
يخشى الأطفال المُشخَّصون في الصين بفقدان القدرة على التخيل والاضطرابات المكانية من تعرضهم للتمييز والتنمر، نتيجة الربط بين الصعوبات المكانية وضعف مهارات الرياضيات مما أثار العديد من ردود الفعل السلبية.
ويهدف القائمون على العيادات الخاصة لعلاج هؤلاء الأطفال إلى رفع مستوى الوعي وتعزيز فهم دقيق لاضطرابات الأفانتازيا وصعوبات التخيل المكاني. ويقولون، بمجرد أن ندرك أن الطفل قد يعاني من هذه المشكلة، يمكننا مساعدته بشكل أفضل، بدلًا من إثارة القلق لديه بجعله يشعر بأنه لا يبذل جهداً كافياً أو وصفه بأنه طالب غبي، لأن هذا قد يسبب له ضائقة نفسية كبيرة.
في المقابل يرى أكاديميون أن الأبحاث المتعلقة بالعجز البصري المكاني لا تزال في بداياتها، فلا توجد علاجات معروفة لحالات مثل فقدان القدرة على الرؤية والتمييز الحسي والبصري. وبناء على ذلك يشككون في تأثير البرامج التدريبية على الأطفال وتحسين حالتهم المرضية. ويقولون إنه من الضروري توفير المزيد من الدعم الحكومي في الصين للأطفال ذوي صعوبات التعلم، مثل الإعاقة البصرية المكانية.
ويشير مصطلح الأفانتازيا إلى حالة عصبية مفترضة حيث إن الشخص لا يمتلك استخدام عين العقل. وقد ظهر المصطلح لأول مرة في دراسة أعدها أستاذ علم الأعصاب المعرفي والسلوكي في جامعة إكستر البريطانية، آدم زيمان، في عام 2015. وأشارت بعض الاستنتاجات في الدراسة، إنه في غياب الصور البصرية، غالباً ما يمتلك المصابون بالأفانتازيا "ذاكرة ذاتية" ضعيفة لماضيهم الشخصي، كما يفتقرون في كثير من الأحيان إلى أشكال أخرى من الصور الحسية.
يوضح دا يانغ، وهو طبيب في إحدى العيادات المتخصصة بمدينة شنغهاي، في حديث لـ "العربي الجديد"، آلية العمل وطريقة تشخيص الحالات المرضية، بأنه بمجرد وصول الطفل إلى العيادة يخضع لجلسة تشخيص تمتد من 30 إلى 45 دقيقة، بعد ذلك يتم تحليل الملاحظات التي يدونها المختصون، وهي عملية تستمر عدة ساعات، وبناء على الاستنتاجات التي يُصادق عليها الطبيب المسؤول، يتم تصميم برنامج تدريبي للإدراك المكاني خاص بالمريض، وتستمر فترة التدريب من ثلاثة إلى ستة أشهر، ويتوقف تمديد الفترة التدريبية على مدى استجابة الحالة. وتشمل التدريبات ألعاباً لها علاقة بتنشيط الإدراك الحسي والذاكرة، بالإضافة إلى تدريبات بدنية تعزز التخيل والقدرة على ربط العناصر الحسية ببعضها البعض.
ولفت إلى أن "العديد من الآباء يحضرون أبناءهم إلى العيادة، على أمل تحسين مهاراتهم في الرياضيات، لأننا نشير ضمن حملتنا التسويقية إلى هذا الجانب، ولكن بعد التشخيص تكون مثل هذه الحالات مدخلاً للاطلاع على أوجه قصور مختلفة تتعلق باختلال الإدراك الحسي، وقد أثار ذلك مخاوف لدى أولياء الأمور الذين يعاني أبناؤهم من تدني درجات الرياضيات، ويعتبرون ذلك مرضاً. ولكن الحقيقة أن هذا قد يكون مؤشراً على اضطرابات الأفانتازيا، وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون كل من هو ضعيف في الرياضيات مصاباً بهذا الاضطراب. لذلك لا داعي لتأجيج القلق من خلال الإشارة إلى أن ضعف الرياضيات مرض".
ويشير الطبيب الصيني إلى أن هناك ميلا لدى الآباء الصينيين للمبالغة في ردود أفعالهم عندما يواجه أطفالهم صعوبات في الدراسة. وقال إنه في إحدى المرات تلقت العيادة اتصالاً من أم لطفل يبلغ من العمر عامين ونصف العام تسأل إن كان بالإمكان حجز موعد لتشخيص حالة الطفل بالرغم من صغر سنه.
من جهتها، تحذر الباحثة الاجتماعية شو شيا، في حديث مع "العربي الجديد"، من تداعيات ربط ضعف القدرة على الحساب، باضطراب عمى العقل، وقالت بأن ذلك قد يجعل الطلاب في المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة عرضة للتنمر من زملائهم، بالرغم من أنهم قد يكونون في حالة صحية وعقلية سليمة. وتشير إلى أنه منذ انتشار دراسات حول هذا الأمر، أثيرت مخاوف وتساؤلات على منصات التواصل الاجتماعي بشأن صحة هذه الاستنتاجات، وقد أدى ذلك إلى تهافت أولياء الأمور الذين يعاني أبناؤهم من بعض الأعراض المشار إليها، على العيادات الخاصة.
تضيف الباحثة الصينية: "أخشى أن يكون ذلك جزءاً من حملة تسويقية ذات أغراض ربحية تجارية". وتلفت في هذا السياق إلى أنه في دول أخرى تتيح المدارس والجامعات للطلاب الذين يعانون من ضعف القدرة على التركيز، وقتاً إضافياً لأداء الواجبات الدراسية والامتحانات، وتوفر لهم أماكن هادئة في الحرم الجامعي، دون الإشارة لهم باعتبارهم مصابين باضطراب عمى العقل، لأن أي تأطير لهذه الحالات قد يكون مدعاة للتنمر في محيطهم الاجتماعي.
وكانت مراكز أبحاث صينية قد أشارت إلى ضرورة تحسين معايير فحص الأفانتازيا وحثّ الجهات المعنية على تحديد تشخيصها الطبي. ولفتت أنه لا تزال الأفانتازيا في مراحلها الأولى ولم تُدمج بعد في معايير التشخيص السريري، مضيفة بأنه على الرغم من أن المسوحات المُعترف بها على نطاق واسع يُمكن أن تُساعد في الكشف عن العجز البصري المكاني، إلا أن الأطباء في الصين لا يُمكنهم تشخيص إعاقة الرياضيات إلا بناءً على المعايير المنصوص عليها في الكتيبات الصحية، مثل التصنيف الدولي للأمراض الصادر عن منظمة الصحة العالمية والدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية.

Related News
