
أحيا الجزائريون في عموم البلاد، اليوم السبت، الذكرى الـ 63 لاستقلال البلاد، في الخامس من يوليو 1962، بعد حركة تحرير ثوري كبير قادته جبهة التحرير الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، إذ عمّت أجواء بهيجة كل المدن والبلدات ونظمت مسيرات استعراضية وفعاليات سياسية وثقافية مختلفة، فيما تستمر الجزائر في المعركة السياسية من أجل الذاكرة واسترجاع الحقوق التاريخية والأرشيف وجماجم الشهداء وغيرها من المستعمر السابق.
وانتظمت في وسط العاصمة الجزائرية، السبت، مسيرة استعراضية شاركت فيها أفواج الكشافة، رافعين العلم الجزائري، كما انتظم موكب للسيارات والحافلات القديمة التي عاصرت فترة ثورة الجزائر في الخمسينيات والستينيات، زينت بالعلم الجزائري وعلى متنها أطفال وشباب، في استعادة رمزية لنفس مظاهر الاحتفالات التي شهدتها الجزائر في يوم الاستقلال الخامس يوليو 1962.
وفي منتصف الليلة الماضية، جرت في جميع الولايات والبلدات، مراسم رفع العلم الوطني، بحضور مناضلين سابقين في ثورة التحرير وفرق عسكرية وأفواج الكشافة الإسلامية الجزائرية، وفي مقام الشهيد في أعالي العاصمة الجزائرية، حضر الآلاف من الجزائريين مراسم رفع العلم وعزف النشيد الوطني.
وشهدت كل البلدات وضع باقات ورد في مقابر الشهداء، وفي بعض البلديات، جرى دفن رفات لشهداء كان عثر عليها قبل فترة قصيرة، إذ وبعد 36 من الاستقلال، ما زالت السلطات الجزائرية تكتشف مزيداً من رفات الشهداء.
ووصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في رسالة بالمناسبة، يوم الاستقلال، بأنه "اليوم الذي انجلت فيه عن وطننا المفدى جحافل الاستعمار البغيض وهي تجرّ أذيال الهزيمة"، وجدّد التأكيد على استمرار الجزائر في الدفاع عن الحقوق التاريخية والذاكرة، فيما أكد قائد أركان الجيش الفريق أول، السعيد شنقريحة أنه "في هذا اليوم الأغر، نحيي إحدى أعظم المحطات المجيدة، محطة ستبقى دائماً رمزاً لانتصار الجزائر والجزائريين على المستعمر الفرنسي الغاشم، الذي سلب وطننا حريته وسيادته بالنار والحديد، وأذاق شعبنا، لسنوات طويلة، كل أنواع القهر والظلم والحرمان".
وأضاف شنقريحة: "لم يستسلم آباؤنا وأجدادنا يوماً للعدو، وتمسكوا بهويتهم الجزائرية أصيلة النفس والنفيس من أجل الانعتاق، فكان الثمن أكثر من خمسة ملايين و630 ألف شهيد". وهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها السلطات الجزائرية عن رقم محدّد لمجموع الشهداء ضحايا الاستعمار منذ دخول الاحتلال عام 1830.
وتبرز في سياق الاحتفال بذكرى عيد استقلال الجزائر، تزامنه هذه السنة مع قرب صياغة قانون لتجريم الاستعمار والمطالبة بالحقوق التاريخية، إذ تعكف لجنة نيابية يقودها رئيس البرلمان إبراهيم بوغالي، على صياغة وإصدار أول قانون لتجريم الاستعمار في الجزائر، بعد عقود من المماطلة السياسية، ويبدو أن سياق الأزمة السياسية الحادة بين الجزائر وباريس منذ يوليو 2024، والمتفاقمة بين البلدين عزّز هذا الاتجاه وسمح بإنهاء العوائق والمماطلات السياسية السابقة التي عطلت المشروع.
وقال النائب في البرلمان عز الدين زحوف لـ "العربي الجديد" إنّ "البرلمان عازم على تحقيق هذا الهدف، وإنجاز وصياغة قانون لتجريم الاستعمار بات هدفاً أساسياً للبرلمان، تكريساً للمطالب التاريخية للجزائر، إذ يظلّ هذا القانون محلّ إجماع بين كل الكتل النيابية، سواء من الموالاة أو من المعارضة، لأنه يتعلق بحقوق تاريخية للجزائر، واستحقاق وطني يهمّ الأمة والذاكرة".
وتبدي الجزائر إصراراً لافتاً على استكمال معركة الذاكرة مع فرنسا، وتجري مفاوضات بين الجزائر وباريس منذ التوقيع على "اتفاق الجزائر" بين الرئيسَين الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون، في أغسطس/ آب 2022 خلال زيارة ماكرون إلى الجزائر، عبر لجنة الذاكرة التي تضمّ خمسة مؤرخين من البلدَين، عقدت حتى الآن خمسة اجتماعات للتوصل إلى تفاهمات حول ملفات ومسائل الذاكرة واسترجاع الأرشيف والممتلكات المنهوبة وجماجم المقاومين الموجودة في متحف الإنسان في باريس، وتنظيف مناطق التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، والاعتراف الكامل بالمسؤولية عن جرائم الاستعمار.

Related News


