حريق "سنترال مصر" يطفئ الأسواق... توقف البورصة وارتباك البنوك
Arab
4 days ago
share

انطفأت أسواق مصر بشكل كبير، على وقع حريق مدمر أتى على "سنترال رمسيس" في قلب العاصمة المصرية القاهرة، والذي يعد أكبر مركز للاتصالات في البلاد، إذ إنه يتحكم في شبكات الهواتف الأرضية والنقالة وخدمات الإنترنت والبيانات، ما وجه ضربة موجعة لأسواق المال والأعمال، لاسيما البورصة التي توقفت عن العمل، فيما ساد الارتباك معاملات البنوك وخدمات الصراف الآلي وعمليات الدفع الفوري من جانب الشركات والأفراد، وكذلك حركة الطيران والمعاملات الأمنية.

وواصلت قوات الحماية المدنية جهودها، أمس الثلاثاء، للسيطرة على الحريق الذي نشب، الاثنين. واضطرت محافظة القاهرة إلى اتخاذ إجراءات احترازية لمنع امتداد النيران إلى المباني المجاورة. والسنترال يُعتبر مركزاً رئيسياً لتجميع وتوزيع خدمات الاتصالات المحلية والدولية، إذ يربط الكابلات الأرضية والبحرية التي تغذي الإنترنت والهاتف في العديد من المناطق.

وأدت اضطرابات تقنية مستمرة في شبكات الاتصالات إلى تعليق التداول في البورصة، أمس، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2011، حينما جرى قطع الإنترنت قسراً بقرار من وزير الداخلية، أثناء ثورة 25 يناير 2011.

وقالت إدارة البورصة في بيان إنه "رغم الجهود المكثفة التي بُذلت للوصول إلى حل أمثل، فإن الاتصالات بين شركات السمسرة ومنظومة التداول الإلكتروني لم تعد مستقرة بعد. وبناءً عليه، عُلِّق التداول حمايةً لمصلحة المستثمرين وضمان تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المتعاملين".

وأشار البيان إلى أن البورصة تراقب الوضع من كثب بالتعاون مع شركات الوساطة والجهات الفنية، مؤكدة أن التداول سيُستأنف فور التأكد من جاهزية النظام واستقرار الشبكات تماماً. وتسبب حريق سنترال رمسيس في انقطاعات في خطوط الاتصالات والإنترنت، ما أثر في قدرة شركات السمسرة على التواصل بنظام التداول. وحاولت الجهات المعنية إعادة تشغيل الشبكات عبر السنترالات الاحتياطية، لكن الخدمة لم تستأنف بالكامل بعد. ورغم تفعيل قاعة التداول البديلة في "القرية الذكية" غرب القاهرة، لم تستطع بعض شركات السمسرة استعادة عملياتها بسرعة، ما تسبب في فرص غير متكافئة للمستثمرين.

واضطرت إدارة البورصة إلى إبلاغ المتعاملين بوقف العمل عبر رسائل خاصة للعملاء، وإذاعة نبأ التوقف عن العمل بالقنوات الرسمية، دون تقديم أية معلومات حول تأثير القرار على سوق الأوراق المالية وخسائر العملاء والشركات، مؤكدة التواصل مع وزارة الاتصالات لتدبير الحلول البديلة، لاستعادة حركة التداول بالبورصة بأسرع وقت ممكن.

وفي تصريح صحافي قالت رانيا يعقوب عضو مجلس إدارة البورصة، إن البورصة تواصل جهودها في التنسيق مع كل الجهات المعنية بالدولة لاحتواء تداعيات الحريق الكبير، الذي عطل خدمات الاتصالات والإنترنت جزئياً، بما اضطر البورصة إلى تعليق التداول.

وأكد مصدر رفيع المستوى في سوق الأوراق المالية لـ"العربي الجديد"، تلقي المسؤولين في إدارة البورصة معلومات، بأن تعليق جلسة التدوال والعمل بالبورصة قد يمتد إلى الأربعاء، في حالة عدم إصلاح التدمير الهائل الذي وقع بشبكة النطاق العريض "البرود باند" التي تخدم القطاع المالي بشكل عام.

ولا تتوقف الأضرار عند تعاملات سوق الأوراق المالية بل تطاول المعاملات البنكية، التي تشمل أجهزة الصرف الآلي وماكينات نقاط البيع والمعاملات عبر الإنترنت، ومنها خدمات "إنستا باي" التي تخدم نحو 34 مليون حساب مصرفي، والخطوط الساخنة التي تربط القيادات المركزية بالدولة والأجهزة الأمنية وكبار المسؤولين من المحافظين وسكرتيري عموم المحافظات ومديري الأمن، ووكلاء الوزارات المعنية في الدولة.

وقال باسم أحمد مدير مبيعات الأفراد في مجموعة "الأهلي فاروس" لتداول الأوراق المالية لـ"العربي الجديد"، إن شركات الأوراق المالية تلقت قرار تعليق التداول في البورصة في بداية أعمال أمس، بسبب صعوبات التواصل بين شركات السمسرة والبورصة والبنوك والعملاء، بما يعطل معاملات التسويات التي تجري خلال أيام العمل العادية، مؤكدا تحمل الشركات خسائر كبيرة نتيجة توقف العمل، في فترة تشهد إقبالاً جيداً على معاملات البورصة، مدفوعة بتراجع الثقة في أسواق الذهب وتراجع الدولار، وحالة الترقب لقرار لجنة السياسات النقدية والتي ستجتمع، غداً الخميس، لتحديد أسعار الفائدة في البنك المركزي.

كان مؤشر البورصة قد أغلق، عصر الاثنين، قبل اندلاع الحريق المدمر، على ارتفاع بنسبة 0.4%، بإجمالي تداولات قيمتها 5.5 مليارات جنيه (حوالي 110 ملايين دولار) وسجل المستثمرون العرب وحدهم صافي بيع بختام الجلسة، ليكون المؤشر قد ارتفع بنسبة 11.1% منذ بداية العام الجاري، محققا نحو 32 ألف نقطة.

بدوره، رفع البنك المركزي الحد الأقصى اليومي للسحب النقدي من فروع البنوك بالعملة المحلية إلى الضعفين ليرتفع من 250 ألف جنيه إلى 500 ألف جنيه يومياً، للأفراد والشركات بشكل مؤقت لمواجهة حالة الطوارئ التي اتخذها القطاع المصرفي عقب حريق سنترال رمسيس، والتي أدت إلى تعطل جزئي في خدمات التحويلات الإلكترونية وخطوط الربط في أغلب البنوك العامة في مصر.

وذكر بيان لـ"المركزي" أن الزيادة في قيمة السحب النقدي ستجري بشكل مؤقت لضمان استمرار تلبية احتياجات العملاء من السيولة النقدية، وخاصة الشركات والتجار ولحين عودة الخدمات الرقمية إلى طبيعتها بالكامل، بما ينقذ احتياجات نحو 48 مليون مواطن لديهم حسابات بنكية رقمية وبطاقات بنكية للسحب والإيداع والدفع الفوري. وقرر "المركزي" مدّ العمل في فروع البنوك المتضررة من انقطاع خدمات الإنترنت، لمدة ساعتين إضافيتين.

في الأثناء، وجه البنك الأهلي الحكومي، أكبر مصرف في الدولة، الذي يستحوذ على نحو 60% من الاستثمارات والمعاملات البنكية في مصر، رسالة يعرب فيها عن أسفه لعدم توافر خدماته الرقمية بسبب تعطل الاتصالات بعد حريق السنترال، مؤكداً عمله جاهداً على عودة جميع الخدمات في أقرب وقت ممكن.

وتحدثت مصادر أمنية لـ"العربي الجديد" بأن النيران أتت على محتويات مركز اتصالات رمسيس بالكامل، وأن عودة تشغيل أجهزة الاتصالات في الدولة تجري عبر نقل شبكات الإنترنت والبيانات إلى "سنترالات بديلة" وإدارة شبكات الدولة من مركز التحكم والسيطرة الذي أقامه الجيش أخيراً في العاصمة الإدارية الجديدة، لافتين إلى أن هذه التحويلات حالت دون وقف كامل لشبكات الإنترنت في البلاد، والتي شهدتها عام 2011، التي أدت إلى انقطاع الإنترنت لعدة أيام متصلة.

ورصدت "العربي الجديد" تعطلاً كاملاً لخدمات "إنستا باي" للدفع الفوري، وتعذر حصول العملاء على خدمات البنوك وسط العاصمة، وكثير من الفروع في المحافظات، وتعطل الصرافات الآلية المنشرة بالشوراع والمراكز التجارية، مع صعوبة الدفع الفوري لأي جهة حكومية أو تبادلها مع الجهات الخاصة.

كذلك طاولت الأضرار أعمال المحاماة. وقال المحامي الحقوقي مالك عدلي، إن الحريق الهائل، الذي أدى إلى تعطل شبكات الاتصال والإنترنت في أغلب المحافظات المصرية أعاق عمل المحامين والمحاكم.

وفي تصريح لوزير الاتصالات عمرو طلعت، تعهد بعودة جميع خدمات الاتصالات بشكل تدريجي خلال 24 ساعة، ونقل خدمات البيانات والنطاق العريق إلى أكثر من مركز اتصالات لتعمل بشبكات بديلة، مؤكدا أن "سنترال رمسيس" سيظل خارج الخدمة لعدة أيام.

وكانت النيران قد عادت للاشتعال في أنحاء مركز الاتصالات عقب عمليات التبريد، في مشهد يراه خبراء أمرا متوقعا مع استمرار تسرب النيران داخل شبكات الكهرباء والاتصالات الكثيفة بالمركز الحيوي، والتي تسبب عادة ارتفاعاً هائلاً في درجات الحرارة داخل قاعات المركز، تتطلب تبريداً هائلاً في ظروف التشغيل العادية.

وأصدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بياناً، أمس، أكد فيه نقل حركة الإنترنت الثابت بالكامل على مركز الحركة التبادلي بمركز اتصالات الروضة وسط العاصمة، مشيراً إلى تأثر خدمات الإنترنت الثابت والمحمول الصوتية والخاصة بنقل البيانات، بشركات الاتصالات للخدمات الأرضية والمحمول "فودافون" و"أورانج" و"المصرية للاتصالات"، نسبيا نتيجة تعطل بعض دوائر الربط بسبب الحريق، مع التنسيق بين الفرق الفنية بشبكات الاتصالات بالشركة المصرية للاتصالات المحتكرة للخطوط الأرضية، وشركات المحمول لاستعادة دوائر الربط المتأثرة بالحريق واستبدالها بدوائر ربط بديلة خلال 24 ساعة. وقدم جهاز تنظيم الاتصالات اعتذاراً للجمهور عن تأثر بعض الخدمات، مؤكداً قيامه بتعويض العملاء المتضررين طبقاً للوائح التنظيمية.

وتمكنت شركات الطيران وهيئة الطيران المدني من استعادة سريعة لحركة الطيران والتعامل مع إجراءات الحجز، عبر نقل معاملاتها على شبكات الإنترنت الدولية، التي لم تتأثر بحرق سنترال رمسيس، وجهات أمنية سيادية تدير شبكات اتصالات عبر "الميكرويف"، وهي تقنية تستخدم الموجات الكهرومغناطيسية ذات التردد العالي لنقل البيانات عبر مسافات طويلة.

في الأثناء، تقدم برلمانيون بطلبات عاجلة للحكومة، لمحاسبتها على تضرر الأمن القومي المعلوماتي ومصالح الدولة الحيوية، إثر حريق كان يمكن السيطرة عليه في بداية اندلاعه، مشيرين إلى ضرورة الكشف عن الخلل "التصميمي الخطير" الذي أصاب بنية الاتصالات المصرية بالشلل، إثر حريق بمركز اتصالات واحد.

وأدى غياب وزير الاتصالات عمرو طلعت عن حضور جلسة برلمانية خصصت لمساءلته، ومعرفة أسباب الحريق، إلى هجوم غير معتاد من رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، على أحد الوزراء، معتبراً تخلفه عن جلسة المحاسبة "عدم تقدير كاف للمجلس النيابي الذي يمثل صوت الشعب"، داعيا إلى ضرورة وجوده لشرح مخاوف المواطنين من تداعيات الحريق، واحتراما لطلبات النواب والمجلس. وكان الوزير قد عاد للبلاد من رحلة خارجية فجر، أمس، لمتابعة استعادة العمل بشبكة الاتصالات والإنترنت عن كثب.

ودعا الخبير الاقتصادي رائد سلامة، الحكومة إلى اللجوء لذوي الخبرة لمساعدتها على إدارة المخاطر، والتنبؤ بها قبل وقوعها، مؤكداً في كلمة كتبها على صفحته في فيسبوك أن إدارة الأزمات لا يمكن أن تؤتي ثمارها بمعزل عن تطبيق منهج إدارة المخاطر، مشددا على أنه من لا يعتمد على الأسلوب العملي والمعايير الدولية في إدارة المخاطر لن يستطيع التعامل بالكفاءة المطلوبة مع أي أزمة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows