
للعام الثاني عشر على التوالي، يستقبل نازحون عراقيون يعيشون في مخيمات شهر رمضان بعيداً عن منازلهم، في حين تستمر الظروف البيئية والصحية الصعبة المفروضة عليهم. وفي ظل استمرار معاناتهم يواجهون ظروفاً إنسانية قاسية في المخيمات التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
تفيد إحصاءات حكومية بأن عدد العائلات المهجرة في مخيمات النزوح العراقية يبلغ 32 ألفاً، بينما أرقام وزارة الداخلية تؤكد أن أكثر من مليون عراقي لا يزالون مهجرين من مدنهم، من بينهم نحو نصف مليون من مدن تحتلها مليشيات مسلحة تمنع عودتهم، أبرزها جرف الصخر والعوجة وسليمان بيك والعويسات ويثرب والسعدية وذراع دجلة وسنجار وغيرها.
يقول مسؤول في وزارة الداخلية، طلب عدم كشف اسمه، لـ"العربي الجديد": "تتعلق أرقام وزارة الهجرة بالنازحين الموجودين في المخيمات، لكن قسماً كبيراً منهم يسكنون خارج المخيمات. لا يزال نحو مليون و100 ألف عراقي نازحين، وما يمنع عودتهم غالباً سيطرة الفصائل على مدنهم ومنازلهم، في حين تهدمت منازل آخرين في العمليات العسكرية. ويعتقد كثيرون بأن معاناتهم تستمر من دون أفق واضح لحل يتيح لهم العودة إلى ديارهم".
يقول محمد الجنابي (62 سنة)، أحد النازحين من منطقة جرف الصخر، لـ"العربي الجديد": "نرى بأن لا أمل لدينا في العودة. ننتظر منذ سنوات طويلة أن يُسمح لنا بالرجوع إلى منازلنا، وتمر الأعوام ونصبح أكثر يأساً. أسكن رفقة زوجتي في خيمة صغيرة، وتسكن ابنتانا في خيمة أخرى، وكذلك ولدي المتزوج مع زوجته وطفلهما الصغير، ورمضان في المخيمات صعب جداً، إذ لا كهرباء كافية، ولا مياه نظيفة، وبالكاد يكفينا الطعام".
وتتضاعف معاناة النازحين مع بدء شهر رمضان الذي يزيد الصعوبات في ظل فقدان الخدمات الأساسية لا سيما الرعاية الصحية، ويواجهون تحديات أكبر لأنهم محرومون من الطقوس الرمضانية.
تستعيد زهراء فاضل أجواء رمضان التي تصفها، في حديثها لـ"العربي الجديد"، بأنها أكثر ما تحن إليها، وتتمنى أن تعيشها مرة أخرى مثلما كانت تفعل قبل النزوح. توفي زوج زهراء أثناء فترة النزوح، وهي تعيش في خيمة رفقة ولديها، وتقول: "أحن إلى اجتماع العائلات، وإعداد الولائم برفقة الجيران أو الأقارب، والإفطار الجماعي وصلاة التراويح في المسجد، وتبادل أطباق الطعام قبل موعد الإفطار، لكننا نفتقد طقوس رمضان في المخيمات حيث نعيش بموارد محدودة جداً، ولا يمكننا حتى تحضير وجبات بسيطة مثلما كنا نفعل في بيوتنا".
ورغم الظروف القاسية يحاول النازحون الحفاظ على طقوس رمضان بقدر ما يستطيعون، إذ تعتمد العائلات على ما توفره الجمعيات الخيرية من مساعدات غذائية متواضعة لتحضير وجبات الإفطار والسحور، في حين تحاول بعضها إعداد وجبات جماعية لتخفيف الأعباء.
ويقول طه السعيد، النازح في مخيم بزيبز بمنطقة صحراوية جنوب شرقي الأنبار، لـ"العربي الجديد": "نحاول مواصلة العيش. يعيش النازحون أجواء رمضان بغصة كبيرة، فهم اشتاقوا لبيوتهم، ويعتبرون أنه ليس من المعقول أن يعيشوا غرباء في بلدهم. ويبقى الشعور بالحزن والحنين لمناطقهم في رمضان طعمه المر الذي يطغى على كل شيء".
ويواصل النازحون منذ دحر تنظيم "داعش" وتطهير المناطق من وجوده مناشدة الحكومة والمجتمع الدولي إيجاد حلول تضمن عودتهم إلى ديارهم، لكن من دون جدوى.
وكانت الحكومة العراقية حددت 30 يوليو/ تموز الماضي موعداً لإنهاء ملف مخيمات النازحين في العراق من خلال إغلاقها وإعادتهم طوعها، وباشرت وزارة الهجرة والمهجّرين حينها إغلاق عدد من المخيمات نهائياً قبل أن ترجئ الحكومة التنفيذ قبل أيام من الموعد وتبرر الأمر بالعمل لتهيئة الظروف المناسبة لعودة المهجّرين إلى مناطقهم الأصلية، والتي تتعلّق بالخدمات والأمن.
وتبرر جهات سياسية وأخرى مسلحة تابعة للحشد الشعبي استمرار منع العودة بأسباب أمنية، في حين يعتبر نازحون أن منع عودتهم إلى مناطقهم سببه طائفي والمليشيات النافذة التي تورطت أساساً بجرائم وانتهاكات إنسانية مختلفة على مدى سنوات.
ويقول خليل النداوي (46 سنة)، لـ"العربي الجديد": "لسنا إرهابيين، ولم نغادر ديارنا بإرادتنا. كل ما نريده أن نعود ونصوم رمضان في بيوتنا وليس في الخيام، ونجلس مع عائلاتنا حول مائدة الإفطار من دون أن نخشى الغد. كنت خلال شهر رمضان أخدم في المساجد. أنظف وأهيئ ما يحتاجه المصلون خاصة في صلاة التراويح، وأقدم المياه واللبن والتمر. وحتى هنا في المخيم أعد موقع صلاة الجماعة والتراويح، وأهيئ الظروف لقيام الليل، وأقدم خدمات بسيطة هي ما يتيسر في هذا المكان لكنني أشتاق كثيراً إلى أيام رمضان في منطقتي".
وتزداد في شهر رمضان المبادرات الإنسانية الخاصة بالمخيمات التي تقدمها جهات خيرية وإغاثية، ومن بينها حملات التبرع لتغطية نفقات النازحين. ويقول الناشط في العمل الإنساني، زياد الدليمي، لـ"العربي الجديد": "أشارك في إعداد آلاف السلال الرمضانية ضمن مبادرات لمنظمات إنسانية وفاعلي خير. النازحون يعانون من أوضاع معيشية صعبة، ويحتاجون إلى مساعدات غذائية وصحية، إضافة إلى مستلزمات النظافة الأساسية، وأوضاع المخيمات تزداد سوءاً بسبب الظروف الجوية القاسية، حيث تتعرض الخيام لتلف في الصيف والشتاء، ما يجعل الحاجة إلى الدعم أكثر إلحاحاً".
يضيف: "يحرص العديد من فاعلي الخير على تقديم التبرعات، لا سيما خلال شهر رمضان، لتخفيف معاناة الأسر النازحة وضمان حصولها على الاحتياجات الأساسية. ومن المهم استمرار التبرعات والمساعدات لتحسين أوضاع النازحين كي يستطيعوا ممارسة طقوس رمضان".

Related News
