
تواترت أخيراً حوادث غرق مرتادي الشواطئ التونسية، ولا يزال كثيرون تحت تأثير الصدمة منذ العثور على جثمان الطفلة مريم (3 سنوات)، التي سحبتها المياه، بينما كانت تستخدم عوامتها المطاطية قبالة شاطئ عين قرنيز في قليبية بولاية نابل شمال شرقي البلاد. وأكد عمها أسامة هادي أن تياراً بحرياً قوياً جرفها في ثوانٍ معدودات إلى الأعماق.
وشهد "شاطئ سليمان" غرق أربعة شبان أخيراً، وانتشلت وحدات الدفاع المدني، في 29 يونيو/حزيران الماضي، جثتين لشابين من منطقة قرمبالية في نابل، وذلك بعد بحث دام ساعات. كذلك انتشلت جثة فتاة (17 سنة) توفيت غرقاً بعد أن جرفتها التيارات البحرية. وتوفي شاب (27 سنة) غرقاً بشاطئ سيدي الرايس بمنطقة المريسة في الولاية ذاتها، وتوفيت فتاة (19 سنة) غرقاً في منطقة الصقالة بولاية المهدية شرقاً، وشهد الشاطئ نفسه في 18 يونيو، غرق عائلة بأكملها، حيث جرفت المياه الأب وطفلته وابن شقيقه، فيما أُنقِذَت الأم من بين الأمواج.
فرح الجوادي، طالبة تونسية لم تتجاوز العشرين، كانت تنتظر فصل الصيف للتمتع بالعطلة بعد عام دراسي في روسيا، لكن زيارتها للبحر كادت أن تحول عطلتها في تونس إلى كابوس. تقول لـ"العربي الجديد": "بمجرد أن بدأت السباحة في البحر قبالة سيدي سالم في محافظة بنزرت (شمال)، شعرت بشيء يسحبني إلى الداخل، ثم فجأة وجدت نفسي في مكان أكثر عمقاً، ونجوت يومها بصعوبة".
وفي 3 يوليو/تموز الماضي، حذر بيان للدفاع المدني التونسي من خطر التيارات المائية القوية، التي تسحب السباحين فجأةً من الشاطئ نحو عرض البحر، داعياً جميع المصطافين إلى الحذر. وقال البيان إنه "يجب مراقبة الرايات المرفوعة على الشواطئ، وعدم السباحة إذا كانت الراية حمراء، لأنها تحذّر من خطر في البحر، مثل التيارات الساحبة، وعدم مقاومة التيار إذا شعر الشخص أنه يُسحَب، وعليه أن يبقى هادئاً، ولا يسبح ضد التيار، لأن ذلك مرهق، وعليه السباحة بشكل موازٍ للشاطئ للخروج من مسار التيار".
من جانبه، يقول الخبير المناخي والبيئي، حمدي حشاد، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك ارتفاعاً ملحوظاً ومقلقاً في حرارة سطح البحر المتوسط، وهذا الأمر يشمل جنوبي فرنسا وإيطاليا، وبعض السواحل الشرقية لتونس، من بنزرت حتى صفاقس والمهدية. هذا الارتفاع يفوق بنحو ثلاث درجات مئوية درجات الحرارة المعتادة، ما يستوجب الحذر والاحتياط، خصوصاً أن الانحرافات الحرارية تؤدي إلى عدة ظواهر مقلقة، منها ما يعرف بالتيارات الساحبة، وهي أمواج راجعة باتجاه البحر بسرعة قد تصل إلى 2.5 متر في الثانية، وتصبح أخطر عندما ترتفع درجة حرارة البحر، خصوصاً في الشواطئ المفتوحة".
يضيف حشاد: "حرارة الجو تؤثر كثيراً بديناميكية التيارات البحرية، ما يعني أن البحر لم يعد مثل السابق، إذ تظهر تيارات أكثر قوة وحدة، وهذه الظاهرة ليست مرئية بالعين المجردة، وعادة ما تتكون في أماكن خالية من الأمواج، ما يسهل الوقوع فيها. هذه التيارات تتكوّن خلال بضع ثوانٍ، وتخلق ممرات في المياه، عادة ما تكون ضيقة وسريعة، وتنطلق من الشاطئ إلى وسط البحر، وقد تتجاوز قدرة أمهر السباحين، وبالتالي يصعب الإفلات منها، وهي خطرة، لكونها تستنزف الطاقة، ما قد يؤدي إلى الغرق، حتى في الأيام التي يبدو فيها البحر هادئاً".
ويؤكد أن "تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة تظهر أيضاً في تغيّر لون المياه، وتكاثر الطحالب في بعض المناطق، إلى جانب تواتر بروز قناديل البحر، وفي ظل غياب مراقبة منتظمة لحالة البحر، ومحدودية إمكانات الإنقاذ البحري، فإن النظام البيئي البحري يتأثر، فتهاجر الأسماك، وقد يتضرر نشاط الصيد البحري".
ويقول أستاذ علم المناخ، زهير الحلاوي، لـ"العربي الجديد": "التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة يُسهمان في تمدد البحر، بمعنى أن مستوى البحار يرتفع، ويمكن أن تغمر المياه الأماكن المنخفضة، وعند ارتفاع مستوى سطح البحر فإن نسبة الملوحة تؤثر في الموائد المائية الساحلية، وتصبح غير قابلة للاستغلال الزراعي. تحرك التيارات البحرية يؤدي إلى اضطراب في البحر، واختلال في التوازن البحري، فتهاجر أصناف من الكائنات البحرية، وتأتي أخرى، مثل قناديل البحر".
وحول التيارات البحرية الساحبة وتواتر حالات الغرق في تونس، يبين الحلاوي أن "التيارات البحرية موجودة منذ القدم، وفي الوقت الراهن لا توجد دراسات علمية عن هذه التيارات، إن كانت في تزايد أو تناقص، ومدى علاقتها بتواتر حالات الغرق للتأكد إن كانت هي السبب في الغرق، لأن هناك عدة أسباب قد تؤدي إلى الغرق، كالرياح القوية، وتقلبات الطقس، وغياب الاحتياطات الكافية من قبل المصطافين، وعدم توفر نقاط الحراسة والإنقاذ، والسباحة في أماكن غير آمنة".

Related News

