س/ج | ما هي حركة بالستاين أكشن وماذا يعني تصنيفها "إرهابية"؟
Arab
1 week ago
share

أثار قرار الحكومة البريطانية تجريم حركة "بالستاين أكشن" وشملها ضمن قانون الإرهاب صدمة كبيرة للناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة المتحدة، حيث اعتبروا القرار سابقة تاريخيّة في تصنيف حركة سياسيّة مدنيّة سلميّة مع حركات تستخدم العنف ضد المدنيين، كتنظيمي "القاعدة" و"داعش". وبعد تصويت مجلس العموم البريطاني بأغلبية كبيرة لصالح تعديل على قانون الإرهاب ليشمل "بالستاين أكشن"، وفي حال المصادقة النهائية عليه من دون اعتراضات من جانب القضاء، يدخل نشاط التضامن لأجل فلسطين في المملكة المتحدة مرحلة جديدة قد تشهد ملاحقات للناشطين المناصرين لفلسطين بموجب قانون الإرهاب، الذي يفرض عقوبة تصل إلى 14 عاماً في السجن.

ما هي "بالستاين أكشن"؟

تأسست حركة "بالستاين أكشن" عام 2020 (وتعني باللغة العربية "العمل المباشر لفلسطين")، وتعتمد الحركة في نشاطها على أعمال مباشرة تخريبية ومحددة تستهدف مصانع وشركات أسلحة في بريطانيا تُزود جيش الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح. وتشمل هذه الأعمال اعتصامات مفتوحة أمام مصانع الأسلحة، الرش بالطلاء الأحمر، تكسير نوافذ، احتلال أسطح لمباني المصانع، تخريب معدات داخل المصنع وغيرها من أنشطة تهدف إلى تعطيل عمل الشركة/المصنع بطرق سلمية، وهو أسلوب معتمد في العديد من حركات الحقوق والحريات والاحتجاج على الحروب حول العالم وفي المملكة المتحدة.

وأسس الحركة الناشط اليساري البريطاني المخضرم ريتشارد برنارد والناشطة البريطانية الفلسطينية هدى عموري. وتعلن المجموعة أن أهدافها هي إنهاء مشاركة المملكة المتحدة في "الإبادة الجماعية ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي"، ودعم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.

بماذا تختلف عن حملة التضامن مع فلسطين؟

يختلف عمل حركة "بالستاين أكشن" عن عمل حملة التضامن مع فلسطين، المسؤولة عن تنظيم تظاهرات شعبية كبيرة لأجل تحقيق العدالة للفلسطينيين وتنشط منذ عام 1982 داخل المجتمع البريطاني بطرق عدّة، حيث تُركز حملة التضامن في نشاطاتها على التوعية والحشد الجماهيري والعمل على المستوى المحلي وإطلاق حملات مقاطعة إلى جانب أنشطة ثقافية وتقديم دعم قانوني، فيما تسعى "بالستاين أكشن" إلى تعطيل العمليات التجارية للشركات التي تعتبرها "مُمَكّنة" للاحتلال الإسرائيلي أو متواطئة في "الانتهاكات"، كذلك سلاسل إمدادها، وتتبع استراتيجية الحملات المستمرة ضد أهداف محددة، إذ لا تكتفي بعمل واحد بل تكرر الهجمات على الشركات أو المواقع نفسها لضمان أقصى قدر من التعطيل والتأثير. وعلى الرغم من الاختلاف في طرق العمل والاستراتيجيات، تتشارك الحركتان نفس الأهداف المتمثلة في دعم الشعب الفلسطيني في التخلص من الاحتلال وتقرير مصيره وتحقيق عودته إلى وطنه وإنهاء تواطؤ الحكومات والمؤسسات والشركات مع الاحتلال الإسرائيلي.

ما هي أبرز نشاطات "بالستاين أكشن"؟

اشتهرت الحركة بتنفيذها عدداً كبيراً من "الأعمال المباشرة" وتحقيقها عدداً من الإنجازات. وقُدر عدد عملياتها المباشرة بأكثر من 330 عملية منذ عمليتها الأولى الافتتاحية الشهيرة في يوليو/تموز 2020 عندما هاجمت المقر الرئيسي لشركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية لصناعة الأسلحة في لندن، وتكرر استهداف المقر نفسه عدة مرّات. كما شهدت مصانع الطائرات من دون طيار التابعة لشركة "إلبيت سيستمز" في عدة مدن ومواقع، مثل ليستر وأولدهام وتامووث، اعتصامات مفتوحة واضطرابات متكررة شملت احتلال أسطح المباني.

كذلك، أقدم ناشطو الحركة على استهداف سلاسل التوريد لشركة "إلبيت" من خلال أعمال مباشرة في مكاتب مديري العقارات مثل "فيشر جيرمان"، وشركات التوظيف مثل "آي أو أسوشيتس"، لممارسة الضغط على الشركات التي تقدم خدمات لـ"إلبيت" لقطع العلاقة معها. وأيضاً شركة التأمين العملاقة "أليانز" لتقديمها تأمين مسؤولية أصحاب العمل لـ"إلبيت". كذلك، نُظمت حملات ضد المؤسسات المالية، أبرزها بنك "باركليز"، وشركات الخدمات اللوجستية مثل "كيونه + ناغل"، لإجبارها على سحب استثماراتها أو وقف خدماتها لـ"إلبيت".

وأقدمت الحركة على عدد من الأعمال الرمزية مثل: رش الطلاء الأحمر على مبنى وزارة الدفاع في لندن العام الماضي، رش مبنى مجلس الشيوخ في جامعة كامبريدج بالطلاء أيضاً، تخريب لوحة تاريخية لآرثر بلفور في مارس/آذار 2024 بكلية ترينيتي في جامعة كامبريدج احتجاجاً على إعلان بلفور الذي أُطلق عام 1917، وحظي الحدث وقتها بتغطية إعلامية واسعة. وكان أحدث عمل رفيع المستوى للحركة هو استهداف قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني "بريز نورتون"، في يونيو/حزيران الماضي، ورش الطلاء الأحمر على محركات طائرتين لتزويد الوقود.

ومن الإنجازات التي تدعيها وتُنسب إلى الحركة: تخلي "إلبيت" عن مقرها الرئيسي في لندن (يونيو 2022)، إجبار "إلبيت" على بيع "فيرّانتي" في أولدهام (يناير/كانون الثاني 2022)، إجبار "إلبيت" على بيع مصنع "إليت كيه إل" في تاموورث (مارس 2024)، وقطع سبع شركات علاقاتها مع "إلبيت". وأحدثت نشاطات "بالستاين أكشن" أضراراً مالية خلال السنوات الخمس الماضية قُدّرت بعشرات ملايين الجنيهات.

من هي "إلبيت سيستمز"؟

هي أكبر شركة إسرائيلية لتصنيع الأسلحة والتكنولوجيا الدفاعية، ويقع مقرها الرئيسي في حيفا بإسرائيل. وهي شركة تكنولوجيا دولية متخصصة في مجموعة واسعة من الأنظمة والمنتجات الجوية والبرية والبحرية للاستخدامات الدفاعية والأمنية والتجارية. تُعدّ الشركة المزود الرئيسي للعديد من الأنظمة العسكرية الإسرائيلية، وتُتهم بأنها تورد 85%  من الطائرات من دون طيار والمعدات البرية التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتملك الشركة وجوداً كبيراً في المملكة المتحدة عبر عدة شركات فرعية ومصانع، وتُعد بريطانيا حليفاً استراتيجياً وثيقاً لإسرائيل، وهناك تعاون دفاعي وعسكري كبير بين البلدين. وهذا يجعل المملكة المتحدة قاعدة منطقية لشركة دفاع إسرائيلية، وأبرمت الشركة العديد من العقود المربحة مع وزارة الدفاع البريطانية. ووسّعت "إلبيت" وجودها في المملكة المتحدة من خلال الاستحواذ على شركات دفاع وتكنولوجيا بريطانية قائمة ودمجها في محفظتها تحت مظلة "إلبيت سيستمز المملكة المتحدة".

تستثمر "إلبيت" في مرافق البحث والتطوير بالمملكة المتحدة، مثل مركزها في بريستول، لتطوير تقنيات جديدة للجيش البريطاني وعملاء الناتو الآخرين. وتوفر السوق الدفاعية البريطانية فرصاً تجارية كبيرة لها، كما أن وجود "إلبيت" في المملكة المتحدة يسهل عليها الوصول إلى الأسواق الأوروبية والدولية الأخرى والحصول على قطع الإنتاج.

كم عدد معتقلي الحركة؟

يقبع اليوم 22 ناشطاً من "بالستاين أكشن" في السجون البريطانية وتعتبرهم الحركة سجناء سياسيين. أربعة منهم اعتقلوا هذا الأسبوع على خلفية اقتحام القاعدة العسكرية لسلاح الجو الملكي، ووُجهت إليهم تهم التآمر لارتكاب ضرر جنائي، والدخول إلى مكان محظور عن علم بغرض الإضرار بسلامة المملكة المتحدة أو مصالحها. أما الـ18 الآخرين المعروفة قضيتهم باسم "فيلتون 18"، فقد اعتقلوا على خلفية عملية مباشرة استهدفت منشأة لشركة "إلبيت" في منطقة فيلتون بمدينة بريستول خلال شهر أغسطس/آب 2024، عندما اقتحمت مجموعة من الحركة، في شاحنة معدلة، مركز الأبحاث والتطوير والتصنيع التابع لـ"إلبيت، وأتلفوا ممتلكات وأسلحة إسرائيلية، بما في ذلك طائرات من دون طيار من طراز "كوادكوبتر"، يُزعم أنها نفس الطراز المستخدم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وادعت الحركة وقتها أن هذه العملية تسببت في أضرار تزيد عن مليون جنيه إسترليني للشركة.

وفي بعض الحالات التي تعرض فيها ناشطون للاعتقالات، جرت تبرئتهم من تهم تتعلق بالضرر الجنائي من قبل هيئات المحلفين الذين قبلوا دفاع "الضرورة" بحجة أن أفعالهم كانت ضرورية لمنع جرائم حرب أو حماية الأرواح/الممتلكات.

ما هو قانون الإرهاب في بريطانيا؟

لدى المملكة المتحدة عدد من القوانين لمكافحة الإرهاب تطورت على مدار السنوات، أبرزها قانون الإرهاب لعام 2000، ويُعدّ التشريع الرئيسي الذي يعرف "الإرهاب" أنه استخدام فعل أو التهديد باستخدامه بغرض التأثير على الحكومة أو منظمة حكومية دولية أو تخويف الجمهور أو شريحة من الجمهور، أو أن يكون استخدامه أو التهديد باستخدامه لغرض النهوض بقضية سياسية أو دينية أو عرقية أو لأغراض أيديولوجية. ويشمل ذلك: العنف الخطير ضد شخص ما. أضرار جسيمة في الممتلكات. تعريض حياة شخص للخطر. تشكيل خطر جسيم على صحة الجمهور أو سلامته. التدخل بشكل خطير في نظام إلكتروني أو تعطيله.

ويسمح القانون لوزير الداخلية بحظر أي منظمة إذا كان لديه "اعتقاد معقول" بأنها "معنية بالإرهاب". كما يحدد القانون مجموعة واسعة من الجرائم المتعلقة بالإرهاب، بما في ذلك: تمجيد الإرهاب، إعداد أعمال إرهابية، الحصول على معلومات مفيدة للإرهابيين، التدريب على الإرهاب، تمويل الإرهاب. ويعطي صلاحيات أوسع للشرطة من ضمنها فترات أطول لاحتجاز المشتبيهن.

وجاء تصنيف "بالستاين أكشن" بعد اقتحام القاعدة العسكرية لسلاح الجو الملكي "برايز نورتن"، التي تعتبر مركزاً لقوات التزويد بالوقود جواً وتدعم العمليات الخارجية، بما فيها الرحلات الجوية إلى قاعدة "أكروتيري" التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في قبرص التي تعتبر أكبر قاعدة جوية بريطانية في الشرق الأوسط، إذ وثّقت تقارير عديدة دور سلاح الجو البريطاني في الخروج بطلعات يومية للتصوير خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة. بعد هذا الاقتحام، دفعت الحكومة بقيادة حزب العمّال لإجراء تعديل على قانون الإرهاب شمل إضافة حركات جديدة ضمن القانون، منها "بالستاين أكشن" ومجموعتان من النازيين الجدد، وجرى التصويت على تجريم الحركات الثلاث دفعة واحدة.

كيف كان التفاعل على تصنيف الحركة منظمة إرهابية؟

أحدث قرار الحكومة جدلاً كبيراً وتنديداً واسعاً من قبل شخصيات سياسية عديدة، منهم من هو محسوب على حزب العمال نفسه رغم تصويت غالبية نواب الحزب لصالح التجريم. واتهم حمزة يوسف، الوزير الأول الاسكتلندي السابق، الحكومة بـ"إساءة استخدام" قوانين مكافحة الإرهاب ضد النشطاء المؤيدين لفلسطين. ودعت مجموعة تضم أكثر من 400 شخصية ثقافية من مختلف الأطياف السياسية إلى وقف تصنيف الحركة وقالوا: "لا يهم إن كنا بوصفنا أفراداً ندعم بالستاين أكشن أم لا. على المحك هنا مبدأ حرية التعبير نفسه". وقالت رسالة أخرى وقعها "فنانون من أجل فلسطين في المملكة المتحدة": "إن التهديد الحقيقي لحياة الأمة لا يأتي من حركة فلسطين، بل من جهود وزيرة الداخلية إيفون كوبر لحظرها".

وعلى صعيد منظمات المجتمع المدني، وصفت كل من منظمة العفو الدولية ومنظمة ليبرتي خطوة الحكومة بأنها "تصعيد صادم في حملة الحكومة على الاحتجاجات". كذلك، اعتبر المركز الأوروبي للدعم القانوني ومركز قانون المصلحة العامة والمركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين وحملة مناهضة تجارة الأسلحة وحملة التضامن مع فلسطين واللجنة البريطانية الفلسطينية وحركة الشباب الفلسطيني، في رسالة مشتركة إلى وزيرة الداخلية، أن هذه "محاولة صادمة وخطيرة لتقييد حق الاحتجاج من أجل فلسطين"، مُشيرة إلى التزامات المملكة المتحدة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بـ"اتخاذ جميع التدابير المعقولة في حدود صلاحياتها لمنع ارتكاب إبادة جماعية".

كما شنّت وسائل إعلام عدّة هجوماً حاداً على " بالستين أكشن"، إذ تساءلت مجلة "سبيكتيتور" الأسبوعية عما إذا كان سلاح الجو الملكي "قد انزلق إلى حالة من السلم المفرط"، داعية إلى اعتبار اقتحام القاعدة العسكريّة عملاً يأتي من "طابور خامس يعمل كأغبياء مفيدين للعدو"، كما نشرت صحيفتا "ذا تيلغراف" و"ذا تايمز" المحسوبتان على اليمين الداعم لإسرائيل. فيما انتقدت صحيفة ذا غارديان قرار الحكومة واعتبرته "تصعيداً كبيراً في التعامل مع العصيان المدني"، قائلة إنه "يضع جماعة معروفة بإلقاء الطلاء الأحمر على المباني والطائرات العسكرية في الفئة القانونية نفسها التي تُصنف فيها القاعدة وتنظيم داعش". كما كتب العديد من الشخصيات والصحافيين والكتاب مقالات في وسائل الإعلام البريطانية تدافع عن الحركة وضد تجريمها.

وكشف موقع "ديكلاسيفايد" أن شركة "إلبيت سيستمز" ضغطت على وزارة الداخلية لإعادة محاكمة مؤسسي حركة "بالستاين أكشن". وجرى خلال السنوات الأخيرة عدد من اللقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وبريطانيين، إذ دعا المسؤولون الإسرائيليون في هذه الاجتماعات إلى معاقبة نشطاء الحركة، بحسب وثائق كُشفت وفقًا للموقع.

هل يمكن الطعن في القانون؟

بعد تصويت مجلس العموم ولاحقاً مصادقة مجلس اللوردات على تجريم "بالستاين أكشن"، بقي أمام الحركة التوجه إلى القضاء البريطاني للطعن في هذا القانون. وأعطت المحكمة العليا الحركة موعداً لجلسة استماع اليوم الجمعة، للبت بإمكانية إرجاء التعديلات على القانون حتى تتمكن من تقديم الطعن فيه، وهو مسار في حال حصوله سيأخذ أشهراً عدة. وفي حال فشل المسار القضائي، فسوف تُجرم الحركة نهائياً ومن يدعمها أو يعبر عن تضامنه معها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows