
منذ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، نادراً ما حظي ألبوم عربي بحملة ترويجية مماثلة لما رافق ألبوم عمرو دياب الجديد "ابتدينا". ومع صدوره قبل أيام، تلقاه الجمهور والمهتمون بوصفه حدثاً موسيقياً استثنائياً، لا سيما في ظل ركود عام تشهده صناعة الموسيقى العربية. فما الجديد الذي يحمله الألبوم؟ وما الذي يعيد تكراره؟ يحافظ النجم المصري، كما جرت العادة، على مكانته المتقدمة في المشهد الغنائي العربي، مستنداً إلى تجربة طويلة، وخبرة واضحة في بناء مسيرته بمراحل متتالية ومتراصة. لكنه في الوقت نفسه يواجه نوعاً من التقديس الإعلامي والجماهيري، يجعل من أي نقد لمساره أو تجاربه أمراً صعباً، وكأن ذائقته أصبحت المعيار الوحيد.
يمتلك عمرو دياب شخصية موسيقية متماسكة، تظهر في حرصه على الانتقال بسلاسة بين المراحل، من دون التفريط بهويته، ما ينعكس في اختياراته الإيقاعية التي تتراوح بين المقسوم والشرقي، وتمتد لتشمل اللاتيني، والإسباني، والبوب الغربي، والموسيقى الإلكترونية، إلى جانب لمسات من موسيقى البوب اليوناني والتركي وحتى الموسيقى الأفريقية.
مع ذلك، يبدو أن هذا التنوع تحوّل في "ابتدينا" إلى استحضار للحنين أكثر منه ابتكاراً جديداً. عنوان الألبوم نفسه يشي بنوع من العودة إلى البدايات، أو محاولة استرجاع لحظة انطلاقة جديدة. وقد تكون هذه "البداية" مجسدة لعودة التعاون مع الملحن عمرو مصطفى الذي قدم في الألبوم لحنَي "ابتدينا" و"خطفوني"، الأخيرة أدّاها دياب بمشاركة ابنته جنا، التي تولّت هي أيضاً المقطع الإنكليزي.
الأغنيتان من مقام النهاوند، وتستحضران طابع حوض المتوسط، بإيقاعات مستمدة من الرومبا الإسبانية في "ابتدينا"، والموسيقى اليونانية في "خطفوني". تعكس هذه العودة محاولة لاستدعاء ألق مرحلة سابقة، كان فيها عمرو مصطفى أحد أهم شركاء النجاح، كما في "العالم الله"، و"ليلي نهاري"، و"إلا هي". لكن الفارق أن تلك المرحلة تميزت بأصالة واضحة في الكلمة واللحن، بينما يبدو اليوم أن العودة محكومة بالنوستالجيا أكثر من أي شيء آخر.
الألبوم يميل إلى تدوير الأشكال الموسيقية السابقة بصيغ محسّنة إنتاجياً، لكنها تفتقر إلى عمق جديد في الكلمة أو البناء اللحني. وتبدو اختيارات عمرو دياب الشعرية متراجعة، تكرّر القاموس العاطفي المألوف لديه، وتغرق في الغزل المبتذل، كما في "يلا"، التي كتبها تامر حسين، أحد أبرز شعراء دياب في السنوات الأخيرة. الأغنية، رغم استخدامها إيقاع الدانسهول، تبدو خاوية لحنياً، وتفتقر إلى التجديد.
اللافت أن دياب لا يزال يتمتع بذكاء موسيقي يُحسَب له، خصوصاً في نقل الشعور الشخصي إلى شعور جماعي. هو بارع في إعادة توظيف أفكار قديمة بطريقة تخاطب الذاكرة الجماعية لجمهوره. ويتجلى هذا بوضوح في تصميم موسيقاه، حتى في الأغاني التي تبدو سطحية في كلماتها.
تعيد "ما تقلقش"، على مقام الكرد ومن ألحان عزيز الشافعي، إلى الذاكرة أغنية "ما تغبش"، بنفس الروح والتوزيع الذي يستخدم الأكورديون مع الوتريات وإيقاع المقسوم، بتوقيع الموزع أحمد إبراهيم. أما "بابا"، على مقام البيات، فتضيف لمسة من الطابع الصعيدي، باستخدام أصوات تحاكي الربابة والمزمار، لكنها أثارت تساؤلات بسبب تشابه توزيعها مع أغنية مهرجانات شهيرة لـ شحتة كاريكا.
محمد يحيى، الذي قدّم خمسة ألحان في الألبوم، يظهر حضوره في "قفلتي اللعبة" (مقام البيات)، التي تأتي بمزاج شعبي مألوف، يعيد تدوير موضوعات تقليدية حول الحبيبة وجمالها، مستخدماً التوزيع الكلاسيكي نفسه. أما "يا بخته"، على مقام الحجاز، فتبدو أغنية استعراضية يمكن أن تناسب إعلاناً أو شارة مسلسل، لا يُستحسن تضمينها في ألبوم.
أغنية "هلونهم"، على مقام الكرد، تعيد فكرة "وهي عاملة إيه دلوقت"، مع بعض التعديلات في التوزيع، ويعود التعاون فيها مع الملحن وليد سعد، بعد انقطاع طويل. من جهة أخرى، تحضر النكهة الإسبانية مجدداً في "شايف قمر" باستخدام الرومبا فلامنكا، بينما تتجه "ماليش بديل" نحو البالاد الرومانسي، و"ارجعلها" نحو الروك الهادئ، وكلها تذكر بأعمال سابقة مع تغييرات طفيفة.
"حبيبتي ملاك"، من ألحان أحمد إبراهيم، تحمل طابعاً فرنسياً واضحاً، مستندة إلى نغمة الأكورديون ومقام النهاوند، وتُعد واحدة من الأغاني القليلة التي تضيف شيئاً ناعماً إلى الألبوم. أما "يا خبر أبيض"، فهي من محاولات دياب في الموسيقى الإلكترونية، تجمع بين الدانس إلكترونيك والتكنو، بينما "إشارات" تُجرّب تمازجاً مع عناصر من موسيقى الراغا الهندية والـ Synth Wave Pop، في تجربة جديدة نسبياً.
الأغنية الوحيدة التي تستخدم إيقاع الأفروبيت (Afrobeat) هي "دايماً فاكر"، وهي التجربة الثانية لعمرو دياب في هذا النوع بعد محاولات سابقة متفرقة.
في المجمل، يقدم "ابتدينا" مزيجاً من محاولات التجديد واستدعاء الماضي. يبرع عمرو دياب في الحفاظ على مكانته، وتحديث أدواته، لكنه في المقابل يقدّم ألبوماً يفتقر إلى العمق في النصوص والألحان. يراهن صاحب "تملّي معاك" على تاريخه، ويبرع في توظيف الحنين، لكنه في حاجة إلى مغامرة فنية جديدة تتجاوز الشكل إلى المضمون، وتعيده إلى مستوى التأثير الذي ميّز مراحله الذهبية.

Related News

