تمثال الشهداء في حلب... تحطيم يحدث في الظلام
Arab
1 week ago
share

قبل بضع ليال، جاءت آلية تابعة لمحافظة حلب إلى ساحة سعد الله الجابري، حيث ينتصب تمثال الشهداء الذي صممه النحات الراحل عبد الرحمن مؤقت، وبأسلوب أقرب إلى الارتجال الطفوليّ، رُبط أعلى التمثال بحبل، وجرته الآلية حتى وقع وتحطم قسمه العلويّ. مشهد قد يبدو نتاج سوء إدارة أو سوء تنظيم، أو جهل بأعمال الصيانة. تحطيم التمثال الذي نُصب في ثمانينيات القرن الماضي، وإن اختلفت آراؤنا الجمالية بخصوصه، إلا أنه مشهد لا يمكننا تجاهل إشكاليته، كونه يستدعي إلى الذاكرة تشدداً دينياً هدد بلاداً عدة في المنطقة.

فوراً، بدأت المقارنة بتفجير "طالبان" تماثيل بوذا في أفغانستان عام 2001، وهو المشهد الذي تكرّر لاحقاً في العراق وسورية عندما حطم تنظيم داعش الآثار والتماثيل في المناطق التي سيطر عليها، كما حطم في سورية تمثال أبي العلاء المعري في مسقط رأسه.

لتحطيم التماثيل دلالة رمزيّة لطالما ارتبطت بالظلاميّة. مديرية آثار ومتاحف حلب أوضحت أن ما حصل كان خطأ في عملية نقل التمثال حفاظاً على قيمته الفنية، أما مجلس مدينة حلب، فأشار إلى أن نقل التمثال سببه وجود شاشة كبيرة، كان هذا النُّصب يعيق رؤيتها، كون سورية تحتفل بـ"إطلاق الهوية للجمهورية العربية السورية"، والشاشة جزء من الاحتفال. أما محافظ حلب، فكتب أن ما حصل سببه "خلل واضح في عملية نقل المجسم"، وأن "لا خلفيات أيديولوجية للقرار".

سلسلة من الأسباب المتعددة، بعضها احتفالي والآخر نتاج سوء إدارة وتنسيق، لكن الأهم، لا أيديولوجيا. وكما قال محافظ حلب، فإن "إزالة المجسم" كانت بطلب من بعض الأهالي "لارتباطه في وجدناهم بمرحلة مؤلمة من تاريخ المدينة... وما شهدته من أحداث وممارسات على يد النظام البائد بالفترة الممتدة منذ 1982 وحتى 1984"، في إشارة هنا إلى تمرد الإخوان المسلمين في سورية الذي قمعه نظام الأسد الأب مخلفاً آلاف القتلى والمختفين.

كل هذا لا يبرر ما حصل، خصوصاً أمام صراع أيديولوجي في سورية لم يعد سهلاً إخفاء ملامحه. صراع يتضح في الفضاء العام، يتمثل بـ"سيارات الدعوة" ومطالب الاحتشام وتهديد الحريات الشخصية.

لكن، وإن تبنينا سردية السلطة، الأشكال المادية للأيديولوجيا تتم بمبادرات فردية، لكن تحطيم التمثال تم بقرار رسمي، يكشف عن غياب أي اهتمام بقيمته، كونه جزءاً من تاريخ المدينة وتاريخ سورية، سواء كان جميلاً أو قبيحاً. في سورية أزمة تماثيل. الهيمنة الرمزية التي مارسها نظام الأسدين على الفضاءات العامة التي امتلأت بأصنام الأسد تمثّل امتداداً لسياسات القمع، ولا بد من التخلص من تماثيل الطاغية. لكن هنا المفارقة، هذا التمثال بالذات بُرّرَ تحطيمه عبر لصقه بنظام الأسد، وتجاهل "أزمة" الشاشة العملاقة وراءه. كما أن تسجيل الفيديو الذي يوثق الحادثة، يقول من صوّره: "الآن الأخوة في ساحة سعد الله الجابري في حلب سيزيلون هذه الأصنام التي نحتها المشركون منذ عقود عديدة، حتى لا يعبد إلا الله في الأرض، حتى لا تفتن الناس ولا يعبد إلا الله، نعم".

بعيداً عن كل الأيديولوجيا و"الأخطاء الفرديّة"، وسوء الإدارة والصيانة، تحطيم التماثيل في شرقنا الرهيب يثير القشعريرة دوماً، ومن الصعب فصله عن تاريخ من التشدد الديني الذي ما زال حاضراً في المنطقة، وتجلى بتفجير كنيسة في حي الدويلعة في دمشق. حطام التمثال علامة جديدة من سوء إدارة الفضاء العام في سورية، وغياب الشفافية وما قد ينتج عنه من فساد، خصوصاً أن مشروع تجديد ساحة سعد الله الجابري واجهته انتقادات عدة أبرزها إزالة التمثال.

مسؤول المكتب الإعلامي لمحافظة حلب مالك الأحمد قال سابقاً، في تصريح صحافي، إن "المناقصات العلنية لم تُجرَ، لأن الشركة التي اقترحت مشروع التجميل هي نفسها المنفذة بتمويل صندوقها الخاص، ولم تُعلن المحافظة عن ذلك لأنها لم تتحمل أي تكاليف"، مضيفاً: "عندما تكون المشاريع على نفقة المحافظة، يُعلن عن المناقصات على الملأ". هل يمكن القول، إذاً، إن الاستثمارات الخاصة يحق لها التصرّف بحرية ما دامت المحافظة لا تدفع شيئاً؟

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows