عودة التفاوض بين دمشق و"قسد"
Arab
3 days ago
share

عُقدت في دمشق، أمس الأربعاء، جولة تفاوض بين الحكومة السورية ووفد من "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وذلك بعد جولات سابقة عدة جرت بين الجانبين لتنفيذ اتفاق مبادئ وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع في مارس/ آذار الماضي، مع قائد "قسد" مظلوم عبدي، وسط محاولات لتجسير هوّة الخلافات التي تقف حائلاً دون تطبيق جميع بنود الاتفاق وتحديداً مصير هذه القوات والمناطق الشاسعة والغنية بالثروات التي تسيطر عليها شمال شرقي سورية. 

 وعقب الاجتماع أكدت الحكومة السورية، أمس الأربعاء، ترحيبها بأي مسار مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من شأنه تعزيز وحدة وسلامة أراضي البلاد، مجددةً التمسك الثابت بمبدأ "سورية واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة"، ومعبرةً عن رفضها رفضاً قاطعاً أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة. وقالت الحكومة السورية، في بيان نشرته وكالة الأنباء السورية "سانا"، إن الجيش السوري يُعد المؤسسة الوطنية الجامعة لكل أبناء الوطن، وترحب الدولة بانضمام المقاتلين السوريين من قسد إلى صفوفه، ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة. وقالت في بيانها: "وإذ تبدي الحكومة تفهمها للتحديات التي تواجه بعض الأطراف في قسد، فإنها تحذر من أن أي تأخير في تنفيذ الاتفاقات الموقعة لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يعقّد المشهد، ويعيق جهود إعادة الأمن والاستقرار إلى جميع المناطق السورية".

وأكدت الحكومة السورية أن المكوّن الكردي كان ولا يزال جزءاً أصيلاً من النسيج السوري المتنوع، مشددة على أن حقوق جميع السوريين، بمختلف انتماءاتهم، تُصان وتُحترم ضمن مؤسسات الدولة، وليس خارجها. 

وقبيل اجتماع أمس، ذكرت مصادر إعلامية تابعة لـ"قسد" أن عبدي، والمبعوث الأميركي لسورية، توماس برّاك، وممثلين عن الحكومة الفرنسية، سيشاركون في الاجتماعات، فيما ذكرت وكالة فرانس برس أن الاجتماع عقد بحضور برّاك، الذي التقى أمس الشرع في دمشق، قادماً من لبنان، وذلك "في زيارة رسمية تهدف إلى بحث آفاق التعاون المشترك وتعزيز الحوار السياسي بين البلدين"، وفق ما نقلت الإخبارية السورية.

حمل وفد "قسد" إلى دمشق تعديلات على بنود الاتفاق، وخصوصاً لجهة رفع السقف الزمني لتنفيذه

وفي هذا الخصوص، أكد مصدر إعلامي خاص لـ"العربي الجديد"، أن الشرع وفريق الحكومة السورية التقوا الوفد الأميركي الذي ضمّ ستة أشخاص على رأسهم برّاك. وسبق اللقاء بين الطرفين اجتماع في القصر الرئاسي بدمشق، دارت خلاله مباحثات حول اتفاق مارس بين الشرع و"قسد"، موضحاً أن التفاهم بين الحكومة السورية و"قسد" كان محور هذه الاجتماعات أمس، لا سيما مع وجود وفد "قسد" و"الإدارة الذاتية" بدمشق، مشيراً إلى سعي أميركي لوضع خريطة طريق فعلية بهدف تطبيق الاتفاق.

4 ملفات في جعبة "قسد"

من جهته، قال مصدر مقرب من "الإدارة الذاتية" الكردية، لـ"العربي الجديد"، أن الملفات الرئيسية التي كانت مطروحة للحوار هي اتفاقية مارس، وتحديداً معوقات تطبيقها والعراقيل والأسباب، بالإضافة إلى توقيف وفد حزب الاتحاد الديمقراطي الذي زار دمشق في فترة سابقة. كما قال مصدر كردي لوكالة فرانس برس إن المباحثات تضمنت "مناقشة 4 ملفات رئيسية، أولها شكل الدولة السورية وشكل العلاقة بين الإدارة الذاتية والحكومة في دمشق، بالإضافة إلى ملفي الاقتصاد والقوة العسكرية".

يشار إلى أن الاتفاق الذي وقّعه الشرع وعبدي في 10 مارس، تمّ الاتفاق فيه على ما يلي: ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وجميع مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، والمجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقّه في المواطنة وكل حقوقه الدستورية، ووقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز. كما تمّ الاتفاق على ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلادهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، ودعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد وكل التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري، كما أن تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.

وذكرت مصادر مواكبة للمفاوضات، لـ"العربي الجديد"، أن وفد "قسد" حمل في جعبته إلى دمشق تعديلات على بنود الاتفاق، وخصوصاً لجهة رفع السقف الزمني لتنفيذه إلى أكثر من عام، فضلاً عن المطالبة بوضع خاص داخل الجيش السوري الجديد يتيح لهذه القوات البقاء الجهة المسيطرة على جانب من الشمال الشرقي من سورية، ولا سيما في محافظة الحسكة.

وكان عبدي قد وصل مساء أول من أمس الثلاثاء إلى دمشق، في زيارة مفاجئة على رأس وفد سياسي وعسكري من قواته والكيانات المرتبطة به من سياسية ومدنية وإدارية، للتباحث في الملفات "الساخنة"، للتوصل لحلول تجنّب البلاد دورة عنف جديدة ربما تفتح الباب أمام سيناريوهات تهدد السلم الأهلي.

وكانت "الإدارة الذاتية" وجهت انتقادات للسلطة على خلفية الإعلان الدستوري (مارس الماضي) ثم تشكيل حكومة قالت إنها لا تعكس التنوع. وقال عبدي في نهاية مايو/أيار الماضي، إنهم " ملتزمون بما اتفقنا عليه مع دمشق ونعمل حالياً على تنفيذ هذه الاتفاقية من خلال لجان تطبيقية"، لكنه شدّد على التمسك بـ"سورية لامركزية وتعيش فيها جميع المكونات بكامل حقوقها وألا يتم إقصاء أحد".

ونصّ الاتفاق بين الشرع وعبدي في مارس على دمج "قسد" في المنظومة العسكرية للبلاد، وتُرك للجان مشتركة التباحث في أفضل الطرق لتطبيق هذا المبدأ. وجرت عدة جولات تفاوض حول ملفات متعددة، منها ملف سد تشرين على نهر الفرات، ومصير حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، حققت تقدما لكنها لم تؤسس لتقدم في ملفات أخرى عسكرية وأمنية. إلا أن الجانبين اتفقا أخيراً على ملف تقديم الامتحانات لطلّاب شهادات المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث افتتحت مراكز شمال شرقي سورية تحت إشراف مباشر من وزارة التربية في الحكومة السورية، في خطوة ربما تدلّل على رغبة مشتركة في التفاهم على القضايا البعيدة عن الموضوعين العسكري والأمني.

بسام السليمان: ليس لدى الدولة السورية الكثير للتنازل عنه للجانب الكردي أو لقسد

ويغلب على "قسد" الطابع الكردي، وخصوصاً لجهتي القيادة والتوجيه، فـ"وحدات حماية الشعب" الكردية هي الثقل الرئيسي فيها، لذا تحاول ربط مصيرها بمصير القضية الكردية في البلاد، وهو ما يصعّب من مهام المفاوضين من كلا الطرفين، فدمشق تتعامل مع ملف "قسد" بمعزل عن الملف الكردي الذي لم تقاربه هذه اللحظة. وتشير المعطيات إلى أن مطلب الأكراد بـ"اللامركزية السياسية" سيكون العقبة الكبرى، والتي يحاول الأميركيون والفرنسيون إزاحتها عن طريق التفاهم ما بين الأكراد ودمشق. فالأكراد يطالبون بـ"الاعتراف بالمناطق الكردية كوحدة سياسية وإدارية واحدة وموحدة داخل سورية اتحادية"، كما جاء في وثيقة ما تزال تثير الجدل في المشهد السوري منذ اعتمادها من القوى السياسية الكردية في مؤتمر عقد في القامشلي أواخر إبريل/ نيسان الماضي. كما يطالبون بتحصين هذا المبدأ مع مطالب أخرى في الدستور السوري المقبل، وهو ما ترفضه الإدارة السورية. وأعلنت الرئاسة السورية عقب صدور الوثيقة رفضها أي محاولات "لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل"، مؤكدة في بيان أن حقوق الأكراد محفوظة "في إطار الدولة السورية الواحدة على قاعدة المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون دون الحاجة لأي تدخل خارجي أو وصاية أجنبية". وقالت إن "وحدة سورية أرضاً وشعباً خط أحمر، وأي تجاوز لذلك يُعد خروجاً عن الصفّ الوطني ومساساً بهوية سورية الجامعة".

مع العلم أن هناك تباينات موجودة بين حزب "الاتحاد الديمقراطي" والذي يتزعم عدة أحزاب تشكل الإدارة الذاتية شمال شرقي سورية، وبين "المجلس الوطني الكردي" وأحزابه المتعددة، فكلا الجانبين لديه رؤية ومقاربة مختلفة حيال مصير الأكراد في سورية. وفي هذا الصدد، أوضح الباحث السياسي إبراهيم مسلم في حديث مع "العربي الجديد"، أن "رؤية المجلس الوطني الكردي حيال القضية الكردية في سورية قريبة من رؤية الحزب الديمقراطي الكردستاني في شمال العراق"، موضحاً أن "المجلس يريد اعترافاً دستورياً بالشعب الكردي، وفدرالية، بينما حزب الاتحاد الديمقراطي يؤيد رؤية زعيم حزب العمال الكردستاني (عبدالله أوجلان) القائمة على العيش المشترك بين مكونات المجتمع، والإدارة الذاتية.

ورأى الباحث السياسي عباس شريفة في حديث مع "العربي الجديد"، من جهته، أن الإدارة السورية "ليست ضد مبدأ اللامركزية الإدارية، ولكن على أساس التقسيم الإداري للمحافظات السورية، لدينا 14 محافظة كل واحدة منا وحدة إدارية، من دون جيش مستقل وأجهزة أمنية مستقلة، وخلاف ذلك يعني الاتجاه نحو الحكم الذاتي والفدرالية". وأشار إلى أنه "سيُعترف باللغة الكردية لغة رسمية في المناطق التي يشكل الأكراد غالبية سكانها، وحق الأكراد في تدريسها"، مضيفاً أنه "ربما تكون هناك نشرة أخبار على بعض وسائل الإعلام الرسمية (بالكردية)".

مطالب ممكنة... وأخرى مرفوضة

إلى ذلك، رأى الباحث السياسي بسام السليمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "ليس لدى الدولة السورية الكثير للتنازل عنه للجانب الكردي أو لقسد"، مضيفاً أن "هناك حقوق للدولة لا تتنازل عنها مثل إنهاء الحالة العسكرية خارج الدولة في شمال شرقي سورية، أو موارد الدولة الاقتصادية". وتابع: "في المقابل، يمكن أن تمنح الدولة جزءاً من الموارد للنهوض باقتصاد مناطق تضم هذه الموارد، ومنحها لامركزية إدارية موسعة. هذه أشياء ممكنة ولا أكثر". وأعرب عن اعتقاده بأن تنفيذ الاتفاق يمكن أن يكون متدرجاً بحيث تنحسب "قسد" من الرقة ودير الزور أولاً، مع تأجيل التفاهمات حول الحسكة.

في المقابل، رأى شلال كدو، وهو رئيس حزب "الوسط" الكردي (أحد أحزاب المجلس الوطني الكردي)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك إصراراً من الجانبين الأميركي والفرنسي على تطبيق بنود اتفاق مارس، مضيفاً أن "هناك سقفاً زمنياً للتطبيق وهو نهاية العام الحالي". وقال: "ربما يشهد الاتفاق تعديلات".

ويحاول الأكراد السوريون رفع ما يرونه "غبناً تاريخياً" طاولهم إبّان النظام السابق، والذي كما أشار كدو "نفّذ مشاريع استثنائية بحق الأكراد منها الحزام الأمني (نقل سوريين عرب إلى ريف القامشلي في ستينيات القرن الماضي تضرروا من إنشاء سد الفرات)، فضلاً عن عدم إشراك الأكراد في مؤسسات الدولة رغم بصماتهم في حاضرها وتاريخها وثقافتها". ولخّص كدو مطالب الأكراد بالقول: "نريد نظاماً لا مركزياً في سورية ككل، لأن المركزية أثبتت فشلها وكانت أحد أسباب الثورة". وأوضح: "نحن نتمسك بهذا المبدأ مع مبدأ الاعتراف الدستوري الصريح بوجود شعب كردي في البلاد، إضافة إلى حقوق سياسية وثقافية ولغوية". وأشار إلى أن "هناك مطالب أخرى تخص اسم الدولة (يطالب الأكراد بحذف العربية من الاسم الرسمي للدولة)، مضيفاً أن لديهم أيضاً "ملاحظات على الإعلان الدستوري الذي أُقر أخيراً". وحول مصير الوفد الكردي المشترك الذي شُكّل أخيراً من عدة قوى كردية، وتأخره في الذهاب إلى دمشق للتفاوض مع الحكومة السورية، بيّن أنه "يجب أن يكون لدى دمشق استعداد للحوار مع هذا الوفد، ويجب أن توجه دعوة واستقبال للوفد، ووضع برنامج للحوار". ولفت إلى أنه "حتى هذه اللحظة ليست هناك استجابة واضحة وصريحة من قبل السلطة السورية الجديدة للتفاوض حول الوثيقة الكردية المشتركة التي أقرّها المؤتمر الكردي في إبريل الماضي".

وشكلت القوى الكردية، في بداية يونيو/حزيران الماضي، وفدا موحدا للتفاوض مع الإدارة السورية الجديدة في دمشق، برئاسة مشتركة من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي وعضوية سبعة آخرين، لم يخض حتى اللحظة أي جولة تفاوض مع دمشق.


 
 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows