عن عزاء ليبي في ربيع المدخلي
Arab
2 days ago
share

أخيراً توحد الأفرقاء الليبيون، ولعلّه ليس من المبالغة القول إنّك لن تجد موقفاً اجتمعوا عليه منذ ثورة فبراير 2011، إلا لدى نعيهم الشيخَ السعودي الراحل ربيع بن هادي المدخلي، بعد وفاته أمس. وقد بادر النظام القديم ممثلاً بالساعدي الابن الثالث للزعيم الراحل معمر القذافي، مترحماً عليه، كما الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في طرابلس التابعة لحكومة الوحدة الوطنية الحاكمة لغرب ليبيا، ومن ثم جماعة الشرق عبر "الفريق ركن" صدام حفتر، رئيس ما يُعرف بالقوات البرية التابعة لوالده اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

بالتأكيد منذ سنوات، لم تحظ شخصية في البلاد بمثل ذاك الإجماع والاهتمام الدالين على حجم انتشار وتوغل وتحالفات أتباع الشيخ السلفي الراحل عن 92 عاماً، ليس دينياً فقط عبر الإمساك بمفاصل وزارة الأوقاف والسيطرة على المساجد، وإنما من خلال مليشياتهم الموزعة شرقاً وغرباً، والمتورطة في انتهاكات لا تعد ولا تحصى بحق مخالفيها، وقد كان من أبرزهم الدكتور نادر السنوسي العمراني نائب المفتي وعضو رابطة علماء المسلمين، ونائب رئيس رابطة علماء المغرب العربي، وهو سلفي أيضاً، ومع ذلك اختطفوه وقتلوه في عام 2016، بدعوى أنه من الخوارج المعارضين لوليّ الأمر، ما جعل أهل طرابلس يهتفون في جنازته "مالكية مالكية .. مانبوها (لا نريدها) مدخلية".

مؤدى ما سبق أن بعداً عقائدياً يسهم في راهنية حالة التشظي الليبية، علاوة على الأبعاد الجهوية والمناطقية والقبلية، وكلها رواسب راسية من زمن القذافي الأب، ففي عهده بدأ وجود التيار المدخلي، وتحديداً خلال العقد الأخير من حكمه، وقد كان الساعدي ضابط الارتباط معهم، موجهاً إياهم لتنفيذ تعليمات والده في احتواء والسيطرة ومواجهة خصومه من الإسلاميين الحركيين، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين والجهادية السلفية ممثلة في تنظيمها الجماعة الإسلامية، إذ يعرف المداخلة بتقديس الولاء المطلق للسلطة، ويشددون على السمع والطاعة لولاة الأمر، ويحذرون من الخروج عليهم ولديهم حربهم الخاصة ضد الجماعات التي يعتبرونها مخالفة للمنهج المعتمد لديهم.

هكذا بدون دعم من السلطة أو الحاكم الفردي المتغلب لا يمكن أن تسمع لهؤلاء إلا همساً، ولهذا يعود تمددهم وقدرتهم على جذب الأتباع إلى فقدان الليبيين منذ عهد الديكتاتور الراحل وحتى اليوم إلى هوية مشتركة، وهذه طبيعة الأنظمة تلك، فالانتماء إلى المستبد فقط لا شريك له، ما يخلق حالة من غياب التماسك المجتمعي وبيئة مواتية للتطرف، ويسهل من تمدده في مجتمعات قلقة ومنعزلة ومرتابة في بعضها، لتعود إلى القبيلة والجهة والإثنية والمذهب وحتى ما دونه بحثاً عن إشباع تلك الاحتياجات، وفي الحالة الليبية أمكن لمنتسبي التيار استثمار ما سبق عبر "مجتمع مضاد" يقوم على مدارس ومكتبات ومساجد ومعاهد شرعية ترسخ نمطاً من التدين القاتل لفكرة الإيجابية والعمل الجماعي وتشغيل الدماغ لتغيير الواقع المزري، وبدلاً من ذلك ينشغل هؤلاء بتفسيق وتبديع كل من يسعى إلى ذلك. 

في ضوء ذلك يمكن فهم رمزية توحد كل هذه الأطراف المتنافرة على موقف واحد ولو كان بسيطاً مثل هذا العزاء، إنه الحلم بالخلاص من الباقين باستخدام "سوفت وير" أو برنامج يقوم على أفكار التيار التي يريد كل منهم تنزيلها على الواقع للتغلب على خصومهم، والوصول إلى احتكار مطلق للثروة والسلطة أصل النزاع ومنشأه الحقيقي، وما الانقسام الجاري في البلاد إلا نتيجة حتمية لذلك، وهذه أحد أكبر التهديدات التي تواجه بناء وتوحيد الدولة منذ مرحلة ما بعد الثورة، ولربما هذا أقصى أماني الليبيين حالياً دونما الحلم بالمدنية أو الديمقراطية، التي ما إن يأتي ذكرها أمام أحد المنتمين إلى ذلك التيار إلا وينتفض مكفراً لها ولمن يرومها باستخدام نصوص تمّ لي عنقها في ظل تغييب أخرى، ليبقى الوضع على ما هو عليه، سادة أو متغلبون وعبيد أو مغلوبون على أمرهم.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows