مجلس النواب الليبي يتجه للتصويت على الاتفاقية البحرية مع تركيا
Arab
7 hours ago
share

كشفت مصادر برلمانية ليبية لـ"العربي الجديد" عن مناقشات تجري في كواليس رئاسة مجلس النواب الليبي بشأن عقد جلسة للمجلس الأسبوع المقبل، لعرض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقّعة بين ليبيا وتركيا عام 2019 على التصويت للمصادقة عليها، في الوقت الذي يستعد فيه وزير الخارجية اليوناني جيورجوس جيرابتريتيس، لإجراء زيارة إلى طرابلس وبنغازي الأسبوع المقبل. وأفادت المصادر البرلمانية بأن رئاسة مجلس النواب الليبي تواجه ضغوطاً مكثفة من الجانب الإيطالي واليوناني والفرنسي لثنيها عن المضي في خطوة المصادقة، مشيرة إلى أن قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تضغط هي الأخرى على رئاسة المجلس لتسريع التصويت وإقرار الاتفاقية.

مجلس النواب الليبي الذي كان قد عارض الاتفاقية التركية الليبية عند توقيعها، أعلن مطلع شهر يونيو/حزيران الماضي بشكل مفاجئ عن تسلّمه طلباً من الحكومة المكلفة منه في بنغازي للمصادقة على الاتفاق، وتجاوباً مع الطلب أعلن تشكيل لجنة فنية لدراسته للنظر في المصادقة عليه. ويبدو أن هذه الخطوة من قِبل مجلس النواب الليبي هي التي أثارت الموقف اليوناني الذي أعلن عن دعوة الشركات الدولية إلى التنقيب عن الغاز جنوب كريت.


زيارة مرتقبة لوزير الخارجية اليوناني الأسبوع المقبل إلى مدينتي طرابلس وبنغازي

خطوة استباقية لجلسة مجلس النواب الليبي

وفي خطوة تبدو استباقية لجلسة مجلس النواب الليبي المحتملة، كشف مصدر مقرب من وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية، لـ"العربي الجديد"، عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية اليوناني الأسبوع المقبل إلى مدينتي طرابلس وبنغازي للقاء مسؤولي حكومتي البلاد، حكومة الوحدة الوطنية وحكومة مجلس النواب. ولفت إلى أن الهدف المعلن لأثينا من زيارة بنغازي هو مناقشة ملفات الهجرة غير النظامية التي اشتكت اليونان أخيراً من تزايد نشاطها عبر نقاط تهريب المهاجرين في مناطق شرق البلاد، لكن الهدف الأساسي للزيارة هو محاولة التأثير المباشر على موقف مجلس النواب بشأن التصويت على الاتفاقية التركية، كما تأمل أثينا في إيصال رسائل تطمين للحكومة في طرابلس بشأن نياتها البدء في التنقيب في مناجم الغاز البحرية جنوب جزيرة كريت.

وتسبّب ما سربته وسائل إعلام يونانية منتصف يونيو الماضي عن عزم اليونان دعوة شركات دولية لمنحها تصاريح استكشاف الهيدروكربونات في مناطق حدودية مائية بحرية جنوب جزيرة كريت متنازع عليها بين ليبيا واليونان، موجة من الرفض الليبي، وأصدرت حكومتا طرابلس وبنغازي بيانَيْ احتجاج رفضاً للخطوة اليونانية. واتهم بيانا الحكومتين اليونان بانتهاك الحقوق السيادية الليبية، مؤكدين أن بعض المناطق المطروحة للاستكشاف تقع ضمن نطاق المناطق البحرية المتنازع عليها بين البلدين.

وشددت وزارة الخارجية في طرابلس، في بيانها مطلع الأسبوع الماضي، على أن "مسار الحوار والتفاوض البنّاء هو الخيار الوحيد للوصول إلى حلول عادلة ومنصفة"، ودعت اليونان إلى "التعامل بمسؤولية مع العلاقات التاريخية". وعقب البيان استدعت الوزارة السفير اليوناني لدى ليبيا نيكولاس غاريليديس، وسلمته مذكرة احتجاج على الخطوة اليونانية. وبالتزامن سلّمت الحكومة في بنغازي مذكرة مماثلة للقنصل العام اليوناني في بنغازي، أغابيوس كالوغنوميس.

جذور التوتر

وتعود جذور التوتر الحالي إلى مذكرة التفاهم البحرية التي وقّعتها حكومة الوفاق الوطني السابقة مع الحكومة التركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لتحديد المناطق الاقتصادية البحرية للبلدين في شرق البحر الأبيض المتوسط، ما أثار موجة ردود فعل رافضة وقتها، خصوصاً في جانب اليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي. وتجدد الجدل في أكتوبر/تشرين الأول 2022 عندما وقّعت حكومة الوحدة الوطنية مع تركيا مذكرة تفاهم جديدة تمنح أنقرة حقوق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية الليبية.

ولم يقتصر الجدل على الموقف الليبي، بل تحوّل بسرعة إلى ساحة صراع دبلوماسي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، ففي بيان له نهاية الأسبوع الماضي جدد الاتحاد رفضه للاتفاق الليبي التركي الموقّع عام 2019، ووصفه بأنه "انتهاك للحقوق السيادية" لليونان وقبرص، وأنه لا يتوافق مع قانون البحار. وردت تركيا عبر المتحدث باسم وزارة خارجيتها، أونجو كيجلي، الذي اعتبر أن البيان الأوروبي تضمّن "استنتاجات" مبنية على "إصرار اليونان والقبارصة اليونانيين على فرض مطالبهم المتطرفة على الاتحاد الأوروبي، التي تتعارض مع القانون الدولي ومبدأ الإنصاف"، مؤكداً أن الاتفاق التركي مع ليبيا "متوافق تماماً مع القانون الدولي". بل اتهم المسؤول التركي الجانب الأوروبي بـ"التحيز" في موقفه "لأسباب سياسية"، وأنه موقف "لا يخدم السلام والاستقرار الإقليميين".


خليفة الدغازي: مجلس النواب متمسك بحقوق ليبيا المشروعة في حدودها الاقتصادية البحرية والبحث عن مصالحها


وأوضح عضو مجلس النواب الليبي خليفة الدغازي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المجلس لم يحدد حتى الآن جلسة للتصويت أو النظر في الاتفاق الليبي التركي، مشيراً إلى أن الأمر لا يزال موضع دراسة فنية. وانتقد الدغاري موقف أثينا، معتبراً أنه تصعيد استفزازي لا يتوافق مع تصريحات مسؤوليها التي تدعو دوماً إلى ضرورة الحوار حول قضية الحدود البحرية المشتركة. وشدد على تمسك مجلس النواب بحقوق ليبيا المشروعة في حدودها الاقتصادية البحرية والبحث عن مصالحها.

من جهته، ذكّر أستاذ العلوم السياسية الليبي حسن عبد المولى، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن النزاع الليبي اليوناني على الحدود البحرية حول جزيرة كريت يعود إلى عقود مضت، ففي العام 2004 جرت مفاوضات بين البلدين لترسيم الحدود لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة، لافتاً إلى أن اليونان هي من أثارت القضية مجدداً بإعلانها المتكرر عن رغبتها في التنقيب في المنطقة المتنازع عليها جنوب وجنوب غربي كريت.

تنافس على احتياطيات الغاز

وأوضح عبد المولى أن أزمة الحدود البحرية الليبية على علاقة بالتوتر الجيوسياسي في منطقة شرق البحر المتوسط، حيث تتنافس دول المنطقة، وتحديداً مصر وقبرص وتركيا واليونان ولبنان، على احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي والنفط، مشيراً إلى أن توقيع تركيا للاتفاق مع ليبيا عام 2029 جاء في هذا السياق محدثاً تغييراً كبيراً في المعادلة، حيث رسم الاتفاق الحدود البحرية بين البلدين ما جعله هدفاً دائماً للرفض الأوروبي. وخلص إلى أن الخطوات اليونانية "مجرد تصعيد لن يترتب عليه أي حسم للأمر بدون تفاهمات إقليمية واضحة".

وتحتفظ حكومة طرابلس، المعترف بها دولياً، بعلاقات قوية مع تركيا، وفي الجانب الآخر بدأت سلطة حفتر في شرق البلاد، عبر حلفائها في مجلس النواب والحكومة المكلفة منه، في التجاوب مع الانفتاح الذي أبدته تركيا تجاهها، فزار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تركيا في ديسمبر/كانون الأول 2023، كما استقبلت الحكومة في بنغازي السفير التركي لدى ليبيا عدة مرات، ووقّعت مع الجانب التركي عقوداً ضخمة في مجال الإعمار والبناء.

وقال أستاذ العلاقات الدولية الليبي جبريل الهمالي، لـ"العربي الجديد"، إن حكومة بنغازي وجدت في التصعيد اليوناني فرصة لتعزيز مكانتها التفاوضية مع تركيا. ولفت إلى أن مصادقة مجلس النواب على الاتفاقية البحرية "ستكون ورقة ضغط قوية مع أنقرة، وستمنح حفتر نفوذاً أكبر في ملف الطاقة والعلاقات الخارجية، والأهم هو منافسة نفوذ حكومة الوحدة الوطنية في علاقاتها مع تركيا، خصوصاً إذا نجح حفتر في تطوير علاقاته مع أنقرة إلى حد توقيع اتفاقات عسكرية يكون لها أثر كبير في تعزيز موقعه في المجال الإقليمي وتصدره بصفته شخصية هامة في موقع أي عملية تفاوض في المنطقة".

وشرح الهمالي أن قرار مجلس النواب المصادقة على الاتفاق يتأثر بعوامل داخلية، منها قدرة مجلس النواب على التماسك في ظل التنافس غير المعلن بين رئيسه عقيلة صالح وحفتر، وكذلك شرعية مجلس النواب المتآكلة ستسهل الطعن في أي قرار يصدر عنه، وعوامل أخرى تتصل بفواعل دولية في الملف الليبي، وأهمها موسكو وواشنطن ولندن والقاهرة، التي لن تقف موقف المتفرج وسيكون لأدواتها تأثير مباشر وستعرقل أي خطوة في اتجاه شرعنة الاتفاق التركي من قِبل الجانب الليبي بشكل رسمي.

وأعرب الهمالي عن تخوفه من تحوّل ليبيا إلى ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية بين تركيا واليونان والاتحاد الأوروبي، مضيفاً "مصادقة مجلس النواب على الاتفاقية تفيد ليبيا بشكل كبير في الحفاظ على حدودها وستجلب منافع اقتصادية كبيرة، لكنها ستثير الموقف الأوروبي الذي ربما يترتب عليه عقوبات اقتصادية". ولفت إلى أن الانقسام الليبي نقطة ضعف كبيرة بالنسبة لتركيا التي تحاول تعزيز العلاقة مع الحكومتين اللتين تسعيان بدورهما لتوظيف الضعف التركي لحشد مكاسب متضاربة في خضم صراعهما.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows