
نفّذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك تهديده، وشكّل "حزب أميركا" المفترض أن يتحوّل إلى الحزب الثالث في الولايات المتحدة، من حيث الشعبية، بعد الحزبين الجمهوري والديمقراطي وفق تطلع ماسك فيما تقول التجربة الأميركية إن هكذا تحول بالغ الصعوبة، لكن ذلك لن يمنع الحزب الجديد من التحول إلى كابوس للحزب الجمهوري ولدونالد ترامب، لا سيما إذا استطاع "سرقة" جزء من شعبيتهما وناخبيهما. وجاءت خطوة ماسك بعد أسابيع من إطلاقه تهديدات بشأن ذلك، رفضاً لمشروع قانون الميزانية، الذي أسماه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ"القانون الضخم والجميل". وعارض ماسك بشدّة القانون، الذي مرّ بصعوبة في مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي، قبل توقيع ترامب عليه الجمعة الماضي. وأعلن ماسك، الذي كان حليفاً لترامب قبل اختلافهما أخيراً، مساء أول من أمس السبت، تأسيس حزبه السياسي الذي أطلق عليه اسم "حزب أميركا". وكتب رئيس شركتي تسلا وسبايس إكس على شبكته الاجتماعية "إكس" (تويتر سابقاً): "اليوم، تم تأسيس حزب أميركا ليعيد لكم حريتكم".
يهدف ماسك لكسب مقاعد قليلة في مجلسي النواب والشيوخ
ظروف تأسيس حزب أميركا
وكان ماسك المعارض بشدة لمشروع قانون الميزانية الذي قدمه الرئيس الأميركي خصوصا لجهة زيادة الدين العام، قد وعد في الأيام الأخيرة بتأسيس حزب سياسي جديد إذا تم تمرير مشروع القانون. وقد أطلق رجل الأعمال استطلاعاً للرأي حول فكرة تأسيس الحزب على "إكس" الجمعة الماضي، الموافق يوم العيد الوطني الأميركي. وقال قطب التكنولوجيا السبت: "بنسبة اثنين إلى واحد، تريدون حزباً سياسياً جديداً، وستحصلون عليه"، بعدما أجاب 65% من حوالي 1,2 مليون مشارك بـ"نعم" على السؤال حول ما إذا كانوا يرغبون في تأسيس "حزب أميركا".
وأضاف: "عندما يتعلق الأمر بإفلاس بلدنا بسبب الهدر والفساد، فإننا نعيش في نظام الحزب الواحد، وليس في ديمقراطية". وبعد نشر الاستطلاع، طرح ماسك خطة محتملة لمحاولة انتزاع مقاعد في مجلسي النواب والشيوخ والتحول إلى "الصوت الحاسم" في التشريعات الرئيسية. وكتب على منصته إكس: "إحدى الطرق لتنفيذ هذا الأمر هي التركيز على مقعدين أو ثلاثة فقط في مجلس الشيوخ ومن ثماني إلى عشر مقاطعات في مجلس النواب"، معتبراً أن الحزب الجديد سيمثل 80% من الناخبين في الوسط. ويتم التنافس على جميع مقاعد مجلس النواب الأميركي الـ435 كل عامين، فيما يتم انتخاب فقط نحو ثلث أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 100 عضو والذين يخدمون لمدة ست سنوات، كل عامين.
ولم يتضح بعد مدى التأثير الذي قد يحدثه الحزب الجديد على انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، أو على الانتخابات الرئاسية بعد عامين. وماسك المولود في جنوب أفريقيا لا يمكنه الترشح في الانتخابات الرئاسية المستقبلية، إذ يجب على المرشحين أن يكونوا مولودين في الولايات المتحدة. كان ماسك حليفاً مقرباً لدونالد ترامب، وقد موّل حملته خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وكان مكلفاً خفض الإنفاق الفيدرالي من خلال قيادته لجنة الكفاءة الحكومية قبل أن ينخرط الرجلان في خلاف علني في مايو/أيار الماضي. لكن حزب ماسك يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك التركيبة السياسية للنظام الأميركي القائم على الثنائية الحزبية، إذ إن النظام الانتخابي قائم على أن "الفائز يأخذ كل شيء"، وهو ما لا يسمح لحزب ثالث بخطف مقاعد من الجمهوريين والديمقراطيين. مع العلم أنه في مارس/آذار 2021، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حين أصبح رئيساً سابقاً بعد ولايته الأولى (2017 ـ 2021)، أنه لا يخطط لتأسيس حزب جديد. وقال أمام "مؤتمر العمل السياسي المحافظ" التابع للحزب الجمهوري في ولاية فلوريدا: "نحن في صراع من أجل بقاء أميركا كما نعرفها... هذا صراع رهيب ومريع ومؤلم... في النهاية، نحن نفوز دائماً". وقال: "هل سيكون من الرائع أن ننشئ حزباً جديداً ونقسم أصواتنا حتى لا نفوز أبداً؟ كلا".
وأوضح هانز نويل، أستاذ التاريخ السياسي والمنهجية السياسية في جامعة جورج تاون، لصحيفة واشنطن بوست، أمس، أن الوضع في أميركا مغاير لـ"الديمقراطيات الأخرى، حيث تُشكِّل حزباً صغيراً وتبدأ بالحصول على 20% أو 30% من الأصوات، ثم تحصل على حصة من المقاعد في المجلس التشريعي ويمكنك البناء من ذلك". كذلك، فإن أمام ماسك عقبة أخرى، تتجلى في تعقيدات بيروقراطية واسعة، متصلة بالتعامل مع كل ولاية على حدة بشأن بطاقات الاقتراع ومتطلبات السكن وتواقيع الالتماسات من الناخبين، كما أن للجنة الانتخابات الفيدرالية قواعد لتسجيل حزب سياسي. في السياق، اعتبر ماك ماكوركل، الأستاذ في كلية سانفورد للسياسة العامة في جامعة ديوك، أن معايير الاقتراع يمكن أن تشكل مشكلة "شاقة". وأضاف: "للحصول على بطاقة الاقتراع، سيكون هناك الكثير من متطلبات التوقيع على العريضة... لكن من ناحية أخرى، ربما يكون لديه (ماسك) ما يكفي من المال ليكون قادراً على القيام بذلك"، مشيراً إلى أن "العديد من المرشحين كأطراف ثالثة فشلت في تلبية هذه المتطلبات".
اعتبر ماسك أن الحزب الجديد سيمثل 80% من الناخبين في الوسط
ويبدو أن رهان ماسك منحصر في إمكانية التأثير على تركيبة الكونغرس، وذلك من خلال التركيز على عدد صغير من السباقات الرئيسية في مجلسي الشيوخ والنواب. على الرغم من إبداء ماكوركل اعتقاده أن مرشحي ماسك لن يفوزوا، إلا أنه رأى أن في وسعهم العمل "مفسدين ومربكين" لتقويض حظوظ الجمهوريين الذين يترشحون للمناصب والحصول على أصوات كافية لإحداث فرق في ولايات ساحة المعركة مثل كارولينا الشمالية، انطلاقاً من انتخابات التجديد النصفي، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2026، وفق ماكوركل الذي قال إنه "من المحتمل أن يكون هناك انخفاض في عدد الناخبين الجمهوريين". وخلال الانتخابات الرئاسية لعام 2024، لم يظهر أي مرشح بارز من طرف ثالث، بما في ذلك تشايس أوليفر من الحزب الليبرتاري، وجيل شتاين من حزب الخضر، وكورنيل ويست، وروبرت أف كينيدي جونيور، على بطاقات الاقتراع في جميع الولايات الـ50.
مع العلم أنه في المرة الأخيرة التي حصل فيها مرشح رئاسي على أصوات من المجمع الانتخابي في الرئاسيات الأميركية، من خارج الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كان المرشح المستقل جورج والاس، الذي كسب 46 صوتاً من خمس ولايات في رئاسيات 1968، وذلك من أصل 538 صوتاً في المجمع الانتخابي، في الرئاسيات التي فاز بها الجمهوري ريتشارد نيكسون. وفي رئاسيات 1992، نال الملياردير روس بيرو حوالى 19% من الأصوات الشعبية، لكنه لم يحصل على أصوات من المجمع الانتخابي. أما ترشح المستقل رالف نادر للرئاسة في عام 2000 في ظل حزب الخضر ساهم في تحقيق نتيجة متقاربة في ولاية فلوريدا، لدرجة أن الجمهوري جورج دبليو بوش لم يفز في الانتخابات على الديمقراطي آل غور، إلا بعدما تدخلت المحكمة العليا. ومع ذلك، حصل نادر على صفر أصوات انتخابية. مع ذلك، فإن ماسك قادر على التأثير في الفئات العمرية الصغيرة، خصوصاً تلك المواظبة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى نشوء مجموعة مؤيدة له ستكون بالغة التأثير في بعض الولايات المحسوبة تاريخياً على الحزب الجمهوري.

Related News


