
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها القطاع التجاري، التقى وزير العدل السوري القاضي مظهر العويس، وفداً من ممثلي تجار دمشق، لبحث قضية فروغ المحلات التجارية، وسط مطالبات بإيجاد حلول تحفظ حقوق المالكين والمستأجرين على حد سواء. وخلال الاجتماع، طُرحت فكرة تشكيل لجنة مختصّة لدراسة موضوع التمديد الحكمي لعقود الإيجار، إذ أكد الوزير العويس أنّ اللجنة لم تصدر أي توصيات أو قرارات بعد، وأن عملها يتركز حالياً على تقييم شامل للأبعاد القانونية والاجتماعية والاقتصادية كافة للقضية.
وأشار الوزير إلى أن الهدف الأساسي هو تحقيق العدالة وحماية حقوق الجميع، مشدداً على أن النقاش داخل اللجنة يجب أن يكون مفتوحاً وشفافاً، ويشمل وجهات نظر كل الأطراف المعنية، بما في ذلك المالكين والمستأجرين، لضمان التوصل إلى حلول متوازنة. وشهد اللقاء مداخلات مباشرة من عدد من أصحاب المحلات التجارية الذين عبروا عن قلقهم من إمكانية إلغاء التمديد الحكمي في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.
سليم أبو راس صاحب محل ألبسة في الحريقة منذ 35 عاماً، قال: لـ"العربي الجديد": "نحن لا نتهرب من دفع حقوق المالك، وندرك تماماً أن الملكية الخاصة حق مشروع يجب احترامه. لكن إعادة النظر في موضوع الفروغ حالياً تهدد مستقبلنا كمستأجرين بنينا حياتنا وأعمالنا على أساس استقرار العلاقة الإيجارية. نحن نتحدث عن محلات مضى على استئجارها عقود، دفع فيها فروغ، واستثمرنا فيها الكثير من الجهد والمال".
وأضاف أن" السوق اليوم في حالة ركود غير مسبوق، والقدرة الشرائية للناس شبه معدومة. إذا أجبرنا على ترك محلاتنا أو دفع مبالغ لا تتناسب مع الواقع الحالي، فإننا عملياً ندفع نحو الإفلاس. البعض منا بالكاد يغطي مصاريفه الشهرية" ويتساءل" هل من العدل أن نخرج الآن من محلاتنا تحت ذريعة 'إعادة التوازن، أين سيكون التوازن إذا خسرنا مصدر رزقنا الوحيد". وطالب المعنيين بإعطاء الموضوع بعداً إنسانياً، وليس فقط قانونياً أو مالياً، لأن المسألة تمسّ حياة مئات العائلات التي تعتمد على هذه المحلات.
في المقابل، نقل بعض ممثلي المالكين مطالبهم بإنصافهم أيضاً، معتبرين أن القوانين الحالية لا تراعي حق المالك في استعادة ملكيته أو الاستفادة من بدل الإيجار بما يتناسب مع القيمة السوقية. وختم الوزير اللقاء بالتأكيد على أن اللجنة ستأخذ جميع الملاحظات والمطالب بعين الاعتبار، ولن يجري اتخاذ أي قرار إلا بعد دراسة شاملة ومعمقة تراعي العدالة والمصلحة العامة.
وجاء التحرك الرسمي بعد أن نظم عدد من تجار دمشق اليوم وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل، مطالبين بحماية حقوقهم كأصحاب حق "الفروغ"، وذلك بعد دفعهم ثمنه لمالك المحل الأصلي، سبقه احتجاجات شهدتها مدينة حلب أمس، حين أغلق عدد من التجار محلاتهم في "جادة الخندق" رفضاً لأي توجه لإلغاء "حق الفروغ" أو إعادة المحلات إلى أصحابها الأصليين دون تعويض عادل، معتبرين أن هذا المسار يعد اعتداءً على حقوق مكتسبة، بعد عقود من دفع الإيجارات والفروغ بشكل قانوني وبرضا الطرفين.
ويشير التجار إلى أن المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952، الذي أقر مبدأ "التمديد الحكمي"، جاء في حينه لحماية المستأجرين، خاصة في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وتوسعت أحكامه لاحقاً بموجب المرسوم 87 لعام 1970 ليشمل العقارات التجارية والصناعية والمهنية وحتى العامة منها. غير أن الواقع الحالي، بحسب شكاوى المالكين، يظهر أن هذه القوانين أدت إلى انتهاك حق المؤجر في إنهاء العقد أو استرجاع العقار، مع تعقيدات قضائية ناجمة عن دعاوى "التخمين"، إذ يضطر الطرفان للجوء إلى المحاكم لتعديل بدل الإيجار، ما راكم آلاف القضايا أمام القضاء وأرهق النظام العدلي.
وفي 12 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت وزارة العدل عن تشكيل لجنة رسمية برئاسة القاضي أنس منصور السليمان، رئيس محكمة النقض، لدراسة الصكوك العقارية والقوانين الناظمة لعقود الإيجار، خاصّة التمديد الحكمي. وأعطيت اللجنة مهلة شهر لتقديم مقترحات من شأنها معالجة الإشكاليات القانونية والعملية في هذا الملف.
وفي الثاني من يوليو/تموز الجاري، عقدت اللجنة ندوة حوارية ضمت ممثلين عن المالكين والمستأجرين، إلى جانب ممثلي النقابات المهنية وعدد من الجهات الرسمية، بهدف توسيع قاعدة المشاورة وإفساح المجال أمام مشاركة جميع الفئات ذات الصلة في وضع تصور واضح للحلول الممكنة. وأكد القاضي السليمان خلال الندوة أن اللجنة تلتزم بـ"الحياد التام" وتسعى لإيجاد حلول واقعية ومنصفة لجميع الأطراف، بعيداً عن أي انحياز، مشدداً على أن العدالة هي الهدف الأول والأخير.
وتبقى قضية "الإيجارات القديمة" و"الفروغ التجاري" أحد أكثر الملفات القانونية تعقيداً في سورية، إذ يعتبر كل من الطرفين؛ المستأجر والمالك، نفسه صاحب الحق من وجهة نظره، وسط إرث تشريعي تراكم منذ خمسينيات القرن الماضي، ولم يعد قادراً على مواكبة الواقع الاقتصادي المتغير. ويرى مراقبون أن البلاد باتت بحاجة إلى نص قانوني عصري وجريء يعيد التوازن إلى العلاقة التعاقدية، ويراعي حقوق الملكية والعدالة الاجتماعية في آن واحد، مع تقديم ضمانات انتقالية تحفظ استقرار السوق التجارية وتحمي عشرات آلاف العائلات التي تعيش على هذه المحلات.

Related News


