مأزق بريطانيا المزدوج: أزمة بطالة وتراجع في إصلاحات الرعاية
Arab
1 week ago
share

تواجه بريطانيا لحظة حرجة تتقاطع فيها الأزمات الاقتصادية مع التوترات السياسية، وسط تراجع فرص العمل وارتفاع مقلق في تكاليف المعيشة، يقابله اضطراب حكومي متزايد في تنفيذ إصلاحات نظام الرعاية الاجتماعية. وفي خطوة فُسّرت على نطاق واسع بأنها محاولة لاحتواء تمرد متصاعد داخل حزب العمال، أعلنت الحكومة مساء أول من أمس الثلاثاء، تأجيل بند أساسي في مشروعها لإصلاح مخصصات الإعاقة، وهو تغيير معايير الأهلية الذي كان من المفترض تطبيقه في نوفمبر/تشرين الثاني 2026، بانتظار نتائج مراجعة يشرف عليها وزير الرعاية الاجتماعية، ستيفن تيمز.

وأكد الوزير في تصريح أمام مجلس العموم أنه سيتم حذف "البند الخامس" من مشروع القانون خلال مناقشات اللجنة البرلمانية، وهو البند المتعلق برفع معايير الأهلية للحصول على مخصصات الاستقلال الشخصي (PIP) إلى أربع نقاط. وقال إن أي تغييرات مستقبلية في هذا المجال لن تتم إلا بعد انتهاء "مراجعة تيمز" المرتقبة بحلول خريف العام المقبل.

هذا التراجع، الذي وصفته النائبة العمالية هيلين هايز بأنه "تخبّط في اللحظة الأخيرة" جاء في خضم تصاعد الغضب البرلماني والمجتمعي حيال الطريقة التي تُدار بها الملفات الاجتماعية. وفي الخلفية، تتنامى المؤشرات الاقتصادية المقلقة التي تفاقم هذه الصورة القاتمة، حيث يشير تحليل حديث صادر عن مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس" أول من أمس الثلاثاء، إلى أن سوق العمل البريطاني يتجه نحو مزيد من الانكماش، مع توقّعات بارتفاع البطالة إلى نحو 5% بحلول منتصف عام 2026.

ويُعزى هذا المسار، بحسب التقرير، إلى موجة فقدان وظائف تطاول القطاعات ذات الأجور المنخفضة، وعلى رأسها الضيافة والزراعة والمطاعم، مدفوعة بارتفاع تكلفة التوظيف عقب زيادات متتالية في مساهمات التأمين الوطني والأجر المعيشي الوطني. هذه السياسات، رغم نيّاتها الاجتماعية، أدت في الأجل القصير إلى أسوأ تراجع شهري في معدلات التوظيف منذ أواخر عام 2024، ما يؤشر إلى خلل أعمق في قدرة الاقتصاد البريطاني على التكيّف مع ضغوط الإصلاح المالي والاجتماعي في آنٍ معاً.

وفي ردّه عن استفسارات "العربي الجديد" بشأن ما إذا كان ارتفاع البطالة المتوقع بحلول عام 2026 يشير إلى تحول هيكلي في سوق العمل أم أنه مجرد تصحيح دوري مؤقت، يقول أندرو غودوين كبير الاقتصاديين في بنك سيتي في المملكة المتحدة: "نرى أن ما يحدث في سوق العمل هو ظاهرة دورية بالدرجة الأولى، تعكس جزئياً التأقلم مع ارتفاع تكاليف التوظيف، وجزئياً نتيجة لفترة طويلة من النمو الاقتصادي الضعيف نسبياً، ما أدى إلى ضعف في الطلب على العمالة.

ونتوقع أن يبدأ معدل البطالة بالانخفاض خلال النصف الثاني من هذا العقد مع تلاشي هذه العوامل". يضيف غودوين: "لقد كانت الزيادات المتزامنة في مساهمات التأمين الوطني والأجر المعيشي الوطني من العوامل الرئيسية وراء خسارة الوظائف في القطاعات ذات الأجور المنخفضة. ونعتقد أن المستشارة (وزيرة المالية) ستضطر إلى زيادة الضرائب مجدداً في ميزانية الخريف المقبلة، لكن هذه التجربة قد تدفعها إلى تجنّب رفع مساهمات التأمين الوطني مرة أخرى.

كما نعتقد أن زيادات الأجر المعيشي الوطني ستكون أقل في المرحلة المقبلة، بعدما نجحت لجنة الأجور، في رفعه بشكل كبير مقارنة بمتوسط الأجور، إضافة إلى أن وتيرة ارتفاع الأجور في عموم الاقتصاد التي يُقاس بها الأجر المعيشي يُتوقع أن تكون أبطأ في المستقبل".

رغم أن القطاع العام وفّر نحو ثلاثة أرباع الوظائف الجديدة منذ عام 2019، يبدو هذا الزخم في طريقه إلى التباطؤ مع بداية عام 2026، في ظل خطط الحكومة لتقييد الإنفاق العام. وتشير بيانات مكتب الإحصاء الوطني لعام 2024 إلى أنّ عدد موظفي القطاع العام بلغ 6.14 ملايين حتى ديسمبر/ كانون الأول، أي نحو 17.6% من إجمالي قوة العمل. وتتوقع مؤسسة القرار (Resolution Foundation) في تقرير لها نُشر عام 2024 أن ترتفع هذه النسبة إلى 18.3% بحلول 2029–2030، نتيجة تضخم الإنفاق على قطاعي الصحة والرعاية الاجتماعية.

بيد أنّه رغم هذا النمو المتوقع، يرى محللون أن التوسع في التوظيف الحكومي لن يكون كافياً لسدّ الفجوة الناتجة عن تراجع التوظيف في القطاع الخاص، الذي يعاني ضعف الطلب وتآكل الهوامش الربحية. في ظل التحديات الاقتصادية المتفاقمة، تواجه حكومة حزب العمال تمرداً داخلياً واسعاً بسبب مشروع قانون إصلاح الرعاية الاجتماعية، ولا سيما التعديلات المقترحة على مخصصات الاستقلال الشخصي (PIP)، التي يخشى نواب أن تؤدي إلى نظام "ثلاثي المستويات" يفتقر إلى العدالة.

ورغم التراجع عن بند الأهلية الرئيسي وتأجيله إلى ما بعد مراجعة وزير الرعاية الاجتماعية ستيفن تيمز، تبقى فقرات أخرى مثار جدل حاد. وفي جلسة صاخبة بمجلس العموم، انتقد نواب من حزب المحافظين، المشروع بعد شطب أبرز بنوده، ووصفوه بـ"الفوضوي" و"غير المجدي"، إذ ارتفعت كلفة التنازلات إلى 4.5 مليارات جنيه إسترليني، من دون ضمان وفورات مالية أو دعم فعلي للتوظيف.

ولم يتبقَّ من القانون سوى اقتراح خفض المدفوعات الإضافية المرتبطة بالصحة ضمن "يونيفرسال كريدت"، (إعانة شهرية تُمنح للأسر ذات الدخل المحدود أو للعاطلين عن العمل أو للأشخاص ذوي الإعاقة)، وسط مطالبات برلمانية متزايدة بتجميد كامل للمشروع إلى حين انتهاء المراجعة التشريعية.

وتشير بيانات حكومية إلى أن التعديلات المقترحة على نظام الرعاية الاجتماعية، رغم التنازلات الأخيرة، لا تزال مرشّحة لدفع نحو 150 ألف شخص إضافي إلى الفقر النسبي بحلول عام 2030، مقارنة بتقديرات سابقة بلغت 250 ألفاً قبل حذف بعض البنود المثيرة للجدل.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows