نزوح في كردفان... سودانيون عالقون وسط الحرب والجوع والكوليرا
Arab
6 hours ago
share

منذ أكثر من عامَين، تتواصل الحرب في السودان متسبّبةً في واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم. وأخيراً، يعيش النازحون في إقليم كردفان فصلاً جديداً من المأساة الإنسانية غير المسبوقة والتي لا حدود لها، بحسب وصف الأمم المتحدة.

وجد سكان مدن عدّة في إقليم كردفان، الذي يفصل شرق السودان عن غربه، أنفسهم مضطرين إلى النزوح جماعياً، بعضهم سيراً على الأقدام نحو مدينة الأبيض، العاصمة التاريخية للإقليم. وكانت وتيرة المعارك قد ارتفعت في الفترة الممتدّة ما بين مطلع مايو/ أيار الماضي ومنتصف يونيو/ حزيران الجاري، ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حول عدد من مدن إقليم كردفان، من بينها النهود والخوي وبابنوسة وأبوزبد والدبيبات وبارا والحمادي وكازقيل، علماً أنّ القتال أرعب كذلك سكان القرى، الأمر الذي أدّى إلى موجة نزوح لم يشهدها الإقليم منذ بداية حرب السودان في منتصف إبريل/ نيسان من عام 2023.

وواجهت مئات العائلات السودانية التي نزحت من مناطق القتال في إقليم كردفان المقسّم في ثلاث ولايات (شمال كردفان وجنوب كردفان وغرب كرفان) نحو مدينة الأبيض صعوبات كبيرة في الطريق، إذ اضطر أفرادها إلى التنقّل على أرجلهم لأكثر من عشرة أيام، تعرّضوا خلالها إلى عمليات تنكيل واسعة، فيما نُهبت ممتلكاتهم، وجُرّد عدد منهم حتى من الثياب التي كانت تغطّي أجسادهم. ولم يجد هؤلاء مجالاً غير النزوح سيراً على أقدامهم، لعدم توفّر وسائل نقل عامة، ونظراً إلى قلّة المركبات الخاصة، بعد أن استولى عليها عناصر أفراد قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب. وهكذا ساروا مُجبرين بمختلف فئاتهم، نساء ورجالاً، صغاراً وكباراً، على مدى أيام من أجل النجاة من الانتهاكات التي يرتكبها الطرفان المتورّطان في الحرب.

إبراهيم مبروك واحد من هؤلاء السودانيين النازحين قسراً في إقليم كردفان السوداني، وقد تطلّبت عملية نزوحه مع ثمانية أفراد من عائلته 13 يوماً، من أجل قطع المسافة بين مدينة الدبيبات ومدينة الأبيض. ويحكي مبروك تفاصيل رحلة عائلته الشاقة سيراً على الأقدام لـ"العربي الجديد": "عندما تمكّن الجيش السوداني في 23 مايو الماضي من طرد قوات الدعم السريع من الدبيبات، ظننّا أنّ الأمور سُوّيت بصورة نهائية. لكن بعد ثلاثة أيام فقط، عادت القوات مجدّداً، واستردّت المدينة من الجيش الذي سحب جنوده إلى مشارف مدينة الأبيض التي تبعد حوالي 100 كيلومتر من الدبيبات". يضيف أنّ "عناصر الدعم السريع راحوا يرتكبون الفظائع بحقّ المدنيين، ولم يفرّقوا ما بين امرأة ورجل ومتقدّم في السنّ. راحوا يقتلون الناس، وينهبون الممتلكات، لذا حاول السكان النزوح جماعياً من المدينة، ولأنّ وسائل النقل معدومة، مشينا على أرجلنا لمدّة 13 يوماً حتى تمكّننا من الوصول إلى الأبيض"، مشيراً إلى أنها تحتاج في العادة إلى ساعتَين فقط بواسطة المركبات".

وعن الانتهاكات التي تعرّضت لها عائلته خلال نزوحها من مناطق القتال، يقول مبروك: "ضُربنا بالسياط، ونُهبت ممتلكاتنا وأموالنا. وكان المقاتلون، عند رؤيتهم شخصاً يرتدي ملابس جديدة أو بحالة جيدة، يعرّونه ويستولون عليها، من دون التفريق في ذلك ما بين النساء أو الرجال".

وما ينقله مبروك لا يندرج في إطار الحوادث المعزولة، فكثيرون هم المدنيون السودانيون الذين وجدوا أنفسهم في مواقف مماثلة في خضمّ الحرب التي انتقلت من ولايات السودان الشرقية إلى الوسط، لتدور في مناطق كانت تُعَدّ أكثر أماناً خلال العامَين الماضيَين، علماً أنّها مدن صغيرة وقرى يعتمد سكانها على الرعي والزراعة المطرية.

واستقرّت عائلة مبروك في مركز إيواء مؤقّت بمدينة الأبيض، تماماً كما هي حال 315 عائلة أخرى نزحت من مدن عدّة، من بينها النهود والأُضية ولقاوة والفولة وبابنوسة والخوي. ويصف الوضع في مركز الإيواء بـ"الجحيم"، ويشرح: "نحصل على مياه الشرب بشقّ الأنفس، فيما المواد الغذائية التي توزَّع على النازحين لا تكفي نصفهم. وبسبب قلّة دورات المياه، وهي أربع فقط مشتركة بين النساء والرجال، يقضي النازحون حاجتهم في الخلاء، ما يهدّد بكارثة صحية خطرة، في ظل انتشار الكوليرا بالمدينة".

في مركز إيواء آخر بمدينة الأبيض، تعيش 85 عائلة ظروفاً إنسانية بائسة بعد وصول أفرادها إلى المدينة، وقد نزحوا من مدينة النهود التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في مطلع مايو الماضي. وفي هذا الإطار يخبر محمد السماني، أحد النازحين الذين لجأوا إلى مركز الإيواء المؤقت هذا، "العربي الجديد" أنّ "المكان الذي نقيم فيه يقع في محيط عمارة غير مكتملة، يفتقر إلى كلّ المتطلبات الضرورية لعيش الإنسان". ويشير السماني إلى أنّ "النازحين يضطرون إلى افتراش الأرض ليلاً لعدم توفّر أسرّة وأغطية، وفي النهار يستظلون بالأشجار، ويستخدمون ثلاث دورات مياه يتشاركها الرجال والنساء، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى قضاء حاجته في الخلاء".

يضيف السماني أنّ "النازحين يواجهون صعوبة في الحصول على مياه الشرب، لأنّ المدينة نفسها تعاني من أزمة عطش تاريخية، ضاعفتها الحرب التي أتت لتؤثّر بالخدمات التي تُقدَّم للمواطنين". ويتابع: "أمّا الطعام فيقدَّم عبر التكايا الخيرية، لكنّه غير كافٍ لكلّ النازحين الذين تتزايد أعدادهم يومياً وسط المعارك المستمرّة بين الطرفَين". وحتى بعد مرور شهرَين على احتدام المعارك في إقليم كردفان لم يتيسّر حصر النازحين بين القرى والمدن، لسرعة تبادل المواقع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وفي 25 يونيو الجاري، تسبّب هجوم لقوة تابعة لـ"الدعم السريع" على قريتَي لمينا والحقونا، الواقعتَين إلى جنوب مدينة الأبيض، في مقتل 21 مدنياً، ونزوح السكان الذين وصل بعضهم إلى الأبيض، فيما يبقى مصير عدد آخر مجهولاً، حتى بعد مرور ثلاثة أيام على الهجوم المُباغت. ويخبر مواطن من قرية لمينا، وصل أخيراً إلى مدينة الأبيض، "العربي الجديد" أنّ نحو 1700 عائلة نزحت من القريتَين نحو الأبيض سيراً على الأقدام، فيما استخدم بعض المواطنين الحمير والجمال في رحلة النزوح.

ويفيد مصدر لدى مفوضية العون الإنساني في حكومة إقليم كردفان "العربي الجديد" بأنّ "عدد العائلات التي وصلت إلى مدينة الأبيض من مناطق عدّة بالإقليم تُقدَّر بنحو 370 ألف عائلة، استقرّ عدد منها مع معارف في أحياء المدينة، فيما تعيش أخرى في مخيمات مؤقتة، وسط ظروف بالغة القسوة، مع عدم قدرة المفوضية على تلبية كلّ احتياجاتهم". يضيف المصدر أنّ "مقومات الحياة معدومة في المخيمات المؤقتة التي تؤوي النازحين، إذ تتشارك عشرات العائلات دورة مياه واحدة يقضي أفرادها حاجتهم فيها، في حين تفترش النساء والأطفال الأرض لعدم قدرة مفوضية العون الإنساني على توفير أغطية وفرش وخيام لآلاف النازحين الذين وصلوا إلى المدينة من عشرات المدن والقرى التي امتدت إليها الحرب".

ويتابع المصدر نفسه أنّ "النازحين يعيشون وسط أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة داخل المخيمات، في ظلّ نقص حاد في المواد الغذائية ومواد النظافة والمعينات الطبية، مع انتشار الكوليرا في المدينة". ونظراً إلى توقّف شبكات الاتصالات بأجزاء واسعة في الإقليم، لا يُعرَف مصير مئات العائلات التي نزحت من قرى إقليم كردفان ومدنه التي اجتاحتها قوات الدعم السريع.

من جهته، يقول عطا الله حماد، النازح من مدينة جبرة الشيخ، الواقعة إلى شمال مدينة الأبيض، لـ"العربي الجديد" إنّ "عائلات كثيرة نزحت من جبرة الشيخ، بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، تقطّعت بها السبل أثناء فرارها نحو الأبيض. ولعدم توفّر وسائل نقل، يلجأ النازحون إلى الدواب، الأمر الذي يتطلّب أياماً عدّة قبل وصولهم إلى أقرب منطقة آمنة". ويشير حماد إلى أنّ عائلته المؤلفة من ستّة أفراد "قضت تسعة أيام سيراً على الأقدام، قبل الوصول إلى مدينة الأبيض".

وتتعرّض مئات العائلات في قرى عدّة حول مدينة الأبيض، من بينها العجاجيك وأم قلجي والسدر والتقور وفشودا وصالحة والدريس وأم عشرة والدانكوج ودريسو والسنط والبيضاء والناله وأم جمينا وجفلت، لانتهاكات كبيرة، وتعاني من ظروف سيّئة، مع توقّف محطات مياه الشرب، وإغلاق الأسواق والمستشفيات. ويوضح حماد أنّ "سكاناً في تلك القرى تعرّضوا لعمليات انتقامية واسعة من قبل عناصر قوات الدعم السريع، ونُهبت ممتلكاتهم ومدّخراتهم المالية، ولأنّهم من المزارعين، تعرّضت منتجاتهم للحرق والسرقة".

من جهة أخرى، ارتفعت الإصابات بالكوليرا في مدينة الأبيض بإقليم كردفان السوداني في مايو الماضي ويونيو الجاري، وفقاً لما يفيد به أطباء تحدّثوا لـ"العربي الجديد". وفي هذا الإطار يقول المدير الطبي لمستشفى الأبيض الحكومي، عبد الرحيم إبراهيم، إنّ "الإصابات بالكوليرا في حالة تزايد مستمرّ، وقد بلغ معدّل الإصابة ما بين 30 حالة إلى 40 يومياً، الأمر الذي يفوق سعة المستشفى؛ 100 سرير فقط". ويلفت إبراهيم إلى أن "السلطات الصحية تبذل جهوداً كبيرة من أجل توفير الرعاية الضرورية لمرضى الكوليرا، في ظلّ تزايد أعداد النازحين إلى المدينة من جهات عدّة".

في السياق نفسه، يقول مصدر طبي لدى وزارة الصحة في إقليم كردفان إنّ "السلطات الصحية عمدت إلى نقل المرضى إلى خارج المستشفى، ووضعتهم في خيام وعنابر خارجية، بعدما لم تعد قدرة المستشفى الاستيعابية قادرة على استقبال إصابات إضافية بالكوليرا". ويبيّن المصدر أنّ "معدّل الوفيات اليومي يتراوح ما بين سبعة مصابين بالكوليرا و18، ما يضاعف أعباء الجهات الصحية التي تعاني من ضعف في الإمكانيات والمعينات".

ويعيش السودانيون، الذين نزحوا في إقليم كردفان والذين لم يتمكّنوا من الوصول إلى المناطق الآمنة، ظروفاً قاسية مع انعدام مياه الشرب والمواد الغذائية في الأسواق التي تعرّضت لعمليات نهب واسعة وحرق وتدمير. ويؤكد حامد عوض، النازح من قرية الدانكوج إلى شمال مدينة الأبيض، لـ"العربي الجديد" أنّهم قضوا "أياماً لم نتناول خلالها الطعام، لأنّ القوات العسكرية التي هاجمت القرى نهبت المواد الغذائية، وأحرقت المتاجر، وشرّدت السكان". ويشير عوض إلى أنّ "الناس، إلى جانب معاناتهم من الجوع، كانوا في حاجة ماسة إلى مياه الشرب بعد توقّف الآبار الارتوازية التي تعمل بالديزل عن العمل، الأمر الذي تسبّب في حالة عطش أشدّ وطأة من الجوع على السودانيين الذين تركوا حيواناتهم خلفهم تنفق من العطش في القرى التي هُجّروا منها".

ويلفت المصدر الطبي لدى وزارة الصحة في إقليم كردفان إلى أنّ "الجهات الصحية تتوقّع ارتفاع الإصابة بالكوليرا، وتفاقم الجوع بين النازحين الذين قدموا إلى مدينة الأبيض من جهات عدّة، وذلك "مع موسم الأمطار التي من المتوقّع هطولها في الأيام القليلة المقبلة".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows