهو ما يحقق لها القبول دولياً كوسيط نزيه، ويفسّر نجاحاتها المتواصلة في أكثر من ملف وأزمة إقليمية ودولية.

وتنشط الدبلوماسية القطرية في التواصل بين واشنطن وطهران، بعد العدوان الإسرائيلي على إيران والهجوم الأميركي على المواقع النووية الإيرانية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحافي في 30 يونيو الماضي، إن هناك انخراطاً قطرياً في جهود الوصول لاتفاق حول الملف النووي الإيراني، وذلك بعد انتهاء المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية.

ولم يمنع انشغال الدبلوماسية القطرية في حلحلة هذه الأزمات وساطتها وجهودها المستمرة من أجل لمّ شمل الأطفال مع عائلاتهم المتضررة من الحرب في أوكرانيا وروسيا. كما أن رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني استقبل رئيس إقليم صوماليلاند (إقليم أرض الصومال الانفصالي غير المعترف به دولياً) عبد الرحمن محمد عبد الله عرّو، خلال زيارة الأخير إلى الدوحة نهاية يونيو الماضي. وناقش الجانبان، وفق وزارة الخارجية القطرية، "جهود تحقيق السلام الإقليمي، والتطوّرات السياسية في الصومال، واستقرار منطقة القرن الأفريقي. وتبادل الطرفان وجهات النظر بشأن مسار الصومال وسبل دعم الاستقرار الدائم في المنطقة". وأكد رئيس الوزراء القطري، خلال اللقاء، "إيمان دولة قطر بأن مستقبل الصومال يُبنى عبر الانفتاح والتواصل البنّاء بين جميع مكوناته، مما يضمن احترام سيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدتها الوطنية". ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه على هذا المستوى، وهو ما قد يمهّد لدور قطري في الأزمة الصومالية مستقبلاً، خصوصاً أن الدوحة ترتبط بعلاقات مميزة مع مقديشيو، وسبق لها أن توسطت بين مختلف الأطراف الصومالية خلال السنوات الماضية.

السلام في الكونغو الديمقراطية

ليست المرة الأولى التي تستضيف فيها الدوحة جولة من المفاوضات بين الحكومة الكونغولية وحركة 23 مارس المتمردة، وسبق لها أن استضافت عدة جولات من المفاوضات، بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار وإنهاء النزاع المسلح في شرق الكونغو. ولم تعلن قطر رسمياً عن جولة المفاوضات هذه، ما يعكس نهجها في إجراء مفاوضات خلف الأبواب المغلقة.

يجرى التفاوض في الدوحة بين الحكومة الكونغولية وحركة 23 مارس، على قضايا أمنية وسياسية واقتصادية

ووقّعت الكونغو الديمقراطية ورواندا أواخر يونيو الماضي اتفاق سلام في واشنطن، نصّ على إنشاء هيئة تنسيق أمني مشتركة لرصد التقدم، وتعهدتا فيه بوقف الدعم للمتمردين بالبلدين. وكانت الدوحة قد استضافت المفاوضات قبل أشهر، كجزء من جهود الوساطة القطرية لتهدئة الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية، بعد أن سيطرت حركة 23 مارس، المدعومة من رواندا بحسب اتهامات الكونغو الديمقراطية، على مدن رئيسية مثل غوما وبوكافو منذ يناير/كانون الثاني الماضي، ما تسبب في مقتل الآلاف ونزوح مئات الآلاف.

وعُقدت في الدوحة في إبريل/ نيسان الماضي أول محادثات مباشرة بين الطرفين منذ سيطرة الحركة على مدن شرق الكونغو الديمقراطية، وجاء ذلك بعد انسحاب الحركة من بلدة واليكالي الاستراتيجية كبادرة حسن نية، سبقتها قمة عُقدت في الدوحة في شهر مارس/ آذار، جمعت الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي، بوساطة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ما مهّد لمحادثات لاحقة، وللتوصّل إلى اتفاق سلام مبدئي، جرى توقيعه في واشنطن في أواخر يونيو الماضي، تضمن التزام الطرفين بوقف الأعمال العدائية ورفض خطاب الكراهية.

ويجرى التفاوض في الدوحة بين الحكومة الكونغولية وحركة 23 مارس، على قضايا أمنية وسياسية واقتصادية، إذ تطالب كينشاسا بانسحاب مقاتلي الحركة من المناطق التي يسيطرون عليها وتسليمها إلى السلطات، وهو ما ترفضه الحركة من دون الحصول على ضمانات واضحة، وتشترط الحركة تلك الضمانات قبل أي خطوة نحو نزع السلاح أو تسريح مقاتليها، الذين تتهم بعضهم الحكومة بأنهم "مرتزقة أجانب". وتشمل هذه الضمانات: العفو العام عن عناصر الحركة لتفادي الملاحقات القضائية، إعادة دمجهم في الجيش الكونغولي أو استيعابهم في مؤسسات الدولة، وضمان مشاركتهم السياسية. كذلك تطالب الحركة بتنظيم حوار وطني حول الحكم المحلي، يضمن تمثيلها ومساهمتها في تنمية المناطق التي تنشط فيها، إلى جانب التوزيع العادل للموارد الوطنية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows