حرائق أوروبا تهدد بارتفاع أسعار الأغذية في الخليج 
Arab
4 days ago
share

يسلط ما تشهده أوروبا من موجة حر غير مسبوقة أدت إلى اندلاع حرائق واسعة النطاق في مناطق زراعية رئيسية، الضوء على انعكاس خسائر الأراضي الزراعية على دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على استيراد القمح والفواكه والخضار من جنوب أوروبا، خاصة خلال أشهر الصيف عندما يتراجع الإنتاج المحلي. 

وبلغت الظاهرة أوجها في إسبانيا وإيطاليا، حيث تسببت الحرائق في مقتل أشخاص وتدمير مزارع ممتدة على عشرات الكيلومترات، كما حدث في إقليم كتالونيا الذي شهد احتراق عدة مزارع على مساحة نحو 40 كيلومتراً قبل السيطرة على النيران، وذلك في وقت سجلت فيه درجات الحرارة في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا مستويات قياسية لشهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، ما أدى إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية في بداية الصيف، بحسب تقرير نشرته وكالة "رويترز".

ومع تضرر المزارع بفعل الحرائق وموجات الحر، تشهد الأسواق الخليجية نقصا في المعروض الأوروبي من بعض السلع الزراعية الأوروبية، ما قد يدفع إلى ارتفاع الأسعار، ويزداد هذا التأثير سوءا بتزامنه مع احتمال تعطل سلاسل الإمداد، مثل تأخير الشحنات أو تعليق بعض الرحلات البحرية أو الجوية، وهو أمر وارد في ظل الأزمات المناخية أو الجيوسياسية، حيث يؤدي التأخير إلى تلف جزء من البضائع الطازجة وارتفاع تكاليف النقل، ما ينعكس مباشرة على أسعار البيع للمستهلك النهائي، وفقا لما أورده تقرير نشره موقع صحيفة The Express Tribune.

وفي مواجهة هذه المخاطر، تبرز أهمية تنويع مصادر الاستيراد لدول الخليج، بحيث لا تظل رهينة لإنتاج منطقة واحدة معرضة للاضطرابات المناخية، وتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، مثل القمح والزيوت والبقوليات، ما يوفر هامش أمان إضافيا يمكن الحكومات من امتصاص الصدمات المؤقتة في الإمدادات أو الأسعار، فضلا عن ضرورة التحرك سريعا لتأمين بدائل من أسواق أخرى في آسيا أو أفريقيا أو أميركا الجنوبية، إلى جانب الاستثمار في تحسين قدرات التخزين والنقل الداخلي، لتقليل المخاطر وضمان استقرار الإمدادات الغذائية، بحسب إفادة خبير لـ "العربي الجديد".

خسائر كبيرة

ويشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحرائق والارتفاع غير المعتاد في درجات الحرارة بأوروبا تسببا في خسائر زراعية كبيرة، خاصة في قطاع المحاصيل الغذائية مثل القمح والشعير والذرة بنسبة تتراوح بين 9 و10% على المستوى المتوسط، خاصة في دول مثل فرنسا وإيطاليا. وتشمل هذه الخسائر أيضاً الخضروات والفواكه، إذ تشير التقديرات إلى أن الإنتاج المحلي انخفض بشكل ملحوظ، وقد يصل الانخفاض في بعض الحالات إلى 15- 30%، وهو انخفاض لا يؤثر فقط على السوق الأوروبية، بحسب عايش، بل له انعكاسات مباشرة على الدول المستوردة، خاصة دول الخليج العربي، التي تعتمد على الواردات الأوروبية من المنتجات الزراعية المختلفة، سواء كانت حبوبا أو منتجات ألبان أو حلويات أو لحوماً بيضاء أو حمراء.

وينوه عايش، في هذا الصدد، إلى أن الاتحاد الأوروبي كان ولا يزال أحد أهم المصدرين للمواد الغذائية في العالم، إذ بلغت صادراته نحو 230 مليار يورو في عام 2023 وحده، بينما استوردت القارة ما يقارب 70 مليار يورو من المنتجات الزراعية، مما يجعله محققا لفائض في الميزان التجاري الغذائي، لكن مع انخفاض الإنتاج المحلي نتيجة الكوارث المناخية فإن هذا التوازن قد يتأثر، وهو ما سيؤثر بدوره على أسواق الخليج التي تعتمد على الواردات الأوروبية بشكل كبير. 

وتظهر آثار هذه الأزمة بشكل خاص في تكلفة النقل، حيث أدت انخفاض منسوب المياه في أنهار مثل نهر الراين إلى تقليص حمولة السفن بنحو 40 - 50%، وبالتالي زيادة رسوم الشحن بسبب الحاجة إلى استخدام سفن إضافية لنقل نفس الكميات، وهو أمر يرفع سعر السلع الغذائية المستوردة، ويحمل المستهلك الخليجي كلفة هذه الزيادة. وإضافة لذلك، يشير عايش إلى أن النقص المتوقع في المعروض الغذائي العالمي سيزيد من الطلب على البديل، ما يعني ارتفاعا في الأسعار وزيادة في فاتورة الاستيراد للدول الخليجية، التي تستورد نحو 90% من احتياجاتها الغذائية، لافتا إلى أن بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، قد تلجأ إلى فرض قيود مؤقتة على الصادرات لحماية الأمن الغذائي الداخلي، وهو ما قد يؤدي إلى تأخير الشحنات المتجهة إلى الخليج أو تقليلها.

ويشدد الخبير الاقتصادي على أن هذه الوضعية تشكل نقطة ضعف استراتيجية للاقتصادات الخليجية، خاصة في فصل الصيف، حيث يتزايد الطلب على المواد الغذائية الطازجة مثل الخضروات والفواكه واللحوم، والتي تكون غالبا مستوردة من أوروبا، ومع تصاعد وتيرة الكوارث المناخية في القارة العجوز، تصبح هذه الاعتمادية مصدر قلق حقيقي. ويرى عايش أن الحل لا يكمن فقط في مواجهة الآثار المؤقتة، بل في بناء منظومة غذائية أكثر استقرارا واستقلالية، مؤكدا على ضرورة تنويع الدول الخليجية لمصادر استيرادها عبر اللجوء إلى دول أميركا الجنوبية أو بعض الدول الأفريقية، فضلا عن دعم الإنتاج المحلي عبر تشجيع الزراعات المحمية والتكنولوجية الذكية، لتوفير جزء من الاحتياجات المحلية، وتفادي الاضطرابات الخارجية وهو ما يعزز القدرة الشرائية ويخفف الضغوط على المستهلك.

وهنا يلفت عايش إلى أن ظاهرة الموجهات الحارة وحرائق الأراضي الزراعية ليست جديدة في أوروبا، بل أصبحت متكررة خلال السنوات الخمس الأخيرة، خاصة منذ بدء انتشار جائحة كورونا، حيث تصاعدت الحرائق والحرارة بشكل موسمي، وأثرت على الإنتاج الزراعي الأوروبي، ولذا يتوجب على دول الخليج أن تضع استراتيجيات طويلة الأمد لتعويض أي تراجع في الواردات. كما يفرض هذا الواقع على دول الخليج البحث عن بدائل، حتى لو كانت مكلفة في البداية، بحسب عايش، الذي يرى أن هكذا كلفة لا تمثل خسارة لأنها قادرة على ضمان استمرارية توفر المواد الغذائية في السوق الخليجية، نظرا لأن هذه الأسواق لا تتعامل فقط مع المواطنين، بل مع عدد كبير من الزائرين والمقيمين. 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows