
منع الكلمة لا يمنع الشرور، بل قد يؤجّجها. ضمن هذا الاعتبار، يأتي كتاب "خطاب الكراهية: بين الرقابة القانونية وحرية التعبير" للباحثة الأميركية نادين ستروسن، الصادر حديثاً عن مركز نهوض للدراسات والنشر في الكويت، بترجمة أحمد علي ضبش وأحمد عاطف أحمد. يقع الكتاب في 224 صفحة، ويناقش العلاقة بين قوانين تجريم خطاب الكراهية، ومبادئ حرية التعبير والمساواة.
يركز الكتاب على مدى اتّساق القوانين التي تجرّم هذا النوع من الخطاب، مع الضمانات الدستورية، وإن كانت تحقق هدفها في الحد من التمييز والعنف، أم أنّها تُستخدم لقمع معارضي الأنظمة، والصحافة، والحركات الطلابية، خاصة حين يكون تعريف الكراهية تعريفاً تأويليّاً.
ترى ستروسن أنّ قوانين تجريم الكراهية بصياغاتها العامة، قد تؤدي إلى نتائج عكسية تمنح أصحاب هذه الخطابات شعوراً واهماً بالمظلومية. وتعتمد الباحثة في مقاربتها على التعديل الأول للدستور الأميركي أساساً لحماية حرية التعبير.
يتألف الكتاب من ثمانية فصول، يناقش الفصل الأول إشكالية تعريف خطاب الكراهية قانونياً. ويعرض الثاني تعارض القوانين التي تحاربه، مع مبادئ المساواة وصون الحريات. يتناول الفصل الثالث الاستثناءات التي يجيز فيها القانون تقييد الخطاب، كالتحريض المباشر على العنف. ويعرض الفصل الرابع الإشكالات الناتجة عن عمومية الصياغات القانونية. ويبحث الفصل الخامس في تعريفات دقيقة تتجنّب غموض القوانين.
أما الفصل السادس فيبحث في الأذى المعنوي للكراهية، عبر مجموعة من الدراسات الإحصائية تناقش الأثر الفعلي للإعلام في عمليات الإبادة. ويدرس الفصل السابع فعالية القوانين، لتقترح الباحثة في الفصل الثامن والأخير بدائل غير رقابية لمواجهة خطاب الكراهية؛ منها التعليم والعمل المجتمعي.
تشير ستروسن إلى حالات قانونية في فرنسا وألمانيا والدنمارك وكندا وكينيا والهند، حيث أُدين أفراد بسبب تعبيرهم عن آراء دينية أو سياسية، واستخدمت القوانين لتقييد حرية المعارضة. وتُفرد نقاشاً خاصاً لحالة رواندا بعد إبادة 1994، بالتفريق بين التحريض المباشر، الذي ترى ضرورة تجريمه، وبين خطابات الكراهية العامة التي يمكن نقاشها في أكثر من مستوى.
ويرى الكتاب أن مواجهة خطاب الكراهية تكون أكثر فاعلية عبر أدوات غير رقابية، أهمها الخطاب المضاد. تخلص أيضاً إلى أن حماية حرية التعبير، لا تقويضها، هي ما يتيح للمجتمعات معالجة الظواهر الإقصائية. فالمجتمعات التي تُواجه الكراهية علناً، هي الأقدر على تفكيكها. كما تستشهد بمواقف لرموز في حركة الحقوق المدنية الأميركية، مثل جون لويس وثورغود مارشال، وآخرين ممن رأوا في حرية التعبير أداة للنضال، لا تهديداً له.
الكتاب بإشكاليته الرئيسية، لا يدافع عن خطاب الكراهية، إنما عن حرية التعبير، ويدعو إلى استخدامها لمواجهته، لا لتعزيزه في إجراءات قانونية قد يُساء استخدامها من قبل السلطات السياسية.

Related News

