33 عاما على اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف.. روايات لم تقنع أحدا
Arab
1 week ago
share

"باش فاتونا (بماذا سبقونا)، فاتونا بالعلم"، ما هو ثابت أن تلك العبارة كانت آخر الكلمات التي قالها رئيس الدولة الجزائرية محمد بوضياف على منصة قاعة دار الثقافة بعنابة شرقي الجزائر. غير ذلك لا أحد يملك الحقيقة حول الدوافع التي جعلت عنصراً من فريق الحراسة الخاصة والمتقدمة، الملازم مبارك بومعرافي، يطلق الرصاص عليه من وراء الستار. منذ ذلك اليوم، 29 يونيو/ حزيران 1992، والجزائر تغرق في دوامة العنف والإرهاب، في أعقاب توقيف المسار الانتخابي من الجيش في يناير/ كانون الثاني 1992.

كان عنصر الحراسة من فرقة التدخل الخاص بومعرافي قد اتخذ موقعه خلف الستار، وراء المنصة التي كان يجلس عليها الرئيس بوضياف، رمى بومعرافي بقنبلة يدوية تدحرجت فوق سطح المنصة الخشبية من وراء الحجاب إلى غاية المنصة الخشبية الرسمية، قبل أن يطلق زخات من الرصاص على الرئيس بوضياف ويرديه قتيلاً؛ وسط دهشة الحضور.

كان على المنصة مع الرئيس، رئيس غرفة التّجارة والصّناعة ومحافظ ولاية عنابة، ولوحظ حينها أن الرئيس بوضياف كان في زيارة رئاسية إلى معرض خاص بالشباب والمبادرات الشبابية، غير أنه لم يكن مرفوقاً بوزراء من الحكومة سوى وزير المجاهدين (قدماء محاربي ثورة التحرير). يأخذ من يشكّكون في الرواية الرسمية لحادثة الاغتيال، هذا الأمر على أساس أنه من بين مؤشرات وجود مؤامرة للاغتيال، رغم أن الفاعل بومعرافي، ظل يقرّ في جلسة المحاكمة، أنه الوحيد المسؤول عن العملية، وأنه قام بذلك بدافع شخصي، بينما راجت في تلك الفترة مزاعم بأنه كانت لبومعرافي دوافع ذات صلة بميوله إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحظورة)، بناء على رسالة بخط يده، لكن لم يثبت جدياً.

بومعرافي، ظل يقرّ في جلسة المحاكمة، أنه الوحيد المسؤول عن العملية

كان محمد بوضياف، وهو كبير مجموعة 22 ومجموعة الـ6 التي قرّرت تفجير ثورة الجزائر، قد عاد في 26 يناير 1992، من المنفى في المغرب، بعد 29 عاماً من مغادرته البلاد عام 1963 في أعقاب خلافات حول السلطة مع الرئيس السابق أحمد بن بلة مباشرة عقب استقلال الجزائر، إذ استقر في فرنسا وأسس حزباً معارضاً للنظام باسم حزب الثورة الاشتراكية، ثم انتقل إلى المغرب حيث أقام مشروعاً لمصنع الآجر، اقترحته قيادة الجيش لإدارة شؤون البلاد في أعقاب استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في 12 يناير 1992.

وفي ظل فراغ دستوري، اهتدت قيادة الجيش إلى تشكيل مجلس أعلى للدولة يضمّ خمس شخصيات تعهد رئاسته إلى بوضياف، الذي قبل بذلك وعاد لتسلم المسؤولية، دون أن تكون لديه فكرة واضحة عن الأوضاع وطبيعة النظام السياسي وتوزع مراكز القوة والنفوذ في الجزائر.

هلّلت الجماعات المسلحة والمتشدّدة لحادث الاغتيال، بينما عمّت الصدمة البلاد وهجمت جموع الجزائريين على مقرّ الرئاسة يوم تأبين بوضياف ولم تستطع قوى الأمن التحكم في الوضع، وأقيمت جنازة شعبية ورسمية كبيرة للرجل الذي مثل في بعض خطاباته وفي الفترة القصيرة التي تسلم فيها منصب رئاسة الدولة، أملاً للشباب وللجزائريين في الخروج من نفق كان يبدو في بداياته في تلك الفترة.

 بعد اغتيال بوضياف جرى إنشاء لجنة وطنية للتحقيق، ترأسها أحد الأصدقاء المقربين من الرئيس بوضياف، أحمد بوشعيب وهو عضو مجموعة 22 التاريخية التي فجرت ثورة الجزائر، وعضوية صديق بوضياف علال الثعالبي، والحقوقي يوسف فتح الله الذي اغتيل عاماً بعد ذلك، (تربط بعض التقارير بين اغتياله ورفضه التوقيع على تقرير لجنة التحقيق لوجود ثغرات في كشف الحقائق) والحقوقي مبروك بلحسين محمد فرحات، وكمال رزاق بارة؛ الذي سيصبح لاحقاً رئيساً للمرصد الحكومي لحقوق الإنسان والناطق الرسمي باسم لجنة التحقيق.

نص مرسوم إنشاء اللجنة الذي صدر في الرابع من يوليو/ تموز 1992، على أنها تتمتع بسلطة أن "تقوم بسماع كل ما تراه مفيداً للتحقيق، وتطلع على كل المعلومات أو الوثائق مهما كان حائزها ومهما كانت طبيعتها، وتطلب كل تدبير تحفظي يفيدها في إتمام مهمتها، وأنه لا يمكن، بأي حال من الأحوال عرقلة مهمة اللجنة، بما في ذلك التذرّع بالسرية، مهما كانت طبيعة المعلومات أو الوثائق المطلوبة أو نوعيتها وأهميتها.

وجاء في المرسوم، أنه "لا يمكن أن يعترض على اللجنة بأي اعتراض مستمد من علاقة تبعية أو من صلة وصاية أو تسلسل سلمي، وأنه يمكن لرئيس اللجنة، أن يلجأ إلى القوة العمومية، التي يجب عليها أن تقدم له المساعدة والعون، تبعاً لما يتطلبه التحقيق، على أن تقدم اللجنة كتابياً، في ظرف عشرين يوماً ابتداء من تاريخ تنصيبها، النتائج الأولية للسلطة القضائية المكلفة بالقضية، والمجلس الأعلى للدولة".

بعد حادثة الاغتيال، جرت محاكمة بومعرافي الذي كان قد رفض أن ينوبه محامون. لم يبدِ بومعرافي تعاوناً مع المحكمة، واكتفى بترديد مقدمة دينية في أول مداخلة له، إلى غاية جلسة في الثالث يونيو 1995، ثلاث سنوات بعد الحادث، أدين بومعرافي بحكم الإعدام، لكن هذا الحكم لم ينفذ، لكون الجزائر كانت قد علقت منذ عام 1993، تنفيذ أحكام الإعدام. وكان لافتاً أنه جرت محاكمته من القضاء المدني، برغم أنه عسكري وكان يفترض أن يحاكم من القضاء العسكري. ويُعتقد أن السلطة التي كانت تواجه ضغوطاً وشكوكاً مكثفة بشأن حادث الاغتيال، فضلت أن يحاكم مدنياً بما يتيح للصحافة والجميع متابعة المحاكمة، لتعزيز موقفها الذي ينفي وجود مؤامرة مدبرة في الاغتيال.

وبدت عائلة الرئيس محمد بوضياف، زوجته ونجله ناصر بوضياف خاصة، كما كثير من الجزائريين غير مقتنعين تماماً بالرواية الرسمية التي طرحتها السلطة، والتي تحيل إلى فعل منعزل لبومعرافي في اغتيال الرئيس محمد بوضياف، وتبني هذا الرفض على استنتاجات وإقرارات لضباط في الجيش والمخابرات فارين إلى الخارج، يطرحون رواية تحيل إلى وجود تدبير مسبق لاغتيال الرئيس بوضياف، والذي كان قد بدأ في توجيه انتقادات حادة لما وصفها بالمافيات المالية والفساد في السلطة. وأمس الأحد في الذكرى 33 لاغتيال والده، كتب ناصر بوضياف "33 عاماً بلا عدالة، الحقيقة لا تزال مُمزقة. لكن ذكراه لا تزال مُشتعلة".

وسمحت فترة الحراك الشعبي بعد عام 2019، لناصر بوضياف، مطالبة العدالة الجزائرية بتمكين عائلة الرئيس من حقّها في إعادة فتح ملف حادثة الاغتيال لوالده، ونشر سلسلة رسائل في هذا الصدد، معتبراً أنه "لا يمكن أن يكون عملاً منعزلاً، وأنه مرتبط بإدانة الرئيس بوضياف من مكانته العالية، للمافيا السياسية المالية".

مثل كل حوادث اغتيال الشخصيات رفيعة المستوى، تظل كل الحقائق نسبية إلى حين ظهور ما يعزّز رواية أو ما ينسف أخرى، حتى الآن، لا الرواية الرسمية لحادث اغتيال الرئيس محمد بوضياف أقنعت أحداً، ولا خصوم هذه الرواية تمكّنوا من تقديم ما يثبت طروحاتهم، بينهما تبقى الحقيقة عالقة على حبل الزمن والمستقبل.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows