ضغوط وتسويات تهدّد الإعلام الأميركي
Arab
1 week ago
share

في مشهد يعكس الضغوط المتزايدة التي يواجهها الإعلام الأميركي في عهد دونالد ترامب، تجد غرف الأخبار نفسها مشغولةً بالتركيز على حماية نفسها والحفاظ على استمراريتها وسط تحديات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة. خلال الأسبوع الحالي، وافقت "باراماونت"؛ الشركة الأم لشبكة سي بي إس نيوز، على دفع 16 مليون دولار لإنهاء الملاحقات القضائية التي أطلقها دونالد ترامب ضدها، بزعم الانحياز لمنافسته الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كامالا هاريس، في مقابلة.

ويعد هذا الاتفاق "الوديّ"، الذي أوردته وسائل الإعلام الأميركية الثلاثاء الماضي، أحدث تنازل من إحدى وسائل الإعلام الكبرى في مواجهة هجمات الرئيس الجمهوري. بهذا الاتفاق، تجنّبت الشبكة محاكمة عقب الشكوى التي قدمها ترامب في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عندما كان مرشحاً للبيت الأبيض. خلال حملته الانتخابية الرئاسية، رفع ترامب دعوى على برنامج "60 دقيقة" الشهير على "سي بي إس" بتهمة تعديل مقابلة مضللة مع منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. وتحديداً، اتهم الشبكة بتحرير فقرة من المقابلة أجابت فيها المرشحة بارتباك عن سؤال حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. رفضت الشبكة هذه الاتهامات، موضحة أن اختيار المقاطع للبث أمر شائع في مهنة الصحافة.

وفي البيان الذي أعلنت فيه "باراماونت" عن التسوية، أكدت أن مبلغ 16 مليون دولار سيدفع لمكتبة دونالد ترامب الرئاسية المستقبلية، وليس للرئيس شخصياً، كما أشارت إلى أن الاتفاقية لم تتضمن أي اعتذار علني من جانبها. غير أن هذا الاتفاق "الوديّ" تم في الوقت الذي يرى بعض كبار المسؤولين التنفيذيين في "باراماونت" أن الخلاف مع ترامب يعوق دمج المجموعة المقرر مع شركة الإنتاج سكايدانس، في محاولة للتنافس مع عمالقة البث المباشر. وفي هذا السياق، اعتبرت منظمة بِن أميركا (PEN America) أن الشبكة "انصاعت لضغوط رئاسية" و"اختارت التسوية لتعزيز أوضاعها المالية". كذلك وصفها بعض المراقبين، من بينهم مجلس تحرير صحيفة وول ستريت جورنال، بأنها "رشوة"، وأن التعرض القانوني للشبكة كان "تافهاً"، وكان من المفترض أن تخوض المعركة في المحكمة بدلاً من التسوية. وحذروا من أن هذه التسوية تشكل سابقة خطيرة تُشرّع المزيد من الضغوط القضائية على الإعلام الأميركي وتُضعف استقلاليته، خاصة المؤسسات الصغيرة التي لا تملك الموارد القانونية والمالية الكبيرة.

يذكر أنه في مايو/ أيار الماضي، دعا سبعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين الديمقراطيين والمستقلين رئيسة "باراماونت غلوبال"، شاري ريدستون، إلى عدم "الاستسلام" للملاحقات القضائية التي أطلقها ترامب. وقد أثار الصراع بين ترامب "سي بي إس نيوز" ضجّةً، مع استقالة منتج برنامج "60 دقيقة" بيل أوينز في إبريل/ نيسان، الذي أسف للمساس باستقلاليته المهنية. وبعد شهر، استقالت رئيسة "سي بي إس نيوز" ويندي مكماهون.

ترامب، الذي ينتقد بشدّة وسائل الإعلام التقليدية، شنّ ملاحقات قضائية على مؤسسات صحافية أخرى أبرزها صحيفة دي موين ريجستر المحلية، كما أجبرت "ديزني"، مالكة شبكة "إيه بي سي"، على دفع 15 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير أقامها ضدها.

إلى جانب ذلك، تواجه وسائل إعلام كبرى أخرى ضغوطاً اقتصادية وسياسية مماثلة؛ العام الماضي، أعلنت "واشنطن بوست" عن تغييرات واسعة في هيكلها التحريري وقيادتها، وبدأت "سي أن أن" اختبار استراتيجية جديدة تطلب من القرّاء تقديم بيانات شخصية للبقاء على قراءة عدد معيّن من المقالات مجاناً يومياً، في محاولة لإعادة بناء علاقة مباشرة مع المستهلك بعد فشل تطبيقها "سي أن أن بلس" عام 2022. وشهدت "وول ستريت جورنال" تغييرات كبيرة تحت قيادة إيمّا تاكر، تضمنت تسريحات وتوسعاً في حملة إعلانية تستهدف جذب قاعدة أوسع من المهنيين. واستقالت كيم غودوين، أول امرأة سوداء ترأس قسم أخبار بث رئيسي في "إيه بي سي نيوز"، بعد فقدان ثقة الموظفين. وتأتي هذه التحولات في ظل ضعف سوق الإعلانات وتهديدات متزايدة من الذكاء الاصطناعي، ما دفع المؤسسات للتركيز على الإيرادات المباشرة من المستهلكين، مع توظيف قيادات بريطانية في مناصب عليا في أكبر غرف الأخبار الأميركية، مما يثير مخاوف من تراجع مستوى التنوع. كما أن تراجع الثقة الجماهيرية بالإعلام التقليدي يفاقم الأزمات، فقد كشف استطلاع أجرته "غالوب" أن 31% فقط من الأميركيين يثقون بالإعلام الجماهيري، مقارنة بـ50% قبل 20 عاماً.

في ظل هذا المناخ، تواصل الإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس السابق ترامب وأعضاء حكومته، ممارسة ضغوط قانونية وتشريعية على المؤسسات الإعلامية، بما في ذلك دعم محاكمات مثل تلك التي تستهدف "سي إن إن" بسبب تغطيتها الانتقادية للعمليات العسكرية الأميركية في إيران وتغطياتها للهجرة، ومطالبة الصحافيين بالكشف عن مصادرهم بعد تسريبات معلومات استخباراتية. كما أن البيت الأبيض حظر وكالة أسوشييتد برس، ويضغط على الكونغرس لتقليص تمويل الإعلام الأميركي العام، فيما فتحت لجنة الاتصالات الفيدرالية تحقيقات في سياسات التنوع لدى شركات كبرى مثل "كومكاست" و"ديزني".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows