
وسع الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديداته معلناً أن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية إضافية بنسبة 10% على أي دولة تنضم إلى "السياسات المناهضة لأميركا" التي تنتهجها مجموعة البريكس للدول النامية والتي بدأ زعماؤها قمة في البرازيل يوم الأحد، فيما تتخبط المجموعة في فشلها بفرض تكتل قادر على مواجهة الهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي وخاصة في المركزية النقدية للدولار.
وبالنسبة للنقطة الأخيرة لم تتمكن دول بريكس من تحقيق أي تقدّم ملموس في مشروع المدفوعات عبر الحدود، رغم مرور نحو عقد على بدء مناقشته، ما يعزز المخاوف من أن يفوّت التكتل اللحظة المناسبة لطرح بدائل موثوقة للنظام القائم على الدولار والذي تراجع بنسبة 10% منذ بداية العام الجاري. واسم بريكس مؤلف من الأحرف الأولى للدول المؤسسة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إلا أنها اتسعت في العام 2024 لتشمل كلا من مصر والإمارات وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران.
وفي العام 2023 وفي اتجاه هو الأول من نوعه منذ العام 2010 بهدف توسيع نفوذها العالمي، دعت بريكس كلاً من السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين للانضمام إلى تكتلها، إلا أن الأرجنتين رفضت الدعوة، فيما لا يزال موقف السعودية غامضاً، بحيث أعلنت أنها لا تزال تدرس قرار العضوية. وفي بيان مشترك صدر بعد افتتاح قمة مجموعة البريكس في ريو دي جانيرو بعد ظهر الأحد، حذرت المجموعة من أن ارتفاع الرسوم الجمركية يهدد التجارة العالمية، مواصلة انتقاداتها المبطنة لسياسات ترامب الجمركية .
وبعد ساعات، حذر ترامب من أنه سيعاقب الدول التي تسعى للانضمام إلى المجموعة. وقال ترامب في منشور على موقع "تروث سوشيال": "أي دولة تنضم إلى سياسات مجموعة البريكس المعادية لأميركا ستُفرض عليها رسوم جمركية إضافية بنسبة 10%. لن تكون هناك أي استثناءات لهذه السياسة. شكرًا لاهتمامكم بهذا الأمر!". ولم يوضح ترامب أو يتوسع في الإشارة إلى "السياسات المعادية لأميركا" في منشوره.
وتسعى إدارة ترامب إلى الانتهاء من عشرات الصفقات التجارية مع مجموعة واسعة من البلدان قبل الموعد النهائي الذي حدده في التاسع من يوليو/تموز لفرض "رسوم جمركية انتقامية" كبيرة. وجمعت مجموعة البريكس الأصلية قادة البرازيل وروسيا والهند والصين في قمتها الأولى عام 2009. ثم انضمت جنوب أفريقيا لاحقًا، وفي العام الماضي ضمت مصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة بصفتهم أعضاء. وأرجأت المملكة العربية السعودية الانضمام رسميًا، وفقًا لمصادر، بينما أبدت 30 دولة أخرى اهتمامها بالمشاركة في البريكس، إما بوصفهم أعضاء كاملين أو شركاء.
مواقف من البريكس
وفي كلمته الافتتاحية للقمة في وقت سابق، أجرى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا مقارنة بين حركة عدم الانحياز خلال الحرب الباردة، وهي مجموعة من الدول النامية التي قاومت الانضمام إلى أي من جانبي النظام العالمي المستقطب. قال لولا لقادة دول البريكس: "إن مجموعة البريكس هي وريثة حركة عدم الانحياز. ومع تعرض التعددية للهجوم، أصبحت استقلاليتنا تحت السيطرة مرة أخرى". وأشار لولا دا سيلفا في تصريحات أدلى بها يوم السبت أمام قادة الأعمال إلى أن دول مجموعة البريكس تمثل الآن أكثر من نصف سكان العالم و40% من الناتج الاقتصادي العالمي، محذرا من تزايد الحمائية.
وقد أضاف توسع الكتلة ثقلاً دبلوماسياً للتجمع، الذي يطمح إلى التحدث باسم الدول النامية في جميع أنحاء الجنوب العالمي، مما عزز الدعوات لإصلاح المؤسسات العالمية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي. وسرق الرئيس الصيني شي جين بينغ الأضواء من قمة هذا العام، حين اختار إرسال رئيس وزرائه بدلاً منه. ويحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة عبر الإنترنت بسبب مذكرة توقيف صادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية حربه في أوكرانيا.
وفي البيان المشترك، وصف الزعماء الهجمات ضد "البنية التحتية المدنية والمنشآت النووية السلمية" في إيران بأنها "انتهاك للقانون الدولي". وعبرت المجموعة عن "قلقها البالغ" إزاء الشعب الفلسطيني بسبب الهجمات الإسرائيلية على غزة، وأدانت ما وصفه البيان المشترك بأنه "هجوم إرهابي" في الشطر الذي تديره الهند من كشمير.
وقال مينغزي وو، وهو متداول في شركة "StoneX Financial Inc" في سنغافورة لوكالة "بلومبيرغ" إن "تصريحات ترامب تمثل رسالة تحذير للدول الناشئة التي تفكر بالانضمام إلى مسار البريكس"، مرجحًا أن تكون ردًا على دعم البريكس لغزة. وفي بيان صدر الأحد، أدان القادة المجتمعون في البرازيل الهجمات الأميركية والإسرائيلية على إيران، وأعرب التكتل الذي يضم 10 دول ناشئة عن "قلق بالغ من الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، مشيرًا إلى الهجمات الإسرائيلية وإعاقة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهو ما تنفيه إسرائيل.
كما دعا إلى وقف دائم وغير مشروط لإطلاق النار، إلى جانب الإفراج عن جميع الرهائن. وكان ترامب قد هدد سابقًا بفرض رسوم تصل إلى 100% على دول البريكس إذا تخلت عن الدولار الأميركي في تجارتها الثنائية.
وقد دفع هذا التهديد إلى زيادة الاهتمام بتطوير أنظمة دفع محلية وأدوات مالية جديدة تعزز التجارة والاستثمار بين دول البريكس. واتفق قادة المجموعة يوم الأحد على مواصلة المناقشات حول إنشاء نظام مدفوعات عابر للحدود للتجارة والاستثمار، وهو مشروع مطروح منذ عقد، رغم أن التقدم فيه لا يزال بطيئًا.
وعلى الرغم من الجهود المدروسة لتحالف بريكس في إيجاد عملة مشتركة بين الأعضاء، إلا أنه فشل حتى الآن في تطبيق هذا الهدف، إذ لا تزال الاقتصادات المتباينة من حيث القوة، ورفض دول أخرى للفكرة، تقف عائقا أمام تبني عملة مشتركة. ولا يتوقع الغرب أن يكون للضجيج الحالي بشأن التحرك نحو عملة مشتركة بين دول بريكس تأثير كبير، إذ قد يكون التأثير الأكبر مرتبطا بتبني عملات الأعضاء في مدفوعات التجارة.
كما تخشى اقتصادات في بريكس فرضية تأثيرات سلبية على الدولار ومن ثم على اقتصادها، فمن بين التهديدات الصاخبة لاحتمال تدهور الدولار، انهيار معيار الذهب، وظهور أسعار الصرف المعومة، وعجز الحساب الجاري الأميركي، وعجز الميزانية، وأزمة مالية عالمية. لكن رغم ذلك، تشعر الأسواق الناشئة بالغضب من تولي أميركي رئاسة البنك الدولي وتولي أوروبي رئاسة صندوق النقد؛ والولايات المتحدة في نهاية المطاف هي صاحبة المصلحة الكبرى في كليهما حيث إنها المساهم الأكبر في رؤوس أموال المؤسستين الماليتين.

Related News
