أوروبا تغلي... درجات حرارة قياسية تهدد الملايين
Arab
1 week ago
share

ضربت التغيرات المناخية القارة الأوروبية من أقصى الجنوب الدافئ عادة إلى دولها الشمالية الباردة، محطمة أرقاماً قياسية في ارتفاع درجات الحرارة، وشهدت مدن مثل باريس وروما ومدريد وأثينا درجات تفوق الأربعين درجة مئوية، ما تسبب في إغلاق معالم شهيرة مثل الطابق العلوي من برج إيفل في باريس، ونصب أتوميوم التذكاري في بروكسل.

ويؤكد علماء المناخ أنه لم يعد كافياً أن تحض الدول سكانها على حماية أنفسهم من الحرارة، أو شرب كميات أكبر من المياه، وعدم تعريض كبار السن والصغار لضربات الشمس، فالمسألة ليست موجة حر عابرة، بل يمكن أن تتحول تداعيات التغير المناخي إلى أحد ثوابت الحياة، وستكون الآثار مدمرة عالمياً، ليس في القطاع الصحي فقط، إذ قد تؤدي إلى نزوح الملايين وهجرتهم.
تسجل إسبانيا 46 درجة مئوية، وتختنق البرتغال بهواء ورطوبة ثقيلين، وتضطر فرنسا إلى تحذير السكان من مخاطر التعرض للحرارة، بينما إيطاليا المعتادة على الحرارة المرتفعة، ارتفعت فيها حالات دخول المستشفيات بسبب ضربات الشمس بنسبة 20%، حتى أن لندن، مدينة الضباب كما تسمى، وصلت درجة الحرارة فيها مع بقية جنوب بريطانيا إلى 34 درجة مئوية، في حين تنتشر الحرائق في عدة بلدان، منها البرتغال وتركيا.
في إيطاليا، سجلت وفاة شخصين نتيجة الحر، وفي فرنسا توفي شخصان أيضاً، ونقل أكثر من 300 شخص إلى الرعاية الطارئة من قبل عناصر الإطفاء، وطالبت السلطات بعدم العمل في الخارج في ظل درجات الحرارة المرتفعة. وبالنظر إلى خرائط درجات الحرارة، فقد اصطبغت بالأحمر في دول إسكندنافية عادة ما تعيش صيفاً معتدلاً، ووصلت الحرارة  في السويد والدنمارك إلى 35 درجة مئوية، ما يكشف أن موجة الحر لا تستثني أحداً.
ولم تعد التغيرات المناخية مجرد نظريات، بل واقع يلمسه الناس حول العالم، وينعكس استمرار ارتفاع درجات حرارة الكوكب على ذوبان رقع جليد قطبية ضخمة، وارتفاع منسوب مياه البحار، وتأثر الحياة البرية والقطاعات الزراعية والصناعية، عدا عن صحة الإنسان، والعواقب الوخيمة والمميتة لم تعد آنية، بل متواصلة.

وأطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الاثنين الماضي، تحذيرات من إشبيلية الملتهبة، حول أن الحرارة الشديدة أصبحت وضعاً طبيعياً جديداً، وأنه "لا أحد محصنا منها"، داعياً لاتخاذ إجراءات فورية توقع ما يصفه خبراء التغيرات المناخية بحالة "التفلت من التعهدات" التي أطلقت على مدار العقدين الأخيرين، وبصفة خاصة في مؤتمر "كوب21" المناخي في 2015، والمعروفة باتفاقية باريس المناخية.
يعتقد الباحث في التغير المناخي بالمعهد الدنماركي للدراسات الدولية، إسبرن فريس هانسن، أن ما يجري هو نتاج تقصير الإنسان بحق الأرض. ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن "ما يجري حالياً في أوروبا يشبه ما يعيشه الفقراء في جنوب الأرض بصورة واضحة منذ سنوات. لا غرابة أن يتغير الكثير في أوروبا مثلما تغير في الكثير من الدول الأفريقية، والتغيرات في أوروبا سوف تتزايد أكثر في المستقبل القريب".
ويرى هانسن أن "المسؤولية الجماعية يتهرب منها ساسة الدول الكبرى، ولا يمكن بالطبع تحميل دول الجنوب المسؤولية. غليان أوروبا تحت وطأة الاحترار مرتبط بتغيرات عالمية، وربما يساهم في إعادة النظر بالسياسات المتراخية مع التغيرات المناخية. ما تحتاجه أوروبا هو تغيير جوهري في طريقة التصنيع والاقتصاد، بينما الدور الأميركي تخريبي في القضايا المناخية، ولا وجود لإرادة حقيقية لمواجهة ما يجري، وربما مصدر التفاؤل الوحيد أن تكون التكنولوجيا هي المنقذ من كل التدمير الذي ينعكس بصورة مدمرة على المجتمعات الأقل حظاً ومالاً، وآليات مساعدة الدول النامية، وهي الأقل تلويثاً ومساهمة في التخريب المناخي، تتطلب إعادة نظر جدية من دول الشمال الثرية، لأن التغيرات المناخية مرتبطة ببعضها، وتؤثر على الجميع".

من جهته، يؤكد الباحث المناخي الدنماركي هنريك أوفرغورد، أن "ما يجري هو من صنع الإنسان"، وأن الدول المساهمة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تفاقم هذه التطورات المقلقة. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "أوروبا التي باتت في قلب التغيرات المناخية وضعت هدفاً يفترض أنها تعمل عليه حالياً لخفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول عام 2030، مقارنة بما كانت في عام 1990، لكن الدول لم تتعامل مع الأمر بصفته قضية مركزية، وبعضها تراجع بعد الانسحاب الأميركي من اتفاق باريس المناخي في 2017. لكن أوروبا ارتطمت أخيراً بجدار الاحترار وتأثيراته المدمرة، خصوصاً مع تصاعد النفوذ السياسي لقوى اليمين الشعبوي".
بدورها، تقول الناشطة في الحركة الأوروبية لمواجهة التغيرات المناخية، آنا صوفي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك تياراً واسعاً، يشمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ينظر إلى قضية التغيرات المناخية على اعتبار أنها "غير حقيقية"، أو "مؤامرة" عند الأشخاص الأكثر تشدداً، وإن "المصالح الأنانية للدول تلعب دوراً في عدم جدية مواجهة الأخطار، فاليوم لا يواجه الأوروبيون جائحة مثل كوفيد-19، بل كوارث طبيعية مدمرة، ويساهم اليمين الشعبوي في أوروبا وأميركا الشمالية في الاستخفاف بها، وبعضهم يعارض آراء خبراء وباحثين حول قضية التحول الأخضر وتبني الطاقة المتجددة، ومن استخدام الوقود الأحفوري".
ويأتي السجال حول الاحترار في أوروبا وسط جدال واسع حول الحاجة إلى التوسع الصناعي، خاصة الصناعات التقليدية مثل الصلب والإسمنت والصناعات الكيميائية والتحويلية والتصنيع الحربي، وكل ذلك بعيد عن الطاقة المتجددة، ويركز على استخدام الوقود الأحفوري، بينما يسود اعتقاد واسع بين خبراء التغيرات المناخية أن ذلك سيسهم في مزيد من الاحتباس الحراري.

وكررت مؤتمرات الأمم المتحدة المناخية أن العالم يتجه إلى ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 2.8 درجة مئوية. وتشير خبيرة المناخ في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، آن ولهوف، في تصريحات للتلفزيون الدنماركي، إلى أن "ظاهرة الاحتباس الحراري تحتاج إلى اتخاذ خطوات كبيرة إذا أرادت الدول حصر الارتفاع عند 1.5 درجة مئوية، كما اتفقت في باريس في عام 2015. يجب على الدول بحلول عام 2030، خفض الانبعاثات بنسبة 42% مقارنةً بعام 2019. لكن لا يحدث شيء يُذكر. أوروبا تحتاج إلى تغيير النهج الاقتصادي إذا ما أرادت بالفعل تجنب ديمومة التغيرات المناخية".
وتشير الأرقام إلى أن عام 2023 كان العام الذي أطلقت فيه البشرية أكبر قدر من غازات الاحتباس الحراري، ويرتبط ذلك بمسارعة الدول الإنتاج بعد ركود كورونا. وأشار تقرير الأمم المتحدة "فجوة الانبعاثات"، إلى تلك الظاهرة التي عقدت عملياً مساعي منع ارتفاع درجات الحرارة عالمياً.
ويتفق العلماء على أن موجة الاحترار في قارة أوروبا، وحول العالم، هي نتيجة لاستهتار الدول بمسؤولياتها حيال محاصرة التغير المناخي. ففي الحالة الأوروبية، ظن سكان القارة لفترة طويلة أنهم بمنأى عن آثار التغير المناخي، بينما التوقعات تذهب باتجاه أن تسجل القارة نحو 80 ألف وفاة إضافية سنوياً بسبب ظاهرة الاحترار، وأن يخلق تطرف الاحترار موجات أمطار غزيرة وفيضانات وسيولاً، شبيهة بتلك التي شهدتها ألمانيا وإسبانيا مؤخراً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows