السكن اللائق حلم آلاف التونسيين المؤجل
Arab
4 days ago
share

يواجه التونسيون ارتفاعاً جنونياً في أسعار العقارات، وتعيش آلاف العائلات في منازل مؤجرة أو ضيقة أو مشتركة، بينما مئات المساكن شاغرة وبعيدة المنال

رغم توسع الامتداد العمراني الذي تشهده العديد من المناطق التونسية سنويّاً، وتعدّد المشاريع السكنية الجديدة، وارتفاع عدد المباني، إلا أن العديد من تلك الوحدات السكنية تبقى شاغرة أو مملوكة للطبقة الميسورة، فيما يظلّ السكن اللائق حلماً مؤجّلاً بالنسبة إلى آلاف التونسيين.

وبينما يوحي المشهد العام بوفرةٍ في أماكن السكن المعروضة، لكن الأسعار المرتفعة التي تفوق القدرة الشرائية لغالبية العائلات، تجعل من امتلاك بيتٍ بسيط طموحاً صعب المنال. وفيما تتوزّع مئات المساكن الشاغرة في المدن، يزداد عدد الأسر التي ترزح تحت عبء الإيجار، أو تضطر إلى العيش في مساكن ضيقة أو مشتركة.

يبحث عبد الحميد بن أحمد منذ ستة أشهر عن مسكن للإيجار في العاصمة التونسية. يتنقل يوميّاً كما يقول بين الأحياء للبحث عن سماسرة العقارات، ليتفادى التعامل مع أي وكالة عقارية متخصّصة نظراً لارتفاع عمولتها. ويكشف لـ"العربي الجديد" أن استئجار منزل في تونس بات أمراً مقلقاً، نظراً لارتفاع أسعار الكراء التي تفوق الدخل العادي للفرد. وشراء مسكن بات حلماً مستحيلاً بعد ارتفاع أسعار العقارات كثيراً، إضافة إلى طلب المصارف شرط التمويل الأولي لشراء المسكن، فضلاً عن ارتفاع نسب الفائدة.

وتعيش آلاف العائلات التونسية في منازل مؤجّرة، ولا سيما أن أسعار العقارات باتت تشهد ارتفاعاً سنويّاً بحجة ارتفاع تكلفة مواد البناء. وتقرّ الهياكل الرسمية بوجود أزمة كبيرة بسبب تدهور القدرة الشرائية وارتفاع أسعار العقارات، إذ كشفت نتائج التعداد العام للسكان لعام 2024، التي أُعلنت أخيراً، عن وجود 800 ألف مسكن شاغر في تونس لا معروض للبيع ولا للإيجار، ما يعكس حالة الركود العميق في السوق العقاري.

من جهتها، أكدت وزارة التجهيز والإسكان وجود الأزمة، وصرّحت الوزيرة سارة الزعفراني في جلسة برلمانية خلال شهر مارس/آذار الماضي، بأنّ القطاع يشهد اختلالات هيكلية تتطلب تدخلاً عاجلاً، وأن الوزارة تخطط لإطلاق برنامج وطني للإسكان الاجتماعي في ثلاث محافظات مطلع العام المقبل.

وتشير بيانات المعهد الوطني للإحصاء في تونس إلى أن مؤشر أسعار العقارات السكنية ارتفع بنسبة 11.2% عام 2024 مقارنة بعام 2023 مع تسجيل ارتفاع قياسي في أسعار الشقق بنسبة 13.5% والمنازل بنسبة 10.1%. أما الأراضي المُعدّة للبناء، فقد شهدت قفزة بنحو 9.8% في بعض المناطق الساحلية مثل المهدية وسوسة. ويرى خبراء أن أزمة السكن تعود إلى أسباب عدة، أهمها الارتفاع الجنوني في أسعار مواد البناء، بسبب التضخم وتراجع قيمة الدينار التونسي، وغياب مشاريع سكنية اجتماعية كافية تُغطي حاجيات الطبقات الضعيفة والمتوسطة، إضافة إلى الاحتكار والمضاربة العقارية، ولا سيما أن البعض يحتكر الأراضي والعقارات في انتظار ارتفاع أسعارها. كذلك فإن الفائدة المصرفية مرتفعة، حيث تجاوزت 9% في بعض المصارف.

ويشير رؤوف قاسمي (40 سنة)، وهو موظف لا يتجاوز دخله 800 دولار أميركي، إلى أنّه حاول شراء شقة منذ سنتين، لكنّه اصطدم بشروط دفع التمويل الأولي الذي قد يتجاوز 10 آلاف دولار أميركي، وهو ما يتطلب منه الحصول على قرض آخر بعنوان "تمويل مسكن" ثم الحصول على عقار، ما يعني اقتطاع أكثر من نصف دخله كل شهر. يضيف لـ"العربي الجديد": "إن أسعار العقارات ترتفع سنويّاً، وأغلب التونسيين باتوا غير قادرين على شراء مسكن أو حتى شراء أرض وتشييد بيت".

من جهته، يشير وكيل عقاري في العاصمة التونسية، إلى أن الزبائن كثر، لكن لا توجد مبيعات بسبب ارتفاع الأسعار التي يحددها أصحاب العقارات، وخصوصاً في المناطق الراقية. ويقول لـ"العربي الجديد": "قد نبيع شقة واحدة خلال ستة أشهر أو حتى أكثر. وأغلب الحرفاء (الزبائن) يظنّون أن وكالات العقارات هي السبب بارتفاع الأسعار، والحال أن أصحاب العقارات وشركات المقاولة هم السبب الرئيسي في ذلك. لكن ممّا لا شك فيه، أن المبيعات تتراجع سنويّاً، بدليل وجود مئات المساكن الشاغرة بسبب تراجع القدرة الشرائية واستحالة شراء شقق".

ويوضح أن أسعار المتر المربع المبني ارتفعت في السنوات الأخيرة بنسبة تتجاوز 100% في بعض المناطق، بسبب ارتفاع أسعار الأراضي وكلفة مواد البناء وتراجع قيمة الدينار، إضافة إلى تقلص حجم الأراضي القابلة للبناء. وتشير الوكالة العقارية للسكنى في تقريرها السنوي، إلى أن معدل سعر الشقة من ثلاث غرف في تونس الكبرى بلغ نحو 300 ألف دينار (نحو103,897 دولاراً أميركياً) في عام 2024، فيما لا يتجاوز متوسط دخل العائلة التونسية 1800 دينار شهريّاً، أي نحو 600 دولار أميركي، بحسب المعهد الوطني للإحصاء.

وخلال اجتماعاتها الدورية، أكدت وزارة التجهيز والسكان أنها اتخذت منذ سنوات استراتيجية لحل مشكلة السكن للفئات الهشّة، من خلال إيجاد آليات لمساعدة الفئات الضعيفة ومتوسطة الدخل على توفير منازل لائقة ومقاسم بأسعار مدروسة، فضلاً عن توفير وسائل النهوض بالسكن القائم وتهيئة الأحياء وإدماجها في حدود الإمكانات المتاحة. كذلك تشمل توفير السكن الاجتماعي والميسّر الموجّه للفئات الضعيفة ومتوسطة الدخل، إلى جانب توفير المقاسم المعدّة لبناء مساكن اجتماعية.

وتُبنى المساكن الاجتماعية على أراضٍ تتبع ملكيّتها للدولة أو المجلس البلدي، وغالباً ما تتوفر تلك الأراضي في شتّى المحافظات. ولا يمكن تشييد مساكن عليها إلا بعد تجهيزها وربطها بشبكات المياه والصرف الصحي وشبكات التزوّد بالكهرباء.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows