ماذا لو أنهم موجودون؟
Arab
1 week ago
share

لمَح سكّان مصر وبلاد الشام (الثلاثاء الماضي) ضوءاً أبيضَ غريباً في السماء، لا يشبه شيئاً من الظواهر الطبيعية التي تحدث عادةً، ولا الأثر الذي يخلّفه تفجير صاروخ باليستي أو غيره، ذلك أن تفجيرات صاروخية سابقة حدثت من دون أن تترك أثراً كهذا. اللافت في الضوء إيّاه كان تحوّل لونه ورديّاً غامقاً أو أحمرَ نارياً لدى تصويره في كاميرات الهواتف المحمولة. كنت في مدينة دهب المصرية عند البحر الأحمر حين شاهدته وصوّرته في هاتفي المحمول، ثمّ فوجئت بأصدقاء يعيشون في سورية ولبنان ينشرون صوراً مشابهة في وسائل التواصل الاجتماعي، التقطوها في أماكنهم.

تفسيرات كثيرة لهذه الظاهرة انتشرت بسرعة في وسائل التواصل، يقول بعضهم إن إسرائيل فجّرت صاروخاً باليستياً أطلقه الحوثيون باتجاهها (التفسير الأكثر سهولة ولا يحتاج إلى خيال لا علمي ولا أدبي)، وفسّر بعضهم الظاهرة بأنها نتيجة إطلاق قمر صناعي جديد في المنطقة، أو بأنها ظاهرة السحابة الصاروخية التي تحدث لدى إطلاق صاروخ فضائي. قال آخرون إن هذا الضوء ظاهرة طبيعية نادرة من ظواهر الحالة الشفقية أوما يسمّى الشفق الفلكي. فسّر آخرون كُثر (مثلي) الظاهرة الجميلة بأنها زيارة سريعة من جيراننا سكّان الفضاء، ستليها زيارات أكثر كثافةً وأطول مدّةً.

ليس الخيال البشري عن سكّان الفضاء خيالاً حديثاً، فالآثار الباقية من الحضارات القديمة توحي باعتقادهم بوجود كائنات تعيش في عوالم فلكية أخرى، ففي الحضارات المصرية (الفرعونية) والسومرية واليونانية وحضارة المايا، ثمّة نقوش ما زالت موجودةً عن كائنات نصف إنسانية ومركبات، فسّرها علماء الآثار بأنها قد تدلّل على مركبات فضائية. كما أن الفلسفة اليونانية اهتمت كثيراً بفكرة "تعدّد العوالم". فمثلاً، يتحدّث أبيقور عن العوالم المأهولة: "بما أن عدد الذرات لا يُحصى، فهي تجتمع بطرق لانهائية، وبالتالي لا بدّ أن تنشأ عوالم لا تحصى"، وهو ما يعادل اليوم نظرية "الكواكب خارج المجموعة الشمسية". نظرية أبيقور كانت ثورةً في ذلك الوقت، خصوصاً بعدما حدّد أرسطو الكون بوصفه "عالماً واحداً ومغلقاً"، بينما قال أبيقور إنه "واسع جدّاً ولسنا في مركزه ولا في قمّته"، وهو رأي مشابه لما ذهب إليه المتصوّفة في العصر الإسلامي، الذين آمنوا بأن ثمّة عوالم "لا يدركها غير الله"، تأكيداً على محدودية البشر في فهم الكون. ومن الأبيقورية والتصوّف استمدّ كُثر من الفلاسفة نظرياتهم عن تعدّد العوالم و"الآخر غير المُفكَّر فيه"، على رأي جاك دريدا، الذي رأى في الآخر الكوني مرآةً لأفكارنا، فما نعتبره خارجاً "قد يكون هو ما يكشف حقيقتنا".

في العصر الحديث، يبدو أن النظرية تحوّلت حقيقةً يؤمن بها كثيرون، فعدا عن سعي البشر إلى اكتشاف كواكب جديدة تصلح للحياة، يؤمن عديد منهم بوجود كائنات فضائية تزور الأرض كلّ فترة لاكتشافها. بعضهم يعتقد أن ثمّة غزواً فضائياً قادماً لاحتلال كوكب الأرض (كما في عشرات الأفلام الهوليوودية)، وبعضهم الآخر (كاتبة هذه السطور منهم) ينتظرون قدوم هذه الكائنات لإنقاذ كوكبنا البائس من ديكتاتورية النُّخبة التي تحكمه، ومن العُسف الذي يطاوله، ويطاول الكائنات الحيّة الموجودة فيه، بعدما عجزت حلول الأرض عن جعل العدالة البشرية ناموسَ الكون وضميره، ولم يعد يكفي وعدٌ بحياة أفضل في عالم ما بعد الموت.

يستبطن كثيرون من فكرة "سكّان الفضاء" انتظار البديل الأخلاقي من سكّان الأرض، البديل الذي يمكنه أن يعيد إلى كوكبنا توازنه وللبشرية عدالتها، البديل المنقذ من هذه الفوضى المدمّرة كلّها، من الظلم والفقر وموت العدالة والقبح والقوة والحروب والقتل والموت المجاني، من الاستعباد ومن كلّ ما يدمّر البنيتين النفسية للفرد والأخلاقية للمجموعات البشرية. يتحوّل سكّان الفضاء في حالات تخيّلية بديلاً من واقع وجود البشر متروكين لمصيرهم، يخوضون تجربةً شديدةَ القسوة. فهل معقول أننا "لسنا أكثر من هذه التجربة"، على رأي نيتشه؟

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows