
في مشهد يعكس احتدام الصراع بين البيت الأبيض ومجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، دخل وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت على خط "معركة الفائدة" بتلميح واضح إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة بحلول سبتمبر/ أيلول المقبل، ما اعتبره مراقبون تعزيزاً لجبهة الرئيس دونالد ترامب في وجه تريث جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي. وبينما يواصل ترامب ضغوطه العلنية لخفض سريع وعميق للفائدة دعماً لخطته الاقتصادية التوسعية، يتمسك باول بسياسة الانتظار والترقب، في ظل شكوك متزايدة بشأن الأثر الفعلي للرسوم الجمركية على التضخم.
وقال بيسنت إنّ مجلس الاحتياط الفيدرالي قد يبدأ بخفض أسعار الفائدة بحلول شهر سبتمبر المقبل، في ظل مؤشرات إلى أنّ الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب لم تكن تضخمية كما خشي البعض. وأوضح، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، مساء أمس الثلاثاء، أنّ "المعيار الذي ينظر إليه البنك الفيدرالي هو ما إذا كانت الرسوم الجمركية قد ساهمت في رفع معدلات التضخم. وإذا خلصوا إلى أنها لم تكن كذلك، فمن المرجح أن يبدأوا خفض الفائدة في وقت أقرب، ولكن بالتأكيد بحلول سبتمبر".
ترامب يضغط لخفض الفائدة
تأتي تصريحات بيسنت في وقت يكثف فيه ترامب ضغوطه العلنية على البنك الفيدرالي لتخفيض أسعار الفائدة من نطاقها الحالي البالغ بين 4.25% و4.50%، في إطار حزمة سياسات اقتصادية تتضمن زيادات في الإنفاق وتحفيزات ضريبية تهدف إلى تعزيز النمو قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. ووافق مجلس الشيوخ، أمس الثلاثاء، على مشروع القانون الضخم لخفض الضرائب والإنفاق، مؤيّداً حزمة لتقليص الضرائب وبرامج شبكة الضمان الاجتماعي وتعزيز الإنفاق العسكري وإنفاذ قوانين الهجرة، ما يضيف 3.3 تريليونات دولار إلى الدين الوطني. ويعزز هذا التوجه التوسعي التوقعات بخفض تدريجي للفائدة لدعم تمويل العجز وتحفيز الطلب المحلي.
ويتجه التشريع الآن إلى مجلس النواب للحصول على الموافقة النهائية المحتملة، حيث عبّر بالفعل عدد قليل من النواب الجمهوريين عن معارضتهم لبعض البنود التي أقرّها مجلس الشيوخ. ويرغب ترامب في التوقيع على التشريع ليصبح قانوناً نافذاً بحلول عطلة عيد الاستقلال في الرابع من يوليو/ تموز. وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون إنه يهدف للوفاء بهذا الموعد.
وبجانب تمديد التخفيضات الضريبية لترامب لعام 2017 وزيادة الإنفاق على الجيش ومهام مكافحة الهجرة، يقلص المشروع أيضاً حوالي 930 مليار دولار من الإنفاق على برنامج الرعاية الصحية "ميدك إيد" والمساعدات الغذائية للأميركيين من ذوي الدخل المنخفض، وإلغاء العديد من حوافز الطاقة الخضراء التي قدمها الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن. ويوسع التشريع، الذي كشف عن انقسام الجمهوريين بشأن ديون البلاد المتنامية بسرعة والبالغة 36.2 تريليون دولار، سقف الدين بمقدار خمسة تريليونات دولار.
ترقب حذر في الأسواق
وتسود الأسواق حالة من الترقب الشديد لتوجهات السياسة النقدية الأميركية، خاصة مع قرب صدور بيانات التوظيف الشهرية، والتي يتوقع أن تؤثر بشكل مباشر على قرارات البنك الفيدرالي في اجتماعه المقبل. ويعكف المستثمرون حالياً على تحليل توازن دقيق بين مؤشرات تباطؤ سوق العمل، وتراجع معدلات التضخم، والتداعيات المحتملة للرسوم الجمركية الجديدة على الواردات.
ويشير محللون إلى أن تصريحات بيسنت، رغم كونها غير ملزمة للفيدرالي الذي يتمتع باستقلالية قانونية، تعكس تغيّراً ملحوظاً في المزاج العام داخل الإدارة الأميركية، والتي باتت تعتبر خفض الفائدة ضرورة ملحّة لدعم الاستقرار المالي في ظل الأعباء الجديدة التي قد تفرضها السياسة التجارية للبيت الأبيض. يتزامن هذا الحديث مع تزايد المخاوف من تباطؤ في النمو الاقتصادي الأميركي، رغم المؤشرات الإيجابية على صعيد توسع نشاط قطاع الخدمات واستمرار الإنفاق الاستهلاكي. ويرى البعض أن تأخر الفيدرالي في الاستجابة لهذه الإشارات قد يؤدي إلى تشديد غير مبرر في الأوضاع المالية، ما يعيد إلى الواجهة سيناريو "الهبوط العنيف" للاقتصاد الأميركي.
وقال ترامب، أمس الثلاثاء، إنه يمتلك خيارين أو ثلاثة من أفضل الخيارات للحلول محلّ باول الذي يواجه هجوماً شرساً من البيت الأبيض، في إشارة واضحة إلى استيائه من أداء باول، الذي اتهمه ترامب هو وأعضاء مجلس الاحتياط الفيدرالي بالفشل في أداء مهامهم، متسبّبين في خسائر تريليونية من تكاليف الفائدة، ودعا إلى خفض أسعار الفائدة إلى 1% أو أقل فوراً. ووصف رئيس البنك المركزي بـ"جيروم المتأخر"، مؤكداً أن البنك الفيدرالي ارتكب أخطاء جسيمة في إدارة ملف الفائدة.
في المقابل، أكد باول خلال اجتماع للبنوك المركزية في البرتغال أنّ البنك الفيدرالي يعتزم "الانتظار ومعرفة المزيد" عن تأثير الرسوم الجمركية على التضخم قبل أن يخفض أسعار الفائدة، معتبراً أن الاقتصاد الأميركي لا يزال قوياً ويحتاج إلى تقييم دقيق للوضع. وتأتي هذه التصريحات في ظل تحديات اقتصادية واضحة، حيث سجل الاقتصاد الأميركي انكماشاً بنسبة 0.5% خلال الربع الأول من 2025، في أول انكماش منذ عام 2022، بينما ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.1% في مايو/ أيار، ما رفع معدل التضخم السنوي إلى 2.4%.

Related News
