يا لهذا القائد الفذ!
لا أستطيع منع نفسي من النظر بفخر إلى هذا القائد العظيم: بنيامين نتنياهو. كيف لا أفعل، ولقد أنجز أقصى، بل ما لم أجرؤ على الحلم به يوماً.
مذ قدمت من بولندا، بلدنا نتنياهو وأنا، في ستينيات القرن الماضي، قبعت سنين خائفة من انقضاض العرب علينا لاسترجاع ما استولينا عليه من أرضهم. كنت أنام قلقة من أن أصحو لأجد فلسطينياً أو مصرياً أو سورياً فوق رأسي. لكني بدأت أرتاح قليلا بعد انتصارنا المُدهش في العام 1967.
قادتنا السابقون، وعلى الرغم من أنهم نجحوا في الاستيلاء على المزيد من الأراضي لاحقاً في مصر وسورية ولبنان، إلا أنهم لم يكونوا من ذوي الطموح. كانوا مستعدّين للصلح شرط احتفاظنا بكلّ ما استولينا عليه حتى ذلك الحين. لصوص صغار. يا لضيق الأفق.
كانوا يخافون من شركائنا الغربيين أن ينفضّوا عنّا، كما فعل ذلك الغبي إسحق رابين (لا غفر الله له) حين وضع يده في يد ياسر عرفات وأخذ يتحدّث عن السلام. صحيح أنه أتاح لنا السيطرة إلى حدٍّ ما على غزّة والضفة عبر اتفاقية أوسلو، لكني لن أنسى تلك المصافحة بينه وبين عرفات، ولو أنه أهان الأخير حين ماطل في مدّ يده، إلا أنّه مدّها في النهاية. لقد جرّأهم علينا إلى درجة عودتهم للمطالبة بحلّ الدولتين وحقّ العودة. هه. العودة؟ إلى أين يا حبيبي؟
اسمع: في الواقع، أنا أحبّ إسرائيل أكثر بكثير من بولندا، بلدي الحقيقي. فما هو الوطن في النهاية؟ أليس المكان الذي يعطيك من الحقوق ما لا تعطيك إياه أيّ بلاد أخرى؟ دع عنك ذلك الكلام السخيف عن الارتباط بالتراب وأرض الأجداد وما إلى ذلك. فهل أعطتني بولندا ما أعطتني إياه إسرائيل؟ لا مقارنة أصلاً. أيّ بلد يعطيك بيتاً ويطرد من كان فيه لأجلك وبحماية الشرطة والقانون؟ إنها أرض اللبن والعسل والأملاك المجانية. الجنّة! ونحن هنا بمثابة الملائكة. فوق البشر. في أيّ بلد يمكن لأمثالي أن يُعاملوا هكذا لمجرّد أنّي يهودية صهيونية وفوق ذلك بيضاء؟
بدأت أحلم ببيت لأحفادي حتى في لبنان. أو ربما في دمشق. لم لا؟
لا لم أكن لأحلم بما يحصل اليوم. أنام قريرة العين (ما عدا أيام القصف بالصواريخ) ولقد بدأت أحلم ببيت لأحفادي حتى في لبنان. أو ربما في دمشق. لم لا؟
فكيف لا أُقبّل العزيز بنيامين نتنياهو من جبينه؟ كيف لا أنظر إليه بإعجاب وهو يتلوّن، يُماطل حين يُحشر بالمفاوضات، فينشر التسريبات عن خلافات داخلية تارة، ومع أميركا تارة أخرى، ويقاوم، في الوقت نفسه، هؤلاء الإسرائيليين الأغبياء الذين يريدون منه أن يتوقّف عن شنّ الحروب على أعدائنا!
ومن أجل ماذا؟ من أجل بضعة رجال ونساء أسرى عند "خماس"؟ هم يهود صحيح، ولكن أليس لكلّ مشروع كبير آثار جانبية؟ وحلمنا بإخضاع المنطقة بكاملها لقوّتنا وإرادتنا، والاستيلاء على ثرواتها وإحالة أهلها عبيدًا لنا، ألا يستحق التضحية ببضعة أشخاص؟
أعلم أنّ معظمهم ما زال حيّاً، وماذا بعد؟ فليعتبروا أنفسهم جنوداً في جيش الدفاع. عسكراً مأموراً في معركة، وقد طَلَب منهم قائدهم الهجوم والالتحام بالعدو. ألن يلبوا الأوامر؟ ألن يتعرّضوا للموت؟ فليعتبروا أنفسهم قُتلوا في سبيل القضية، وأنهم كانوا جسرنا إلى الوطن الذي لم نحلم به يوماً. وطن أوسع من قطعة الأرض التي انتزعناها من الفلسطينيين، وطن نكون حكامه من الفرات إلى النيل، ولم لا؟ ربما أبعد وأوسع من ذلك. من سيلجمنا؟
فليكن، في المستقبل سوف نعتبرهم أبطالاً. وربما سنطلق أسماءهم على الشوارع في عواصم العرب.
آه لبنان. يا له من بلد جميل. يكاد لعابي يسيل حين أرى صوره. شهوتي للأرض المجانية لا ترتوي. إن كانت غزّة ستصبح ريفييرا، فلبنان سنحوّله إلى مونت كارلو. أصلا هم يحبّون الكازينو والسياحة.
نحن هنا بمثابة الملائكة. فوق البشر. في أيّ بلد (سوى إسرائيل) يمكن لأمثالي أن يُعاملوا هكذا لمجرّد أنّي يهودية صهيونية، وفوق ذلك بيضاء؟
نعم يا بني، أنا أحبّ نتنياهو. ولم لا أحبّه؟
انظر إلى هؤلاء الذين قالوا إنهم سيرموننا في البحر! منذ سبع وسبعين سنة نعيش الخوف من القبض علينا متلبسين بجريمة سرقة بلد وإبادة أهله! يا لعبقريته: ها هو يحوّل جرائمنا إلى بطولة، وسرقتنا إلى حق، وأعداءنا إلى كائنات عاجزة.
انظر إليهم في غزّة. مخلوقات أدنى من البشر العاديين وليس فقط أدنى منّا. يستنجدون بأصواتهم المُزعجة التي تشبه طنين الذباب، يستغيثون ولا أحد يردّ عليهم، حتى من بني جلدتهم. جياع، يموت أطفالهم من سوء التغذية، يتهافتون بالرغم من خطر الموت المؤكّد ببنادق قناصينا المَهرة، إلى كفوفنا التي تحمل بعض الحبوب ننثرها أمامهم كما نفعل للدجاج، ونذبحهم ما إن يقتربوا منها ليلتقطوها كالدجاج. الفارق الوحيد بينهم وبين الدجاج أننا بعد لم نتذوّق لحمهم!
أم فعلنا؟
كان العالم يضجّ بحلّ الدولتين بعد فعلة رابين. سلمت يدك يا إيغال عامير (قاتل إسحق رابين). واليوم؟ من يتحدّث عن ذلك بعد؟ كلّ الكلام منذ أكثر من سنتين لا يدور إلا حول ثلاث مفردات: وقف إطلاق النار! في البدء غزّة، ثم لبنان، ثم الضفة، ثم سورية، ثم إيران. هم يتحدّثون، ونحن نكمل الإبادة. هذا هو إنجاز نتنياهو.
ألا يستحق حُلمنا بإخضاع المنطقة بكاملها لقوّتنا وإرادتنا، والاستيلاء على ثرواتها وإحالة أهلها عبيداً لنا، التضحية ببضعة أشخاص؟
أضحك حين يقولون في الأخبار إنّ الغبي بن غفير والتافه سموتريتش يتحكّمان به ويدفعانه إلى عدم القبول بإنهاء الحرب. كم هي مسلّية لعبة تقاسم الأدوار. تماماً كتلك التي نلعبها وصديقنا الرائع في أميركا. لا لا أقصد ترامب فقط الذي يلعب لعبة المهرّج الخطر، ولا بايدن الأهبل الخرفان الذي يظن أنه حاكم العالم في حين أنّنا نحن من يحكم. اقصد أيّ رئيس أميركي.
لكن للحقيقة؟ مع ترامب تسلينا كثيرا. هناك تفاعل رائع بيننا. وذلك المشهد الأخير لعزيزي بيبي يقول لترامب إنّه رشحه لجائزة نوبل للسلام؟ تحفة! ضربة معلم.
ولكن في النهاية، لم لا؟ ألم يحصل عليها كلّ من إسحق رابين وشمعون بيريز والمخرّب عرفات؟
ومع تلك القفلة أقصد خداع إيران بالمفاوضات، وضربة المعلم من أصدقائنا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ كم تسلينا. يا الهي، أكاد لا أتوقّف عن الضحك.
أعلم أنهم قصفونا وآلموا بعض الإسرائيليين، لكن كما قلت لا بُدّ من بعض الخسائر.
تقول تلك المقرّرة الأممية الخاصة في ما يسمّى الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي إنّ "مؤسسة غزة الإنسانية" فخ مصمّم لقتل الناس. يا لذكائك. هل اكتشفت ذلك الآن؟ وما الذي تستطيعين فعله؟ انبحي في مؤسسات الأمم المتحدة ما شئت. ففي النهاية هناك الفيتو الصديق. وها أنت تتلقين صفعة العقوبات الأميركية على وجهك الكريه.
هم يتحدّثون، ونحن نكمل الإبادة. هذا هو إنجاز نتنياهو
ماذا؟ المحكمة الجنائية الدولية؟ دعيني أضحك. ألم تري ما الذي فعلناه بذلك المعادي للسامية كريم خان؟ لقد أجبرناه على المغادرة. لن يجرؤ أيّ منكم على أيّ شيء. نحن سادة العالم. ومن لا يعجبه فليغادر. على كلّ تخلّصنا من مئات الآلاف من مناهضينا، حتى في إسرائيل، إن كانوا علمانيين أو غيره. رحلوا من تلقاء أنفسهم إلى قبرص واليونان. جيّد. الخونة الجبناء، تخلّصنا من نقيقهم المزعج.
والقضاء؟ سيأتي دوره. يقاضونه على مسائل سخيفة. وماذا إن طلب من أرنون موزيس وشاؤول ألوفيتش (متورطان في قضايا الفساد المرفوعة ضد نتنياهو) تغطية إعلامية أفضل في "يديعوت أحرونوت" وموقع "والا" مقابل الخدمات التي طلباها منه؟ هل هذا كثير؟
تقولون تلقى أموالاً مقابل تخفيف بعض الضرائب؟ هه، يا لطهارتكم. ألسنا كلّنا لصوصاً؟ ألم نسرق جميعاً أو أقلّه، نوافق على سرقة هذه الأرض من أصحابها؟ قتلنا وذبحنا وما زلنا طليقين من دون من أن يقترب هذا القضاء أو أيّ قضاء منا؟ ألسنا أمّة من اللصوص والقتلة؟ تماماً كما كانت أميركا، عرّابتنا، في بداياتها؟ فكيف يُحاكم السارق أو القاتل زميله في الجريمة؟
هيا... فلننهِ هذا النقاش. عد إلى كتيبتك. لا تفكّر برفض الخدمة، وإلا أعدتك مفلساً إلى بولندا.
Related News

