
تتنامى التوجهات المحافظة في جورجيا وقد ودعا البطريرك شيو موجيري أخيراً إلى فرض قيود تشريعية على الإجهاض، الأمر الذي أيدّه كثيرون يعتبرون أنّ الإجهاض انعكس سلباً على ديمغرافيا البلاد، في حين التزمت القيادة السياسية التزمت الحذر.
تعالت في جورجيا خلال الأسابيع الأخيرة أصوات طالبت بفرض قيود تشريعية على الإجهاض، وأيدت دعوة مماثلة وجهها بطريرك عموم البلاد شيو موجيري في وقت سابق من مايو/ أيار الماضي. ورغم أن حزب "الحلم الجورجي" الحاكم لم يدعم المبادرة في شكل صريح، لكنه أكد مواصلة الدفاع عن القيم التقليدية والمصالح الوطنية الجورجية، وشكر البطريرك موجيري على مبادرته.
رأى البطريرك في كلمة وجهها إلى المشاركين في مسيرة نظِمت بمناسبة يوم قدسية الأسرة أنه "يجب الانتقال إلى تبني قوانين منظمة ومشددة لهذه المسألة"، مستشهداً في ذلك بأن بعض بلدان الاتحاد الأوروبي وعشر ولايات أميركية تفرض قيوداً على الإجهاض. واعتبر أن تراجع عدد سكان جورجيا من أكثر من 5 ملايين نسمة في تسعينيات القرن الماضي إلى 3.7 ملايين فقط حالياً نتيجة مباشرة للإجهاض.
من جهته، يُقرّ مدير مركز الدراسات الإسلامية في القوقاز، شوتا أبخايدزه، بأن انتشار ظاهرة الإجهاض ساهم في تدهور الوضع الديمغرافي في جورجيا، ويشدد على "ضرورة تعزيز القيم المحافظة، والحدّ من تسلل مظاهر العولمة، مثل العزوف عن الإنجاب والنسوية والمثلية الجنسية إلى المجتمع الجورجي التقليدي بطبيعته". ويقول لـ"العربي الجديد": "قضية الإجهاض ملحة للغاية في المجتمع الجورجي اليوم بسبب مجموعة عوامل أدت إلى تدهور الوضع الديمغرافي، وفي مقدمها حركة هجرة الشباب إلى أوروبا والولايات المتحدة وارتفاع معدلات الوفيات. وبلغ عدد سكان جورجيا عام 1991 حين تفكك الاتحاد السوفييتي نحو 5.5 ملايين، واليوم لا يتخطى عدد المواطنين المقيمين في الداخل 2.5 مليون نصفهم فقط جورجيون عرقياً".
ويلفت أبخايدزه إلى أن حركة الهجرة الوافدة إلى جورجيا تفاقم القضية، ويضيف: "هناك مهاجرون قادمون من بلدان الشرق الأوسط بعضهم غير شرعيين يتبنون توجهات راديكالية، وآخرون من إيران وأفغانستان والهند وباكستان وأفريقيا. ويحصل كثير منهم على سمات الإقامة وحتى الجنسية الجورجية، ووصل عدد المجنسين إلى نحو 600 ألف يزدادون عاماً بعد عام، ما يهدد الهوية الوطنية الجورجية".
ويجزم أبخايدزه بأن "حظر الإجهاض يلبي احتياجات الوضع الراهن، وهو يتناسب مع الرؤية التقليدية المحافظة للجورجيين الذين بات عرقهم يواجه خطر الانقراض في ظل تدهور الوضع الديمغرافي يوماً بعد يوم بتأثير السياسات الليبرالية وحظر الدين بالمدارس، واعتماد الطابع العلماني في التعليم المدرسي والجامعي، وارتفاع معدلات الطلاق وانتهاء غالبية حالات الزواج بالانفصال، وإقبال الشباب على الأيديولوجيات الهدامة مثل النسوية وعدم الإنجاب وحتى المثلية الجنسية". لكنه يستدرك أيضاً بأن الدفع بقضية الإجهاض إلى الواجهة لا يخلو من دوافع سياسية، ويقول: "حزب الحلم الجورجي ليس محافظاً لكنه يستثمر هذه الورقة لدعم مواقفه السياسية لإدراكه بأن المجتمع الجورجي له طابع مسيحي أرثوذكسي، لذا يسعى إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، أي إرضاء الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية، وخدمة البلاد وشعبها أيضاً كي لا يسيرا على خطى أوروبا، وقد أصبحت الجاليات المسلمة أكثر إنجاباً مقارنة بالسكان الأصليين".
في موسكو، يعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، الأستاذ في الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، كامران غسانوف، أن توجه "الحلم الجورجي" نحو دعم القيم المحافظة يأتي باعتباره مرآة للسياسة الخارجية الجورجية في ظل توجه تبليسي نحو تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا مقابل الفتور في العلاقات مع أوروبا. ويقول غسانوف لـ"العربي الجديد": "تقدم حزب الحلم الجورجي في السنوات الأخيرة بمجموعة مبادرات تعارضت تماماً مع مفهوم الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي، ومن بينها قانون العملاء للخارج، وحظر الترويج للمثلية الجنسية، والدفاع عن القيم الدينية والمحافظة التي تحظى بإقبال في المجتمع الجورجي، والواقع أن شعبية البطريرك تفوق شعبية سياسيين معروفين ووزراء في أحيان كثيرة".
وفي شأن تأثير علاقات تبليسي الخارجية على التوجه المحافظ، يقول غسانوف: "بعدما فازت في الانتخابات التشريعية الأخيرة وتجاوزت خطر توسع رقعة الاحتجاجات نهاية العام الماضي، تشعر السلطات الجورجية بقدر أكبر من الثقة والاستقلال عن الاتحاد الأوروبي على ضوء انتماء الرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب، إلى فريق المحافظين. يضاف إلى ذلك توجه جورجيا في السنوات الأخيرة نحو تطوير العلاقات مع روسيا التي تتمسك بدورها بالقيم المحافظة على غرار شركاء آخرين لتبليسي مثل تركيا والصين وأذربيجان".
رغم ذلك، يقرّ غسانوف الذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، بأن "تنامي التوجهات المحافظة سيعرقل تكامل جورجيا مع الاتحاد الأوروبي، ويزيد مخاطر وقوع (ثورة مخملية) جديدة، حتى إذا كان تحقيقها صعباً بلا دعم أميركي"، ويخلص إلى أن "تعزيز القيم المحافظة يتناسب مع السياستين الداخلية والخارجية لجورجيا".
وكان رئيس الوزراء الجورجي إراكلي كوباخيدزه أكد في إبريل/ نيسان الماضي، أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يبقى أهم أولويات بلاده، لكنه شدد على أهمية الحفاظ على "علاقات طبيعية" مع مختلف الدول، من بينها روسيا التي تواصل تبليسي الشراكة الاقتصادية معها مع انتهاج السلطات الحالية نهجاً براغماتياً في العلاقات مع موسكو مع استبعاد تداعيات حرب الأيام الخمسة في إقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي عام 2008.ونالت جورجيا نهاية عام 2023 صفة دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، لكنها علّقت بدء مفاوضات الانضمام حتى عام 2028 بقرار اتخذه حزب "الحلم الجورجي" الحاكم الذي يطبق سياسة تطبيع العلاقات مع موسكو. وأثار القرار موجة احتجاجات تخللتها دعوات إلى التكامل مع أوروبا.

Related News

