فاجعة المنوفية... المصريون غاضبون والوزير فوق المساءلة
Arab
3 hours ago
share

بعد بضع ساعات على فاجعة مصرع 18 فتاة على الطريق الدائري الإقليمي الذي يربط المحافظات المحيطة بالعاصمة المصرية القاهرة، وقع حادث سير آخر، راح ضحيته خمسة شبان آخرين، في استمرار لمسلسل حوادث السير المتواصل، ما فجّر موجة من الغضب الشعبي حول الحوادث الدامية المتكررة على الطرق المصرية.
وقع الحادث الأول صباح الجمعة، عندما اصطدمت شاحنة نقل تسير عكس الاتجاه بحافلة ركاب تقلّ فتيات عاملات مياومات في طريق عودتهن من "مدينة السادات"، في ظل غياب كامل لأي من أنواع الرقابة المرورية، مع سوء تخطيط واضح للطريق المهم الذي تعمل إحدى حاراته فقط منذ أكثر من عام بسبب تكرار انهيار طبقات الأسفلت. أما الحادث الثاني، فوقع بعد يوم واحد، حين اصطدمت سيارة "ميكروباص" بسيارة نقل ثقيل جنوبي القاهرة، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب.
ورغم فداحة المأساة، تأخر وزير النقل المصري، كامل الوزير، في التعليق على الحادثين، قبل أن يظهر بتصريحات يتبرأ فيها من المسؤولية، قائلاً إن "الطريق تحت التطوير، والحادث خطأ فردي"، مدعياً أن الطريق الذي كان مسؤولاً مباشراً عن تنفيذه، وجرى افتتاحه في عام 2018، بحاجة إلى تجديد دوري كل ثماني سنوات نتيجة بنائه على أراض زراعية.


وتسبب غياب البيانات الرسمية عقب الحادث في موجة غضب، دفعت مراسلي الصحف بمحافظة المنوفية إلى إصدار بيان فريد من نوعه، محملين فيه الوزارة وإدارة المرور والمحافظة المسؤولية، ومطالبين بتحقيق شامل.
لاحقاً، قال الوزير خلال زيارة ميدانية: "لو التزم السائقون بآداب المرور، لما وقعت هذه الحوادث".
المفارقة، أن حادثاً جديداً وقع على الطريق الإقليمي خلال مرور الوزير عليه في طريقه إلى مكان حادث المنوفية، إذ وثقت الكاميرات انقلاب سيارة نقل ركاب تابعة لوزارة الداخلية، ما جعل كثيرين يشيرون إلى الحادث باعتباره دليلاً إضافياً على عدم صدق الوزير في اعتباره أن المخدرات تسببت في حادث المنوفية، فكيف سيتهم سائق وزارة الداخلية بالقيادة تحت تأثير المخدرات؟ مؤكدين أن الأزمة الحقيقية هي عدم صلاحية الطريق.

وفوجئت الحكومة بردات فعل غاضبة غير معتادة من أعضاء مجلس النواب الذين طالبوا بمحاسبة وزير النقل، والذي تولى المنصب في عام 2019، بعدما كان مشرفاً على مشروعات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ومن أبرزها الطريق الإقليمي، والذي كلف نحو 8 مليارات دولار، وعلى مدار ست سنوات من توليه الوزارة، شهدت مصر أكثر من 500 حادث على الطرق، من بينها حوادث سكك حديدية، من دون أي مساءلة من أي نوع.
وحاول نواب كسر جدار الصمت، فطالب النائب أحمد بلال بمحاسبة الحكومة، مؤكداً أن الاكتفاء بالتعويضات إهانة للضحايا، فيما قال النائب عبد المنعم إمام إن الطريق الإقليمي بات "طريقاً إلى الآخرة"، رغم الرسوم المرتفعة التي تُجبى من بواباته. أما النائب ضياء الدين داوود، فاتهم الوزير بإهدار المال العام، مؤكداً أن الطرق تحوّلت إلى "باب للسرقة". واقترح النائب أيمن معاذ إغلاق الطريق الإقليمي مؤقتاً إلى حين إنهاء أعمال الإصلاح، مؤكداً أنه يشهد ما لا يقل عن عشرة حوادث يومياً.


في المقابل، اكتفى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بالدعوة إلى الإسراع في إنهاء أعمال الصيانة، وتطبيق إجراءات كشف تعاطي المخدرات على السائقين، موجهاً بإعفاء أسر الضحايا من المصروفات الدراسية، وصرف معاشات استثنائية، كما كلف بتسمية شوارع ومبانٍ بأسماء الضحايا، في خطوة اعتبرها البعض رمزية، ولا تُغني عن المحاسبة.
وينص الدستور المصري على مسؤولية رئيس الجمهورية والحكومة عن سلامة المواطنين (المادتان 139 و156)، لكن الواقع يُظهر غياب أدوات المساءلة، سواء عبر البرلمان أو القضاء، في ظل تغوّل السلطة التنفيذية، وحماية رموزها من أي نقد أو استجواب. ويعجز البرلمان عملياً عن مساءلة مسؤولين كبار، مثل مدير جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، رغم ارتباط أجهزتهم بتنفيذ معظم مشروعات الطرق.


وفي ما يخص تكرار المسؤولين الحكوميين التهديد بكشف تعاطي المخدرات، يواجه الأمر معضلة قانونية، إذ أصدرت محكمة النقض، أعلى جهة قضائية في مصر، في عام 2022، حكماً ببطلان توقيف السائقين، وأخذ عينات البول منهم لتحليلها لمجرد الاشتباه في تعاطيهم المخدرات، وألزمت الجهات الأمنية بضوابط عدة، من بينها توفر شروط حالة التلبس، أو صدور إذن قضائي.
وبينما تتكرر الحوادث الدامية، تصاعد الغضب بعد حادث المنوفية الذي راحت ضحيته فتيات عاملات من قرية مهمشة، لا يتجاوز أجرهن اليومي 3 دولارات. فيما يتوقع كثيرون أن يهدأ السجال خلال أيام، على غرار حوادث سابقة، من أبرزها غرق 17 فتاة في حادث "معدية نيلية" في مايو/ أيار 2024.
وتتهم قوى سياسية وشخصيات معارضة كامل الوزير بإهدار المال العام عبر مشروعات لا تخضع لمناقصات قانونية، وتُسند بـ"الأمر المباشر" إلى شركات تابعة للمؤسسة العسكرية، من دون رقابة من البرلمان أو الجهاز المركزي للمحاسبات، ما يجعل محاسبته سياسياً أو جنائياً أمراً شبه مستحيل.

يقول قيادي في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "كامل الوزير هو المسؤول الأول عن مقتل فتيات المنوفية، وهو يتحمل المسؤولية السياسية والقانونية عن تكرار حوادث الطرق، إذ شهدت البلاد خلال توليه منصبه مئات من حوادث السير التي راح ضحيتها المئات من المصريين البسطاء. يعتقد أن الوزير محصن ضد الإقالة نظراً لصلته الوثيقة بالرئيس، والذي رفعه إلى منصب نائب رئيس وزراء، في خطوة اعتُبرت تمهيداً لتوليه رئاسة الحكومة عقب الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".
ومنذ تولي كامل الوزير منصب وزير للنقل، شهدت مصر العديد من الكوارث المرورية، فضلاً عن وقائع متعددة ظهر فيها عدم صلاحية طرق وجسور جديدة، أحيانا بعد أشهر من فتحها أمام حركة السير. وأعادت فاجعة المنوفية إلى الواجهة تفاصيل كوارث مشابهة، من بينها احتراق 49 شخصاً في حادث اقتحام قطار "منفلت" محطة السكك الحديدية المركزية في وسط القاهرة "محطة مصر"، في عام 2020، وسقوط قطار في ترعة بالجيزة، وعشرات من حوادث التصادم بين القطارات والسيارات، كما ذكرت المصريين بحادث تصادم قطارين في منطقة العياط جنوب القاهرة في عام 2009، وحادث "قطار الصعيد" في عام 2002، والذي أودى بحياة أكثر من 360 شخصاً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows