
أدى حريق سنترال رمسيس إلى تعطل قطاعات حيوية في مصر، اليوم الثلاثاء، أبرزها البورصة والاتصالات وإلى حدٍ ما البنوك وحركة الطيران، كاشفاً عن هشاشة البنية الرقمية رغم استعادة أغلب الخدمات تدريجياً. وكانت العاصمة المصرية القاهرة، قد شهدت أمس الاثنين، اندلاع حريق ضخم في مبنى سنترال رمسيس، أحد المراكز الرئيسة لشبكات الاتصالات والبنية التحتية الرقمية في مصر. هذا الحريق الذي امتدّت ألسنته إلى طوابق عدّة، تسبب في توقف جزئي للاتصالات والإنترنت لفترات متفاوتة، ما أسفر عن تعطل خدمات أساسية تؤثر على عدد من القطاعات الاقتصادية الحساسة، في مقدمتها البورصة، والطيران المدني، والخدمات المصرفية الرقمية، بحسب بيانات رسمية صادرة عن رئاسة مجلس الوزراء المصري ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ضربة موجعة للاتصالات في مصر
وتعرض قطاع الاتصالات والبنية التحتية الرقمية في مصر لضربة موجعة بسبب الحريق، وكان القطاع الأكثر تأثراً بالحريق إذ تضرّرت شبكات الإنترنت الثابت والمحمول لدى الشركات الثلاث الكبرى. ووفقاً للبيان الرسمي الصادر عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، نشب الحريق في الطابق السابع بالمبنى، حيث تقع صالات تشغيل مشغلي الاتصالات، وقد امتدت ألسنة النيران إلى الطوابق الأخرى بسبب شدتها، رغم وجود أنظمة إطفاء ذاتية. وأكد وزير الاتصالات، عمرو طلعت، أنه جرى نقل جميع خدمات الاتصالات المتأثرة إلى مراكز بديلة عدّة لتعمل كشبكة دعم بديلة لضمان استمرارية الخدمة، مشيراً إلى أن "مصر لا تعتمد على سنترال رمسيس فقط" بل لديها شبكة من السنترالات التي تكفل استمرارية تشغيل الخدمات رغم توقف المركز الرئيسي.
وأضاف الوزير أن الخدمات الحيوية مثل النجدة، والمطافئ، والإسعاف، ومنظومة تقديم الخبز، والمطارات، والموانئ تعمل طبيعياً، وأن هناك جهوداً حثيثة لاستعادة الخدمات التي ظهرت بها أعطال في بعض المحافظات خلال 24 ساعة. وأوضح الوزير أنه جرى قطع زيارته الرسمية إلى الخارج للعودة إلى القاهرة ومتابعة عمليات السيطرة على الحريق وأعمال الإصلاح، مؤكداً ضرورة تعويض المستخدمين المتضرّرين واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان استقرار الشبكة.
وأكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في بيان أنه جرى نقل حركة الإنترنت الثابت بالكامل إلى مركز الحركة التبادلي في سنترال الروضة، وأن خدمات الطوارئ لم تتأثر، فيما تعمل فرق فنية مشتركة بين الشركة المصرية للاتصالات وشركات المحمول لاستبدال دوائر الربط المتأثرة بأخرى على شبكات بديلة لضمان استعادة الخدمة كاملة خلال 24 ساعة. وأبدى الجهاز اعتذاره للمواطنين عن أي تأخير أو انقطاع مؤقت في الخدمات، مؤكداً التزامه بتعويض المتضرّرين طبقاً للوائح التنظيمية.
غلق البورصة لأول مرة منذ 2011
وتأثرت السوق المالية المصرية بصورة مباشرة بالحريق، إذ أعلنت البورصة المصرية تعليق جلسة التداول اليوم الثلاثاء، لأول مرة منذ 2011، نتيجة تعطل الاتصالات والربط الإلكتروني بين شركات السمسرة وأنظمة السوق. وجاء قرار إدارة البورصة بتعليق التداول، عقب محاولات فاشلة أجراها خبراء الاتصالات للإصلاح الجزئي لشبكات الاتصالات الخاصة بالبورصة والخدمات المصرية، فجر اليوم، واستمرت حتّى موعد التداول الرسمي في العاشرة صباحاً، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ قرار بتعطل العمل في البورصة، طوال اليوم. واضطرت البورصة إلى إبلاغ المتعاملين بوقف العمل عبر رسائل خاصة للعملاء، وإذاعة نبأ التوقف عن العمل بالقنوات الرسمية، دون تقديم أيّ معلومات حول تأثير القرار على سوق الأوراق المالية وخسائر العملاء والشركات.
وأكد مصدر رفيع المستوى ببورصة الأوراق المالية لـ"العربي الجديد" تلقي المسؤولين بالإدارة بأن وقف العمل بالبورصة قد يمتد لغد الأربعاء، في حالة عدم إصلاح التدمير الهائل الذي وقع بشبكة النطاق العريض (البرود باند) التي تخدم القطاع المالي، وتشمل أجهزة الصرف الآلي وماكينات نقاط البيع والمعاملات عبر الإنترنت، ومنها خدمات "إنستا باي" التي تخدم نحو 34 مليون حساب مصرفي، والخطوط الساخنة التي تربط بين القيادات المركزية بالدولة والأجهزة الأمنية وكبار المسؤولين من المحافظين وسكرتاريا عموم المحافظات ومديري الأمن، ووكلاء الوزرات المعنية بالدولة. ويذكر أن آخر مرة توقفت فيها البورصة المصرية لفترة طويلة كانت خلال أحداث ثورة 2011، ما يعكس حجم الخطر الذي تشكله مثل هذه الأزمات على استقرار الأسواق المالية.
توقف أنظمة تشغيل مطار القاهرة 7 ساعات
وأدى العطل الذي أصاب أنظمة الاتصالات نتيجة لتداعيات الحريق إلى اضطراب مؤقت في حركة الطيران بمطار القاهرة الدولي، إذ تعطلت أنظمة التشغيل الرئيسية في جميع مباني الركاب لنحو سبع ساعات، إذ تأثرت شبكات الاتصالات والإنترنت التي تعد جزءاً أساسياً من أنظمة تشغيل الرحلات في مطار القاهرة الدولي. وأكدت وزارة الطيران المدني في بيان رسمي أن حركة التشغيل في المطار شهدت توقفاً شبه كامل ابتداء من الساعة السادسة مساء أمس الاثنين وحتى الساعة الواحدة صباح اليوم الثلاثاء. وبلغ إجمالي عدد الرحلات الجوية المجدولة خلال هذه الفترة 69 رحلة، تمكنت 36 رحلة فقط من الإقلاع في الوقت المحدد، بينما تأخرت 33 رحلة أخرى إلى ما بعد منتصف الليل، مع تنفيذ خطط تشغيل بديلة لتقليل تأثير التعطيل.
وأوضحت الوزارة أن جميع الرحلات المتأثرة قد أقلعت في نهاية المطاف، وأن حركة التشغيل عادت إلى طبيعتها مع استعادة أنظمة التشغيل في جميع مباني الركاب، وقال الوزير عمرو طلعت إن معظم الخدمات الحيوية لم تتوقف مثل خدمات الطوارئ والمطارات والموانئ. في المقابل، أثرت الأزمة مؤقتاً على جداول الرحلات وخطط النقل الجوي، ما تسبب في تأخيرات محدودة أضرت بجداول السفر للمسافرين، وأكدت وزارة الطيران استمرار العمل مع مختلف الجهات لوضع خطط طوارئ وتحديث البنية التحتية التقنية لتجنّب مثل هذه الاضطرابات في المستقبل.
اضطراب مصرفي... البنك الأهلي يعتذر و"المركزي" يتدخل
وامتدت تداعيات الحريق إلى القطاع المصرفي، الذي يعتمد بصورة حيوية على استقرار خدمات الاتصالات والإنترنت في تنفيذ المعاملات الرقمية. وأعلن البنك الأهلي المصري، في بيان رسمي، عن تأثر بعض خدماته الرقمية نتيجة للعطل الذي أصاب الشبكات، مشيراً إلى أن فرق العمل تبذل جهوداً متواصلة بالتنسيق مع الجهات المعنية لإعادة الخدمات إلى طبيعتها في أسرع وقت. وأوضح البنك الأهلي، وهو أكبر بنك تجاري في مصر، أنّ الأولوية القصوى خلال الساعات التالية للحريق كانت لضمان استقرار الأنظمة الرقمية، مع تقديم اعتذار رسمي لعملائه عن أيّ تعطيل مؤقت في الخدمات البنكية عبر الإنترنت أو تطبيقات الهاتف المحمول، كما امتدت التأثيرات لبنك مصر ثاني أكبر البنوك المصرية بعد البنك الأهلي.
في تطوّر سريع، قرّر البنك المركزي المصري زيادة الحد الأقصى للسحب النقدي اليومي من فروع البنوك إلى 500 ألف جنيه مصري، بدلاً من 250 ألفاً، في خطوة تهدف إلى تخفيف الضغط على القنوات الرقمية وتعويض العملاء عن تعطل المعاملات الإلكترونية. ويعكس هذا القرار حجم القلق الذي أصاب النظام المصرفي من احتمالية تكدس الطلب على السحب النقدي، لا سيّما مع استمرار العطل في بعض خدمات الربط الإلكتروني بين البنوك والعملاء، كما جرى التنسيق بين البنك المركزي والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لضمان استمرار تشغيل خدمات نقاط البيع الإلكترونية وأجهزة الصراف الآلي، مع تفعيل خطط طوارئ لتوجيه المعاملات عبر شبكات بديلة، وأكد مسؤولون في القطاع المصرفي أن البنوك المصرية تعتمد على بنية اتصالات احتياطية، لكنها لم تكن كافية لتجنب تأثر بعض المعاملات الحساسة في اليوم الأول من الأزمة.
وأعلن البنك المركزي المصري عن تمديد مواعيد عمل بعض فروع البنوك حتّى الخامسة مساء بدلاً من الثالثة، اعتباراً من اليوم الثلاثاء، وذلك لضمان تيسير تقديم الخدمات المصرفية للمواطنين بعد تعطل بعض خدمات الاتصالات نتيجة حريق سنترال رمسيس، بحسب البيان الرسمي، كما شمل القرار تحديد مواعيد مرنة للفروع داخل المولات والنوادي والفنادق، بهدف استمرار الخدمة طوال الأسبوع وتخفيف الضغط عن الفروع المتأثرة، في خطوة تهدف إلى دعم استقرار القطاع المالي في ظلّ الأزمة التقنية الراهنة.
هشاشة البنية التحية الرقمية
وكشفت أزمة حريق سنترال رمسيس عن هشاشة بعض مكونات البنية التحتية الرقمية في مصر، رغم التقدم الذي حققته الدولة في مجالات التحول الرقمي خلال السنوات الأخيرة. وأظهرت تداعيات الحريق كيف يمكن لعطل في مركز اتصالات رئيسي أن يمتد تأثيره سريعاً إلى قطاعات مالية وملاحية وخدمية أساسية، ما يستدعي مراجعة عاجلة لخطط الطوارئ وبناء منظومات احتياطية أكثر كفاءة، بحسب "بلومبيرغ". ورغم تحرك الحكومة السريع لمعالجة الأزمة، سواءً بزيادة حدود السحب النقدي في البنوك أو تفعيل السنترالات البديلة، إلّا أن الحادث يعيد طرح تساؤلات أعمق حول كفاءة توزيع المخاطر التقنية، ومرونة القطاعات الاقتصادية في مواجهة الصدمات غير المتوقعة.
وقد لا تقتصر الخسائر الاقتصادية على توقف البورصة أو تأخر الرحلات الجوية، بل يمكن أن تمتد إلى تآكل ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في موثوقية البيئة الرقمية، وهو ما قد يؤثر مؤقتاً في تدفقات رؤوس الأموال، خصوصاً في بيئة إقليمية تشهد منافسة على الاستثمارات الرقمية، بحسب "فايننشال تايمز". ويتوقع محلّلون أن تستغرق استعادة الثقة الكاملة في كفاءة الشبكات بعض الوقت، خاصة بين قطاعات المال والأعمال، ما لم تصاحب المعالجات التقنية الحالية بخطط استراتيجية طويلة الأجل لتعزيز أمن واستقرار البنية الرقمية في مصر.

Related News


