
حين التحقت الباحثة والكاتبة المصرية أميرة حلمي مطر (1930 – 2025)، بقسم الفلسفة في جامعة القاهرة أواخر الأربعينات، كانت الطالبة الوحيدة بين ثلاثين طالباً. وقد تخرجت عام 1952، ثم نالت الماجستير والدكتوراه في الفلسفة، لتصبح أول امرأة ترأس قسم الفلسفة بالجامعة.
هذه السيرة تضع الراحلة التي رحلت يوم الثلاثاء 8 يوليو/تموز، ضمن جيل الرائدات اللاتي لم يعملن تحت عناوين نسوية كبيرة، سواء بالتنظيم أو بالتنظير، لكنهن أسّسن حضوراً نسائياً في فضاءات كانت حكراً على الرجال في حينها.
في السياق الأكاديمي أيضاً، كرّست مطر أعمالها للفلسفة اليونانية والفلسفة السياسية وفلسفة علم الجمال. كما أَدخلت إلى المنهج الجامعي مقررات لم تكن تدرّس من قبل، منها علم الجمال والفكر السياسي القديم، وشاركت في لجان الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة، وأشرفت على عشرات الرسائل العلمية.
لكن اهتماماتها لم تقف عند الفلسفة اليونانية، بل شملت التقاطعات بين الفكر الإسلامي وتراث اليونان، في استعادتها لابن رشد وابن سينا والفارابي والسهروردي مقابل أفلاطون وأرسطو.
تبنّت نسوية تواجه الثقافة الذكورية في إطار الحرية السياسية
بدأت بمساءلة البُنى الثقافية الذكورية في مرحلة مبكرة في مقال بعنوان "مفهوم الحرية عند سيمون دي بوفوار" نشر عام 1967، عبر مقولات مفادها أن المطالبة بحرية المرأة، تأتي أساساً في سياق أشمل، وهو المطالبة بحرية كل مضطهد. وتعرّف بذلك مسألة الحرية، على أنها موقف فردي وخاص، أي، إنه محدد المعطيات، وليس عاماً وإنشائياً. بهذا تبنّت النسوية التي تواجه الثقافة الذكورية، ليس من موقع الضحية، إنما في إطار الحرية السياسية، ورغبة تغيير أكثر اتّساعاً، وقد ارتبطت لديها قضية المرأة بقضية الحرية.
في مقالٍ آخر لها منشور عام 1975 بعنوان "الفلاسفة وأساطير المرأة"، تتبّعت تمثيلات الأنثى في المتون الفلسفية، منتقدةً الأنماط الأسطورية التي رسمت صورة المرأة عبر تاريخ الفلسفة: بدءاً بالعبقريات اليونانية التي قامت على حساب عبودية النساء مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو، وصولاً إلى النازية التي جعلت حتى التشريع القانوني ينظر إلى المرأة على أنها أدنى منزلة من الرجل.
تخلص في السياق السياسي لهذه المقاربات، إلى أن الوصول إلى "الديمقراطية الليبرالية" لا يمكن أن يتحقق إلا بالمشاركة الفعلية للمرأة والرجل. وتؤسس قولها هذا -ضمن اهتمامها بالفلسفة العربية- على مقولة قاسم أمين، بأن "انحطاط الأمة يرجع إلى انحطاط وضع المرأة، وارتقاء المرأة مرتبط بارتقاء الأمة".
تنظر مطر إلى التراث الفلسفي سواء اليوناني أو الإسلامي، بوعي نسوي ونقدي. مع أنها لم تقدّم نفسها مناضلة، بل باحثة وأكاديمية. لكن يظهر جهدها في أبحاثها ومقولاتها الثقافية في تفكيك المفاهيم وإعادة إنتاجها بوعي جديد ينتمي إلى الحقبة التي عاشت بها، ويستند أساساً إلى قيم التنوير والحداثة.
قد تتقاطع مطر بشخصيتها الأكاديمية ومسعاها النقدي، مع التحوّلات التي نادت بضرورتها نسويات عربيات مثل نوال السعداوي (1931-2021)، أو فاطمة المرنيسي (1940-2015)، دون أن تدخل في سجالات مباشرة، بل عبر إعادة قراءة هادئة للنصوص التأسيسية في الفلسفة.

Related News

