استكمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربه التجارية، مع إعلانه فرض تعرفات جمركية بنسبة 50% على النحاس المستورد، لتضاف إلى رسوم الصلب والألمنيوم، لافتاً إلى أنه سيطبق قريباً رسوماً هدد بفرضها منذ فترة طويلة على أشباه الموصلات والأدوية، مما يوسع نطاق حربه التجارية التي هزت الأسواق في جميع أنحاء العالم.

ويعرف النحاس في الأسواق المالية، باسم "الدكتور نحاس"، لأن سعره يعد مقياساً لصحة الاقتصاد العالمي. أدت تصريحات ترامب، التي أدلى بها خلال اجتماع في البيت الأبيض، أول من أمس الثلاثاء، إلى مزيد من عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي الذي اهتز بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها أو هدد بفرضها على الواردات إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم.

وقفزت العقود الآجلة للنحاس الأميركي بأكثر من 10% بعد إعلان ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على معدن بالغ الأهمية للسيارات الكهربائية، والمعدات العسكرية، وشبكة الكهرباء، والعديد من السلع الاستهلاكية، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق في الولايات المتحدة، وانخفض في أسواق أخرى.

ستُضاف هذه الرسوم إلى الرسوم الجمركية المفروضة بالفعل على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات، مع أنه لم يتضح بعد موعد سريان الرسوم الجمركية الجديدة. وكانت ردة فعل المستثمرين على إعلان ترامب سريعة، إذ قفزت العقود الآجلة للنحاس المتداولة في الولايات المتحدة إلى 5.682 دولارات للرطل، لتغلق عند أعلى مستوى لها على الإطلاق. ووفق صحيفة ذا غارديان البريطانية سيؤدي ارتفاع أسعار النحاس المحلي، وفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات المعدن، إلى زيادة الضغوط التضخمية على الشركات والمستهلكين في الولايات المتحدة.

تأثير رسوم النحاس على الأسواق

وأغلق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على انخفاض طفيف، أول من أمس الثلاثاء الماضي، بعد يوم من انخفاض حاد في أسواق وول ستريت، في أعقاب إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية الجديدة، وعاد للتوازن أمس الأربعاء، مع اعتقاد المستثمرين أن رسوم النحاس قد تكون مجرد آلية للضغط على الدول للتفاوض على الرسوم الأخرى. واستوردت الولايات المتحدة نحو 810 آلاف طن متري من النحاس المكرر العام الماضي، وهو ما يمثل نحو نصف ما استهلكته، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

ويجري تداول عقود النحاس الآجلة بشكل رئيسي في بورصتي كومكس في نيويورك ولندن للمعادن. وعادة ما تتحرك الأسعار بوتيرة متزامنة، ففي حال تباعدها، يُمكن للمتداولين شراء النحاس الأرخص من مكان واحد، وشحنه إلى مكان أعلى سعراً، والاستفادة من الفرق. لكن في فبراير/ شباط الماضي، أمر ترامب بإجراء تحقيق في مخاطر الأمن القومي المرتبطة بواردات النحاس.

واستباقاً للرسوم الجمركية، رفع التجار الأسعار في نيويورك، وبدأوا في شحن كميات هائلة من النحاس إلى الولايات المتحدة، بحسب "وول ستريت جورنال" التي سألت: "لماذا لا يطابق القسط السعري معدل الرسوم الجمركية المُهدد به بنسبة 50%؟". وأجابت أن أحد الأسباب هو تدفق كميات كبيرة من المعدن إلى الولايات المتحدة. ويقدر محللو مؤسسة مورغان ستانلي أن إجمالي النحاس المُكرر الإضافي الذي وصل يكفي لتغطية حوالي ستة أشهر من الواردات.

يُثير محللو "مورغان ستانلي" تساؤلات عدة مُلحة في السوق، منها ما إذا كانت الرسوم الجمركية تُطبق على جميع منتجات النحاس أم على الخردة المُعفاة، كما هو الحال مع رسوم الألمنيوم. وسؤال آخر هو ما إذا كان ترامب سيُعفي أي دولة من الرسوم. فعلى سبيل المثال، يُمكن لإجمالي صادرات تشيلي أن يلبي جميع احتياجات أميركا من النحاس المُكرر.

بالنسبة لبقية العالم، من المرجح أن يصبح النحاس أرخص بمجرد دخول التعرفات الجمركية حيز التنفيذ، مما يقلل الطلب من الولايات المتحدة على المعدن. وكانت تشيلي أكبر مورد إلى الولايات المتحدة، تليها كندا خلال العام الماضي. وقال رئيس شركة كوديلكو لإنتاج النحاس المملوكة للدولة في تشيلي: "علينا أن نرى ما إذا كان هذا سينطبق على جميع البلدان أم بعضها فقط".

وقال نائب رئيس الاقتصاد والتجارة في معهد كاتو (مركز أبحاث مقره واشنطن)، سكوت لينسيكوم، إن الإعلان بدا وكأنه "المزيد من الشيء نفسه"، مما أثار حالة من عدم اليقين، وفي الوقت نفسه أوضح أن التعرفات الجمركية الأعلى قادمة. وقال: "سنحصل على مستوى جديد من التعرفات الجمركية الأميركية المرتفعة تاريخياً، نحن في الحقيقة نتجادل حول العدد الدقيق والتغطية"، مضيفاً أن هذا الإجراء من شأنه أن يساعد المنتجين الأميركيين، لكنه سيضر بالعديد من الشركات في الولايات المتحدة التي تحتاج إلى النحاس في منتجاتها.

ارتفاع التكاليف

وحذر محللون في بنك الاستثمار جيفريز من أن التعرفات الجمركية الجديدة على النحاس ستؤدي إلى ارتفاع التكاليف في الاقتصاد الأميركي، وقالوا في مذكرة: "الولايات المتحدة لا تمتلك ما يكفي من المناجم والمصاهر والتكرير، لتحقيق الاكتفاء الذاتي في النحاس.

ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن تؤدي التعرفات الجمركية على الواردات إلى استمرار ارتفاع الأسعار بشكل كبير في الولايات المتحدة مقارنة بالمناطق الأخرى".

وقال المحلل البارز في بنك سويسكوت، إيبك أوزكارديسكايا، إن آخر الأخبار التجارية من ترامب لم تكن مطمئنة: "أولاً، تحطمت الآمال في تمديد فترة تطبيق الرسوم الجمركية، التي انتهت أول من أمس الثلاثاء، بعد أن هدد دونالد ترامب بأن الموعد النهائي في الأول من أغسطس/آب المقبل سيكون نهائياً، دون أي تمديدات أخرى. ثانياً، فرض رسوماً جمركية بنسبة 50% على النحاس، وأعلن أن الأدوية ستواجه رسوماً جمركية بنسبة 200% خلال عام. أدى هذا الخبر إلى ارتفاع عقود النحاس الآجلة في بورصة كومكس إلى مستوى قياسي، بينما انخفضت أسعار النحاس على منصات أخرى، مثل بورصة كومكس الهندية، وسط توقعات بتحول فائض المعروض إلى أسواق بديلة".