دوامة الموازنة البريطانية تزداد ضبابية... خيارات التمويل أحلاها مُرّ
Arab
1 week ago
share

غداة هبوط لافت للسندات الحكومية والجنيه الإسترليني بعد أنباء عن احتمال استبدال وزيرة المالية رتشيل ريفز وانهمار دموعها في البرلمان، بادر رئيس الوزراء كير ستارمر الغارقة حكومته في الموازنة البريطانية التي تزداد ضبابية، يوم الخميس، إلى تهدئة مخاوف المستثمرين والجمهور بتعهده التزام حكومته بقواعد موازنة صارمة وتمسكه بالوزيرة ريفز، وهو ما أنتج تعافياً بالنسبة للسندات وانعكس صعوداً للجنيه الإسترليني، فضلاً عن تفوّق مؤشر الأسهم البريطانية على نظيره في منطقة اليورو.

وفي مقابلة مع إذاعة "فيرجين رايدو يو كيه" (Virgin Radio UK) صباح أمس، حاول ستارمر تهدئة الأسواق، مشيراً إلى أن بكاء الوزيرة كان بسبب "أمر شخصي" لا علاقة له بالسياسة أو بالحزب، وأنه "على عكس ما قد يعتقد البعض، ليس له علاقة بالسياسة أو بما حدث هذا الأسبوع أو بأي علاقة مع أي أحد في حزب العمال". وأضاف: "إنها وزيرة خزانة ممتازة، وستبقى في منصبها لفترة طويلة جدا، حتى الانتخابات المقبلة وما بعدها. نحن ملتزمان تماماً بقواعدنا المالية وبالاستقرار الاقتصادي الضروري لهذا البلد، وهذا هو الأساس الذي نبني عليه كل شيء آخر".

وفي الذكرى السنوية الأولى لفوز حزب العمال الساحق في الانتخابات، نشر ستارمر أمس، خطة صحية لعشر سنوات، وهي إحدى السياسات البارزة لحكومته التي وعدت بـ"التغيير". ومع ذلك، بقي التركيز منصبّاً على ريفز ووضع المالية العامة. وفي مقابلة مع "بي بي سي" (BBC)، رفض ستارمر الكشف عن كيفية سد ريفز للثغرة في خطتها بعد تراجع الحكومة يوم الثلاثاء الفائت، عن إصلاحات الرفاهية التي كانت ستوفر 5 مليارات جنيه إسترليني (6.9 مليارات دولار)، تحت ضغط تمرّد داخلي من حزب العمال (الإسترليني= 1.36 دولار).

لكن رغم تأكيد ستارمر على بقاء ريفز، بدأ بعض المراهنين بترشيح بدائل محتملة، منهم بات ماكفادن (وزير بالحكومة) ودارين جونز (نائب ريفز في وزارة الخزانة). لكن ردة فعل السوق الأربعاء أظهرت أن تغيير وزيرة الخزانة قد يكون محفوفاً بالمخاطر دون فوائد واضحة، خاصة مع تراجع شعبية حزب العمال خلف حزب "ريفورم يو كيه" الشعبوي بزعامة نايجل فاراج في بعض الاستطلاعات، وفقاً لتقرير حول المسألة أوردته شبكة بلومبيرغ الأميركية والتي نقلت عن مدير مؤسسة "مور إن كومن" (More in Common) لوك ترايل قوله لراديو "بي بي سي 4" (BBC 4) أنه "من الواضح أن مستقبل ستارمر وريفز السياسي مرتبط بشدة، ولا أعتقد أن تغيير وزيرة الخزانة سيخدم ستارمر كثيراً".

خيارات صعبة لتمويل الموازنة البريطانية

ومع ضعف الإيرادات الضريبية وارتفاع الإنفاق، تجد الحكومة نفسها أمام فجوة مالية في الموازنة بعشرات المليارات، فيما لا تزال الضبابية تحيط بمهمة الوزيرة ريفز في الخريف، وتتمثل بإيجاد مخرج من عجز بين 8 و22 مليار جنيه إسترليني، بحسب تقديرات خبراء الاقتصاد في دويتشه بنك وشبكة بلومبيرغ. وإذا ما أرادت ريفز إعادة بناء هامش الأمان المالي الذي بلغ 9.9 مليارات جنيه في الربيع، فقد تحتاج إلى 30 مليار جنيه إسترليني، وفقاً لتقرير أوردته بلومبيرغ الأربعاء، مشيرة إلى خمسة خيارات قد تلجأ إليها ريفز لسد الفجوة.

ومن الخيارات تعديل القواعد المالية لدعم الموازنة، إذ تلتزم ريفز حالياً بتغطية الإنفاق الحكومي اليومي من الإيرادات الضريبية في الموازنة بحلول 2029-2030. لكن يمكنها كسب بعض المرونة بتغيير القاعدة الزمنية، بما قد يوفر بين ثلاثة مليارات وأربعة مليارات جنيه.

والخيار الثاني زيادة الضرائب، فرغم تعهدها بعدم رفع معدلات ضريبة الدخل والتأمين الوطني وضريبة القيمة المضافة أو ضريبة الشركات، ما زالت هناك طرق بديلة منها تجميد حدود ضريبة الدخل حتى 2030 قد يدر من سبعة مليارات إلى 10 مليارات جنيه سنوياً، وخفض الحد الأدنى لضريبة القيمة المضافة على الشركات للنصف بما يضيف مليار جنيه، وإجراءات مثل إلغاء إعفاءات ضريبية على العقارات والأرباح والأسهم والمعاشات، ما قد يولد أكثر من أربعة مليارات جنيه، إضافة إلى زيادة الضرائب على المقامرة كما اقترح جوردون براون، قد تضيف أربعة مليارات أخرى.

ومن الخيارات أيضاً، تحفيز النمو الاقتصادي، باعتبار أن رفع معدلات النمو هو السبيل الأمثل لزيادة الإيرادات من دون فرض ضرائب جديدة ضمن الموازنة البريطانية، عبر إصلاحات التخطيط العمراني قد ترفع الناتج المحلي 6.8 مليارات جنيه وتضيف ملياري جنيه ضرائب. وكذلك اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي والهند، وتخفيف القيود التنظيمية، قد تولّد 2.5 مليار جنيه إضافية. ويُضاف إلى ذلك التوسّع في تراخيص التنقيب في بحر الشمال قد يساهم كذلك في دعم الإيرادات.

أما الخيار الخامس فيتمثل بإصلاح العلاقة المالية مع بنك إنكلترا المركزي، باعتبار أن خسائر برنامج التيسير الكمي لبنك إنكلترا تكلف الدولة نحو 30 مليار جنيه سنوياً نتيجة دفع فوائد أعلى من عوائد السندات الحكومية التي يحتفظ بها البنك. وضمن هذا الخيار، ثمة حلول مطروحة، هي: وقف دفع الفائدة على جزء من الاحتياطي، على غرار ما فعله البنك المركزي الأوروبي، قد يوفر مليار جنيه. وتغيير المعالجة المحاسبية لهذه الخسائر لتُسجل في دفاتر البنك المركزي، كما يحدث في الولايات المتحدة وأوروبا، قد يُعفي الحكومة من تحملها. ومنح بنك إنكلترا الاحتفاظ بعائدات إصدار النقد (seignorage) التي تُقدَّر بـ4.5 مليارات جنيه سنويا، ما يوفّر على الدولة نحو 25 مليار جنيه.

الأسواق البريطانية تعكس اتجاهها

وعلى الرغم من استمرار غرق السلطات البريطانية في دوامة الخيارات المالية والضريبية المختلفة لسد احتياجات خزينة الدولة التمويلية، تعافت الأسواق البريطانية الخميس، بعد موجة بيع حادة، إثر تأكيد رئيس الوزراء أن ريتشيل ريفز ستبقى وزيرة للمال لسنوات مقبلة. وفي مؤشرات الأسواق المالية في لندن، انخفض العائد على السندات لأجل 30 سنة بمقدار 12 نقطة أساس ليصل إلى 5.30%، بعدما ارتفع 19 نقطة يوم الأربعاء، مسجلاً أكبر قفزة منذ إبريل/نيسان المنصرم. كما ارتفع الجنيه الإسترليني قليلاً إلى 1.3656 دولار بعد تراجعه بنسبة 0.8% في اليوم السابق. وأضاف مؤشر "فايننشال تايمز 250" (FTSE 250) الذي يركز على الشركات البريطانية المحلية مكاسب بنسبة 0.5%.

وفي هذا الصدد، نقلت بلومبيرغ عن المحلل الإستراتيجي في "دويتشه بنك" هنري ألين قوله: "لقد طمأنت تصريحات كير ستارمر الأسواق بالفعل". وانخفض العائد على السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 9 نقاط أساس إلى 4.52%، بعدما ارتفع 16 نقطة يوم الأربعاء، حين شهدت الأسواق البريطانية اضطرابات شديدة بسبب المخاوف من أن قدوم وزيرة مالية جديدة قد يعني زيادة في الاقتراض الحكومي وتهديداً لاستقرار المالية العامة.

وقد أثرت التحركات الحادة في سوق السندات البريطانية على سوق السندات الأميركية (الخزانة الأميركية) أيضاً، حيث تعاني هي الأخرى من مخاوف مالية وسط تقدم حزمة الإنفاق الضخمة للرئيس دونالد ترامب في الكونغرس.

وفي هذا السياق، قال استراتيجي الاقتصاد الكلي في بلومبيرغ بدبي، فين رام: "قد يرحب سوق السندات بالوضوح بشأن بقاء ريفز، نظراً لتمسكها بالقواعد المالية الذاتية. واحتمالية أن يكون البديل أقل التزاماً بتلك القواعد غذّت موجة البيع الأخيرة. لكن الحكومة لا تزال تواجه خيارات صعبة، ما يعني أن هامش المخاطر لن يُمحى كلياً من الأصول البريطانية".

وتسببت الأزمة في مقارنة جزئية بأزمة 2022، عندما أطاحت الأسواق بحكومة ليز تراس بعد موازنتها المصغرة التي فشلت في طمأنة المستثمرين ورفعت تكاليف الاقتراض. ومع ذلك، قال محللون إن الوضع الحالي لا يزال بعيداً عن تلك الأزمة. ومن هؤلاء رئيس استراتيجية السندات في بنك مونتريال، لورنس موتكين، الذي اعتبر أن "عدم اليقين السياسي مرتفع، لكنه ليس كارثياً"، مشيراً إلى أن الزيادة في الإنفاق صغيرة نسبياً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows