
يتخذ 57% من الدنماركيين موقفاً سلبياً وناقداً من إسرائيل، بحسب ما تظهر نتائج استطلاع رأي أجرته مؤسسة أبينيون لمصلحة هيئة البث العام الدنماركي (دي آر) ونشرت نتائجه اليوم الاثنين. ويشير الاستطلاع إلى أنه على مدار الأشهر التسعة الماضية، ازداد انتقاد العديد من الدنماركيين لحرب إسرائيل على غزة، وهو ما يعد تطورا عما كان عليه في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حيث كانت النسبة 45%.
ويلاحظ معدو الاستطلاع أنه خلال الفترة التي تلت ذلك التاريخ "طرأ تطور أيضاً في عدد المشاركين الذين يرغبون في التعبير عن رأيهم بشأن إسرائيل". وكان استطلاع العام الماضي أظهر أن 13% من المشاركين امتنعوا عن التعبير عن رأيهم، بينما في الاستطلاع الجديد لم يكن سوى 6% ممن لم يعبروا عن موقف محدد. وأشار التلفزيون الدنماركي (دي آر) في معرض استعراضه النتائج الجديدة إلى أن تقييم باحثين دوليين لما تقوم به دولة الاحتلال جرائم إبادة جماعية يعني أن "الصورة العامة للحرب الإسرائيلية ضد غزة تتغير"، مشددة أن المحاكم الدولية ستبت بذلك، وبأن الجنائية الدولية في لاهاي تبحث الأمر.
واستعرضت القناة في السياق "مقتل أكثر من 57 ألف فلسطيني منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023". ونوهت إلى أنها لا تستطيع التأكد من صحة الأعداد نظرا لمنع إسرائيل الصحافيين الدوليين من الوصول إلى قطاع غزة. وأشارت إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يواجه إلى جانب الاتهامات بالإبادة الجماعية تحقيقا بتهمة الفساد.
وربطت المؤسسة الإعلامية الدنماركية الممولة من المواطنين التغير في المزاج العام في الدنمارك بتطورات أخرى على مستوى التعاطف مع فلسطين و"انتقاد متزايد لاسرائيل في الثقافة الشعبية في أوروبا". وأشارت في السياق إلى أن "الأعلام الفلسطينية رفرفت في المهرجانات المحلية والدولية بين الجمهور، بينما انطلقت رسائل منتقدة لإسرائيل من على منصات العرض. بعضها كان أكثر عنفًا من غيره". وأشارت في الإطار إلى "تعالي هتافات الموت للجيش الإسرائيلي" في خلال مهرجان غلاستونبري الأيرلندي".
وأضافت "يوم الجمعة الماضي دعت فرقة هيرجيم أم أو في مهرجان روسكيلد الموسيقي الدنماركي الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ إلى المنصة، وارتدت ثونبرغ الكوفية الفلسطينية، وبعد انتقادها انبعاثات الغازات المساهمة بالتغيرات المناخية العالمية أدانت قصف إسرائيل وتجويعها الأطفال والمدنيين في غزة". وشهد المهرجان سجالاً ومطالب مؤيدي الاحتلال بحظر المنظمين للمتعاطفين مع فلسطين. والخميس الماضي، رفعت مغنية الراب الدنماركية تيسا علما فلسطينيا في حفل بالشارع بمدينة آرهوس (وسط) أثناء حضور العائلة المالكة ورئيسة الحكومة الدنماركية، وضيوف من داخل وخارج الدنمارك، إلى عاصمتها الثقافية (آرهوس) بمناسبة تسلم البلد الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وذلك وسط تغطية إعلامية واضحة. وقالت المغنية تيسا: "نحن الدنماركيين نشعر بالخجل من الطريقة التي أرسلنا بها أموالا إلى إسرائيل".
وبالحديث عن المال، شمل استطلاع الرأي الدنماركي اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودولة الاحتلال، والهادفة إلى ضمان تحرير تدريجي للتجارة وتعاون سياسي أوثق. وتنطوي اتفاقية الشراكة على فوائد اقتصادية ومالية للاحتلال، لكنها في الوقت نفسه تتضمن بعض المتطلبات للحفاظ على حقوق الإنسان بحسب ما صاغتها الأمم المتحدة. وارتفعت الأصوات المطالبة في الدنمارك وغيرها أوروبيا لتجميد تلك الشراكة، بل ولفرض عقوبات ومقاطعة على الاحتلال. وعبّر نحو 49% من الدنماركيين عن تأييدهم تعليق تلك الاتفاقية، كليا أو جزئيا، بينما عارض نحو 22% ذلك المطلب.
عموما، يمكن القول إن زخم التضامن مع فلسطين، والتراجع الملحوظ لتصديق السردية الصهيونية، لم يعد مجرد أمر نظري أو يخص ناشطين في الشارع فحسب. ففي الدنمارك، المعروف عن مجتمعها تحفظه وتأسيسه على بديهية العلاقة بإسرائيل، وخصوصا بتنظيرات لوبيات وأحزاب تقيم علاقات وثيقة مع الليكود وغيرها، ونفوذ تاريخي للسردية الصهيونية التي قامت دوما على شيطنة الفلسطينيين والعرب عموما، تنتقل مسلمات العلاقة مع تل أبيب إلى انتقادات تخترق جدران الدنماركيين بصورة غير مسبوقة منذ عقود.
وما ينطبق على الدنمارك يسري في دول أخرى كالنرويج والسويد، وأنحاء أخرى في القارة، حيث لا تزال سرديات اللوبي الصهيوني تعبر عن غضبها من التحول الطارئ على مستويات الرأي العام، وخاصة لدى أجيال جديدة مؤثرة في بيئاتها، الثقافية والفنية والاجتماعية والسياسية - الحزبية، حتى وصل الأمر إلى سجال دنماركي عما إذا كان سيسمح للطلبة في بداية العام المقبل وضع فلسطين على قائمة مناقشاتهم لانتخاب مجالس طلبة الدنمارك. ومثل هذه الاستطلاعات يمكن أن تشكل حافزاً للأحزاب السياسية المطالبة بمراجعة السياسات الرسمية، سواء تلك المتعلقة بالاعتراف بدولة فلسطينية أو وقف تجارة الأسلحة مع دولة الاحتلال أو دعوات فرض عقوبات ومقاطعة، حيث لا يتردّد كثيرون في مقارنة ما يجري وضرورة انتهاج ذات السياسات التي انتهجت مع دولة الأبرتهايد السابقة في جنوب أفريقيا.

Related News

