بوب فيلان وإبراهيم عيسى
Arab
1 week ago
share

في الأجواء المحفوفة بالتفاؤل المنهمر من تحت قبّعةٍ حمراء لا تغادر رأس ترامب، يقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي مائة فلسطيني في اليوم الواحد داخل قطاع غزّة، ويهدم يومياً عشرة منازل، في الحد الأدنى، ويشرّد أصحابها الفلسطينيين في مدن وبلدات الضفة الغربية، ثم يوفر هذا الجيش الحماية لألف مستوطن صهيوني، على الأقل، لاقتحام المسجد الأقصى والهتاف بالموت للعرب. ويمكنك أن تتخيّل حصيلة عمل هذا الجيش في الأجواء التي يغيب عنها التفاؤل الترامبي بالذهاب إلى صفقةٍ، جوهرها استعادة الأسرى العسكريين الصهاينة من غزّة، وتتفرّع منها عناوين ثانوية أو هامشية عن وقفٍ مؤقتٍ لإطلاق النار، وتعليق عمليات قتل المواطنين الفلسطينيين العُزّل، بالجملة، إذ يتم تجميعهم في نقاطٍ لاستلام بعض أكياس من الطحين وزجاجات المياه، تحت شعار إنساني زائف، يزعم إدخال المساعدات للشعب المحاصر، كما يُقتل هذا الشعب، بالمفرد، عن طريق طائرة مسيّرة تركض خلف طفلةٍ تحمل رغبف خبز، أو شاب أو كهل أو امرأة، في مشاهد يومية بات الجمهور العربي يتابعها من غير مبالاة، كما لو كان يتابع الفقرة المملّة عن حالة الطقس في ذيل نشرة أخبار الساعة الأخيرة من اليوم، وهي المشاهد التي لم يعد يتابعها أو يتوقّف عندها النظام العربي أصلًا.

هذا الجيش المصنف رسميّاً، بنصّ القرارات والمواثيق الدولية جيش احتلال، والمجرم قانوناً بأحكام أعلى المحاكم الدولية، متهماً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأعمال إبادة جماعية، لم يعد اسمه عند جل الفضائيات ووسائل الإعلام العربية "جيش الاحتلال"، بل صار"الجيش الإسرائيلي" في صياغة الأخبار العاجلة وغير العاجلة. ... ربما تبدو هذه الملاحظة في نظر بعضهم نوعاً من التمسّك بشكلياتٍ ومسمّياتٍ لن تغيّر من الواقع شيئاً، فيما يذهب آخرون إلى أنها المهنية والاحترافية، إلى آخر هذه التبريرات الفخيمة، غير أنها بالنسبة لمن ينظرون إلى قضية فلسطين بقلب سليم، وفهم لصيرورة الزمن الماضي، هي أصل الموضوع ومضمون القصّة التي تكدح مجموعاتٌ وحكوماتٌ في محاولة إحراقها والتخلص منها استعداداً لدخول أضخم الحفل التنكّري في التاريخ، الذي يعطيه منظّموه مسمّى الشرق الأوسط الجديد، والذي ينتشر على أطرافه ومداخله باعة جائلون، من مثقفين وإعلاميين وسياسيين من مختلف الأحجام والأعمار، يتكسبون من بضاعة ثقافة السلام والتعايش والانعتاق من قيود الماضي التي عطلت التنمية والنهضة، يتقدّمهم إبراهيم عيسى الذين يبيع لجمهوره التطبيع في لفافات تلفزيونية تحتفي بها إسرائيل بالعربية الفصيحة، وهو يقدّم فاصلاً من الأكروبات، إذ يبدو ممتنّاً لوداعة الاحتلال وعذوبته الممتدّة بطول 264 كيلو متر، هي حدوده مع مصر، ومستنزلاً اللعنات على الفلسطينيين ومقاومتهم في غزّة، إذ يذيقون مصر الويل والأذى عبر حدود القطاع مع مصر بطول 14 كيلو متر فقط.

في وسط هذا المناخ الهستيري من التصهين، يأتي الإنصاف في الرؤية والاستقامة في القياس والحس الإنساني الرفيع في مقاربة الواقع الفلسطيني من أقصى البعيد، من بريطانيا التي أنشأت الكيان الصهيوني، وبالتحديد في بلدة غلاستونبري الصغيرة حين وقف بوبي فيلان، المطرب الشهير في فرقة بوب فيلان، ليهتف على المسرح أمام عشرات آلاف من جمهوره بالحرية لفلسطين والموت لجيش الاحتلال الصهيوني، جيش الإبادة الجماعية والمجازر، وهو ما أثار موجة شديدة السخونة من النقاش والجدل في أنحاء بريطانيا وأوروبا فاقت حرارتها موجة الحر غير المسبوقة التي عاشتها البلاد هذا الأسبوع. وقف فيلان مخاطباً جمهوره بعد هتاف "الموت لجيش الاحتلال" أمام شاشة عرضت عبارة تقول: "الأمم المتحدة تصفه بالإبادة الجماعية، وبي بي سي تسمّيه نزاعاً"، ثم بعد أن هبّت العاصفة وقرّرت الولايات المتحدة معاقبة الفرقة الغنائية بإلغاء تأشيرات الدخول إليها، حيث كان مقرّراً أن تبدأ الفرقة جولتها في الولايات المتحدة في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، علّق الفنان الشجاع على حسابه في "إنستغرام" بعبارة بليغة، وكأنه يرد على المتصهينين العرب الذين يستنكفون وصف العدو بالعدو وتسمية جيش الاحتلال باسمه الحقيقي، إذ كتب "قلت ما قلته لأن تعليم أطفالنا التعبير عن التغيير الذي يريدونه ويحتاجونه هو السبيل الوحيد لجعل هذا العالم مكاناً أفضل. ومع تقدّمنا في العمر وبدء وهجنا في التلاشي تحت وطأة المسؤوليات، من المهم جدّاً أن نُلهم الأجيال القادمة لحمل الشعلة التي وصلت إلينا".

بوبي فيلان، بالانجليزية الفصحى، من فوق مسرح بريطاني، يعطينا درساً في معنى أن تكون عربيّاً وإنساناً ومثقفّاً حقيقيّاً، فيما اختار إبراهيم عيسى وسربه البئيس الغناء لإسرائيل بالعربية من شاشة عربية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows