"المرض الهولندي" يجتاح الاقتصاد الروسي ..ارتياح استهلاكي وقلق تصديري
Arab
1 week ago
share

مع تسجيل الروبل الروسي أداء فاق كل التوقعات وتراجع سعر صرف الدولار من أكثر من 100 روبل مطلع العام إلى ما دون 80 روبلا حاليا، يستفيد المواطن الروسي من انخفاض أسعار السلع المستوردة والباقات السياحية إلى الخارج بما تعادله بالعملة الوطنية. في المقابل، يشكو المصدرون والمصنعون في الاقتصاد الروسي من تراجع قدرتهم التنافسية بالسوق العالمية بعد عودة شبح ما يعرف بـ"المرض الهولندي" الناجم عن ارتفاع قيمة العملة المحلية نتيجة لعائدات الصادرات النفطية، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الصادرات بما تعادله بالعملة الأجنبية.

واللافت أن تعافي الروبل في الربع الثاني من العام استمر رغم تعثر مفاوضات السلام في أوكرانيا وبقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة باستثناء فترة نشوب التوتر في الشرق الأوسط، ولكن ثمة توقعات بألا تستمر موجة التعافي هذه طويلا في ظل إقرار كبار المصرفيين والمصنعين الروس بضرورة خفض قيمته وتوجه المصرف المركزي الروسي نحو الخفض التدريجي لسعر الفائدة الأساسية مما يقلل من جاذبية الأصول المدرجة بالروبل.

ويرجع المحلل المالي الروسي المستقل، ألكسندر رازوفايف، تعافي الروبل بهذه الصورة إلى تبني المصرف المركزي سياسات نقدية - ائتمانية متشددة، متوقعا في الوقت نفسه تراجعا لقيمة الروبل خلال الأشهر المقبلة على ضوء الخفض التدريجي لسعر الفائدة الأساسية واستنفاد تأثير التصعيد بين إسرائيل وإيران على أسعار النفط العالمية.

ويقول رازوفايف الذي يحمل درجة الدكتواره في الاقتصاد، في حديث لـ"العربي الجديد": "يرجع السبب الرئيسي لتعافي الروبل في الاقتصاد الروسي إلى تبني المصرف المركزي سياسات نقدية ائتمانية متشددة، ولكنها تنذر أيضا بإصابة الاقتصاد الروسي بالركود. يسعد السكان العاديون بالروبل القوي على عكس المصدرين ووزارة المالية، إذ تعتمد الميزانية الروسية على نحو عشر شركات صناعية قابضة ومصرف سبير. صحيح أن الأحداث في الشرق الأوسط أنعشت مؤقتا أسعار النفط، ولكن ذلك لا يغير جوهر الأمر".

ويجزم بأن السلطات المالية الروسية ستضطر عاجلا أم آجلا لخفض قيمة الروبل، مضيفا: "تميل كفة الميزان التجاري لمصلحة تراجع الروبل، خاصة وأنه يعكس تراجع أسعار النفط مع تأخير مدته بين شهرين وثلاثة، بينما يؤدي تعافي الروبل إلى زيادة الواردات وحركة السفر إلى الخارج، ما يعني أن سعر الصرف المنطقي يفوق الـ100 روبل للدولار. يضاف إلى ذلك بدء دورة خفض سعر الفائدة الأساسية التي ستسهم أيضا في تراجع قيمة الروبل".

وكان مجلس إدارة المصرف المركزي الروسي قد خفض في اجتماع يونيو/حزيران الماضي، سعر الفائدة الأساسية من 21% إلى 20%، عازيا قراره إلى استمرار تراجع ضغوط التضخم في الاقتصاد الروسي بما قد يسهم أيضا في تراجع قيمة الروبل من جهة تقليل جاذبية الأصول المدرجة قيمتها بالروبل، ولكن ذلك لم يؤثر حتى الآن سلبا على سعر صرف الروبل الذي استقر عند مستوى دون الـ79 روبلا للدولار بحلول بداية النصف الثاني من العام.

إلا أن رازوفايف يحذر من مخاطر استمرار تعافي الروبل، قائلا: "في حال انهار سعر صرف الدولار إلى 50 روبلا، مثلا، فهذا سيقضي على القطاع الصناعي الروسي، حيث سيصبح التصدير غير مربح، بينما لن تستطيع الشركات العاملة بالسوق الداخلية منافسة الواردات. في المقابل، سيشكل تراجع الروبل عامل دعم لمؤشر بورصة موسكو الذي تشكل أسهم المصدرين نوتهم الصلبة".

على الصعيد الداخلي، تكتسب قضية سعر صرف الروبل بُعدا اجتماعيا نظرا لتأثيره على أسعار السلع المستوردة ورخاء المواطنين بشكل مباشر، مما يملي على السلطة الروسية البحث عن التوازن بين الحفاظ على استقرار الأوضاع الاجتماعية ومراعاة مصالح الشركات الكبرى نظرا لما تدرّه من عوائد على الاقتصاد الروسي الذي تشكل الصادرات النفطية أبرز ركائزه.

وأوضحت المديرة التنفيذية لشركة "ميند ماني" للتداول، يوليا خاندوشكو، أن شهرا مضى خلق انطباعا بأن الروبل الروسي "تجاهل" التذبذب بسوق النفط وحالة عدم الاستقرار في العالم. وقالت خاندوشكو لصحيفة إزفيستيا الروسية مطلع الأسبوع الجاري: "منطق السوق ليس العامل الرئيسي الذي يؤثر على سعر الصرف في الاقتصاد الروسي اليوم، وإنما سياساتُ الحكومة أيضا، وبصفة خاصة آلية إلزام المصدرين ببيع العوائد بالعملة الأجنبية والتي تستطيع الحكومة من خلالها أن تؤثر على سعر الصرف، والأرجح ألا يتغير هذا الوضع خلال الربع القادم".

وأشارت إلى أن هناك توجهين متباينين يحددان مستقبل سعر صرف الروبل، مضيفة: "من ناحية، يحبذ المصدرون أن يكون سعر الصرف أقرب إلى 100 روبل للدولار، ويبدو أن صندوق الرفاه الوطني بات هو الآخر مقبلا على سعر صرف أقل للروبل بحلول نهاية العام. لكن من جانب آخر، تضطر الحكومة لمراعاة العوامل الاجتماعية، إذ بدأنا للتو برصد تراجع التضخم وتوقعاته، ولكن هذا المفعول الإيجابي سيصبح وكأنه لم يكن في حال تم السماح بتراجع حاد لقيمة الروبل. لذلك، على ضوء الوضع الراهن بلا تغيير هام للوضع السياسي في سياق العملية العسكرية في أوكرانيا وضغط العقوبات في الأفق، لا داعي لترقب تغيير هام لسعر الصرف".

إلا أن رئيس أكبر مصرف روسي "سبير" (حكومي)، غيرمان غريف، اعتبر أن سعر الصرف المتوازن للروبل يبلغ أكثر من 100 روبل للدولار. وقال غريف بفعالية فطور أعمال في إطار منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في 20 يونيو الماضي إن "سعر الصرف بعيد عن التوازن اليوم، ومن البديهي أن سعر الصرف المتوازن هو 100 روبل فأكثر للدولار".

وأضاف أن التعافي الحالي للروبل يؤثر على المصدرين والموازنة على حد سواء. وانتقد رئيس ثاني أكبر مصرف روسي "في تي بي" (حكومي)، أندريه كوستين، هو الآخر التعافي الحالي للروبل، قائلا لصحيفة إزفيستيا: "سعر الصرف المواتي حاليا بين 90 و100 روبل. أعتقد أنه من الخطأ أننا نبيع العملة حاليا لدعم العملة الوطنية دعما مصطنعا".

يذكر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أقر في نهاية الشهر الماضي، بأن روسيا تتحمل نفقات عسكرية كبيرة بواقع 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكدا أن السلطات الروسية تبذل جهودا من أجل مكافحة التضخم الذي ناهز 10% على أساس سنوي في مايو الماضي، وتحقيق "هبوط ناعم" للاقتصاد.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows