
يقع مغاربة ضحايا أحلامهم في الهجرة إلى كندا، إذ تستهدفهم مكاتب تسفير وهمية، عبر عروض مغرية لأعمال برواتب مرتفعة وظروف مريحة، في ظاهرة متصاعدة إلى درجة ادعاء تنظيم قرعة وهمية "يانصيب" ونهب أموالهم على مدار أعوام.
- تحمل المغربية غزلان ذكريات سيئة عن التجربة التي خاضتها بحثاً عن فرصة للهجرة إلى كندا أحالت حياتها ومعها أسرتها إلى جحيم لا يطاق، إثر سقوطها في فخ مكتب مختص في استشارات الهجرة بمدينة الدار البيضاء ادعى القائمون عليه قدرتهم على تأمين عقد عمل لها مقابل مبلغ مالي تزايد مع مرور الوقت ليصل إلى 55 ألف درهم (نحو 5250 دولاراً) من دون أن تسترجع منه أي درهم إلى حدود اللحظة.
في حديثها لـ"العربي الجديد"، تستحضر غزلان فصول معاناة بدأت في يونيو/حزيران 2019 مع مكتب "SLS Groupe" في العاصمة الاقتصادية للمملكة، كيف دخلت في دوامة انتهت في ردهات المحاكم، قائلة: "لم يدر في خلدي حينما دلفت إلى المكتب وكلي أمل بتحقيق حلمي، أن تنقلب حياتي رأساً على عقب، ليصبح شغلي الشاغل هو التنقل بين مقر المكتب ومراكز الشرطة وردهات المحاكم. فقد تحول تعهد بتأمين عقد عمل بكندا إلى نقمة".
وبسبب الإحباط الذي تعرضت له، وإصرار مسؤولي مكتب الهجرة على عدم إرجاع مالها، لم تجد غزلان من بد غير اللجوء إلى القضاء بمعية 15 مشتكياً، معتبرة نفسها "ضحية نصب واحتيال". وهو ما أكدته المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في 26 أغسطس/آب 2024، حينما قضت بثلاث سنوات حبساً وغرامة قدرها 1000 درهم (ما يقارب 100 دولار) بحق صاحب المكتب وزوجته، جراء ارتكابهما جنحة النصب المنصوص عليها في الفصل 540 من القانون الجنائي، قبل أن تخفض محكمة الاستئناف في المدينة ذاتها في 22 يناير/كانون الثاني 2025، الأحكام الصادرة بحقهما إلى 30 شهراً لكل منهما.
شراك مكاتب الهجرة
يتطابق نمط عمليات النصب التي تعرض لها الضحايا الخمسة عشر لمكتب SLS Groupe مع ما وثقه معد التحقيق في خمس حالات أخرى بين الباحثين عن الهجرة إلى كندا، من بينهم الشاب أكرم معزوز، الذي يقول لـ" العربي الجديد" إنه خلال بحثه المضني عن سبيل لتحقيق حلمه بتحقيق ذاته خارج البلاد، انتهى إلى علمه عن طريق أحد أقربائه بأن مكتباً لاستشارات الهجرة في مدينة الدار البيضاء يتكفل بتسفير الشباب عن طريق توفير عقود عمل قانونية، مؤكداً أن ما شجعه على الخطوة هو تمكنه من الوصول إلى سيدة تعمل وسيطةً رافقته إلى المكتب في إبريل/نيسان 2023، إذ تم الاتفاق على أدائه مبلغ 60 ألف درهم (نحو 6 آلاف دولار) مقابل الأمر بعد ادعاء صاحب المكتب أنه محامي هجرة (Immigration Law).
لكن بعد مرور أيام على تسليمه نصف المبلغ المتفق عليه إلى زوجة صاحب المكتب بدأت الشكوك تتسرب إلى نفسه، خاصة بعد أن "أوهمتني بالشروع في إنجاز الوثائق المطلوبة"، وتحولت مخاوفي إلى واقع بعد أن تمكن زوجها من إقناعي بتحويل المبلغ المتبقي إلى حسابه البنكي المفتوح بوكالة "بريد بنك" مدعيا أن عقد العمل بات جاهزاً. منذ تلك اللحظة، فقدت الاتصال معهما، وأيقنت أني تعرضت للنصب والاحتيال لا سيما مع ظهور ضحايا آخرين".
تؤكد الحالات التي وثقها "العربي الجديد" أن البحث عن فرصة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية يقف وراء تصديق الوعود الوهمية التي يقطعها عدد من مكاتب الهجرة التي تتعاون مع وسطاء يروجون لها، كما كان الحال مع الثلاثيني إلياس فتاح، المتحدر من مدينة ورزازات، الذي استغلت وسيطة مقربة من عائلته رغبته الجامحة وطموحه الجارف من أجل تغيير وضعه المعيشي ومكافأة والده على تضحياته بالهجرة إلى كندا من أجل الدراسة والعمل، لتوقعه في حبالها، بعد أن اقترحت عليه التوسط لدى أحد معارفها الذي ادعت أنه يملك أفضل مكتب هجرة في البلاد، كما يقول، قبل أن يكون مضطراً جراء المماطلة إلى التقدم بشكوى إلى النيابة العامة.
ولم يكن حال أشرف شرناكي بأحسن من فتاح، بعد أن تبخرت وعود براقة بتأمين عقد عمل قانوني بكندا، حيث استفاق بعد تأديته لمبلغ 40.000 درهم (نحو 4 آلاف دولار) وتسليمه لنسخ من جواز سفره وشهاداته على صدمة سقوطه في شراك شخص ينتحل صفة محامٍ مختص في الهجرة، ووسيطة، موضحاً أن الوسطاء المحتالين يستغلون حلم العديد من المغاربة بالظفر بعقد شغل في الولايات المتحدة أو كندا أو أوروبا لربح الملايين.
نصب إلكتروني
لا يقتصر الأمر على مكاتب الهجرة بل تروج مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للأمر ذاته، وهو ما حصل مع الثلاثيني نزار لكحل الذي وجد نفسه ضحية محاولة نصب عقب تلقيه رسالة من القائمين على موقع يحمل اسم Canadianvisaexpert.com، تؤكد قبول طلبه في الحصول على عقد عمل، وتحثه على إرسال بياناته البنكية، مشيرا إلى أنه سارع على الفور مستجيبا لما طلب منه، غير أن طلبه مشورة بعض أصدقائه ولأعضاء مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تهتم بالهجرة إلى كندا، جنبه السقوط في الفخ وضياع مدخراته المالية، بعد أن سارع إلى إلغاء حسابه البنكي مخافة الاستيلاء عليه من قبل المحتالين.
ويشجع إقبال المغاربة على كندا بشكل أساسي كوجهة مفضلة للهجرة، عاملا محفزا لبعض مكاتب الهجرة والأشخاص لممارسة أعمال احتيالية بإطلاق وعود للحرفيين وللعمال بتوفير عقود عمل لهم، وترويج أخبار كاذبة عن حاجة البلد إلى مليوني عامل وعدم اشتراط التوفر على لغات وشهادات، بحسب عبد العالي مستور (اسم مستعار بناء على طلبه) مشرف على مكتب للهجرة بمدينة الرباط، الذي يلفت إلى أن الأمر لا يقف عند محتالين مغاربة وبعض مكاتب الهجرة الوهمية، وإنما يتعداه كذلك إلى محتالين من دول أفريقية مثل السنغال يطالبون الراغبين في العمل بدفع 200 أو 250 يورو كتسبيق لتكاليف بدء مسطرة الحصول عقد العمل قبل أن يختفوا بعد تحويل المبلغ إليهم.
ويقر مستور بتورط عدد من مكاتب الاستشارة في عملية نصب واحتيال، مؤكدا أن على الراغب في الهجرة إلى كندا قبل اللجوء إلى مكاتب الاستشارة التأكد من الوضع القانوني للمستشار من خلال البحث في السجل العام على الموقع الرسمي للمجلس التنظيمي الكندي لمستشاري الهجرة وكذلك في سجل المستشارين على موقع وزارة الهجرة في كيبيك، موضحا أن المستشار الذي يمارس عمله في المغرب ملزم بالتوفر على ترخيص كندي إذا ما أراد تمثيل مرشح للهجرة أمام السلطات الكندية، وهو ما لا يتحقق في العديد من الحالات ويتسبب في تسجيل وقائع نصب واحتيال.
"للأسف لم يقبل ملفك"
ما سبق يؤكده جمال الدين ريان، رئيس "مرصد التواصل والهجرة في أمستردام" (غير حكومي)، في إفادة لـ"العربي الجديد"، بالقول إن المحتالين يستغلون رغبة الطامحين للحصول على فرصة عمل بالولايات المتحدة وكندا، فيعمدون إلى تقديم عروض مغرية برواتب مرتفعة وظروف عمل مريحة. لكن "خلف هذه العروض، يقف متخصصون في النصب، يستخدمون أساليب ذكية للإيقاع بالضحايا وسلب أموالهم، ويعتمدون على مواقع إلكترونية مزيفة تبدو كأنها تابعة لشركات توظيف أو وكالات هجرة رسمية، مما يجعل الباحث عن عمل يثق بها". كما "يروجون لتلك العروض عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات الممولة، مستهدفين بالأساس الشباب الطموحين والعمال الراغبين في تحسين أوضاعهم".
وفي بعض الحالات، يتم خداع الضحايا عبر مكاتب توظيف وهمية تدعي توفير فرص عمل في الخارج، كما يوضح ريان، إذ يُقنعون بدفع مبالغ مالية كرسوم تسجيل أو مصاريف التأشيرة، موضحاً أنه "لإضفاء مزيد من المصداقية، يقوم المحتالون بإجراء مقابلات عمل وهمية عبر الإنترنت، مما يجعل الضحية يصدق أن العرض حقيقي. وبمجرد إقناعه، يطلب منه دفع رسوم مختلفة، مثل تكاليف السفر أو التأمين الصحي، وغالباً ما يكون الدفع عبر وسائل يصعب تتبعها".
لإضفاء مزيد من المصداقية يُجري المحتالون مقابلات عمل وهمية
من بين هؤلاء، المغربي جواد الحمداوي، والذي وقع في شراك ما اعتبره احتيالا، بعد أن راهن على إعلان على صفحة في "فيسبوك" باسم شركة (يحتفظ العربي الجديد باسمها) تشتغل في مجال الهجرة إلى كندا بمدينة الدار البيضاء لتحقيق حلمه، قائلاً لـ "العربي الجديد": "عقب اتصالي بهاتف الشركة تلقيت رداً من مستخدم بتحديد موعد لي لإجراء مقابلة، وطلب مني إيداع مبلغ 200 درهم (نحو 20 دولاراً) في الحساب البنكي للشركة مقابل الاستشارة، بعدها "أخبروني أنه يجب علي دفع مبلغ إضافي قدره 2500 درهم (250 دولاراً) تلتها دفعة ثانية قدرها 3500 درهم (350 دولاراً) ودفعات أخرى على امتداد سنتين رفعت التكلفة إلى 25000 درهم (2500 دولار) قبل أن أصدم بردّهم: للأسف لم يقبل ملفك"، مؤكداً أن الأمر تكرر مع آخرين ما دفع بعض الضحايا إلى التحذير من فخ تلك الشركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يانصيب كندا الوهمي
شهدت السنوات الأخيرة، وفق ريان، تزايداً في عمليات النصب التي تستهدف المغاربة الباحثين عن فرص عمل في الخارج، ما دفع السفارة الأميركية في العاصمة الرباط مثلاً إلى إطلاق تحذير، في 23 سبتمبر/أيلول 2024، مطالبة بتوخي اليقظة عند البحث عن فرص عمل أو تمويل مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وغيرها من الوكالات الحكومية، وذلك بعد رصدها "حالات احتيال جديدة لجهات احتيالية تسعى لتضليل المتقدمين الراغبين في الحصول على تمويل ووظائف".
وهو نفس التحذير الذي عادت الشركة الكندية ACCES CANADA (رائدة في مجال الهجرة) للتذكير به على موقعها الإلكتروني، موضحة أن المحتالين غالباً ما يستخدمون اسمها في رسائل البريد الإلكتروني الخاصة باليانصيب أو الاختيار لمثل هذا المشروع أو ذاك بهدف الاستقرار في كندا للدراسة أو العمل أو أي وعود احتيالية أخرى بهدف الحصول عليها"، وأن تواصلها مع عملائها يتم "مباشرة أو من خلال مواقعنا الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي".
وتعرف مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب انتشاراً لمجموعات وصفحات وحسابات خاصة بالهجرة إلى كندا من بينها، وفق ما عاين "العربي الجديد"، صفحة تحمل اسم "Marocains du canada" (يتابعها 710 آلاف متابع)، "World Visa Services" (تضم 94 ألف متابع)، "Entrée Express Canada Maroc" (تضم 76197 عضواً)، "الهجرة إلى كندا" (تضم 47483 عضواً)، كذلك تتصدر نتائج البحث عبر الإنترنت عن "الهجرة إلى كندا" إعلانات مكاتب خاصة تعد بمساعدة الراغبين في الحصول على عقود عمل والهجرة.
ويبدو لافتاً للانتباه أن العديد من تلك المجموعات والصفحات والحسابات والمواقع تعمل من خلال مواقع إلكترونية مزيفة ومصممة باحترافية لتحاكي منصات توظيف شرعية مثل "LinkedIn" أو مواقع حكومية، مما يضفي عليها طابعاً رسمياً يصعب التشكيك فيه"، كما يورد علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي (هيئة مدنية مستقلة تهدف إلى دعم وتعزيز السياسات العمومية)، والذي يوضح أن الجهات التي تقف وراء هذه العمليات تعمل وفق نظام هرمي محكم التنظيم، يضم فرقاً متخصصة، فريقاً للتواصل المباشر مع الضحايا عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف باستخدام أساليب إقناع مدروسة، وفريقاً تقنياً يتولى تصميم المواقع والوثائق المزورة مثل العقود وخطابات القبول الوهمية. بينما تتولى القيادة الإشراف على العملية بأكملها، وتجميع الأرباح التي تحصل عادة تحت ذريعة رسوم تأشيرات، تكاليف إدارية، أو خدمات لوجستية لا وجود لها، مضيفاً أن "عملية اصطياد الضحايا عبر الإنترنت تعتمد على تقنيات متطورة تشمل إعلانات موجهة تصمم بناء على تحليل اهتمامات وسلوكيات الباحثين عن عمل، مثل البحث عن كلمات مثل "وظائف في كندا" أو "هجرة إلى أميركا"، مما يجعل الإعلان يظهر للأشخاص الأكثر عرضة للوقوع في الفخ. أما في المغرب، فتستخدم هذه الجهات مكاتب عمل وهمية تقام في مدن رئيسية مثل الرباط أو الدار البيضاء، حيث يُستقبَل الضحايا في مكان مزود بواجهة احترافية، ويسلمون عقوداً ورقية مطبوعة تحمل أختاماً وتوقيعات مزيفة، ويطلب منهم دفع مبالغ نقدية أو تحويلات بنكية فورية. هذا الحضور الملموس يعزز شعور الضحايا بالثقة ويبدد شكوكهم، لكن بمجرد تسلّم الأموال، تختفي هذه المكاتب أو تتوقف عن الرد، تاركة الضحايا في حالة من الخسارة والصدمة.
ويعلق المشرف على مكتب للهجرة بالرباط على ما سبق، قائلا إن وسطاء وهميين انتحلوا صفة مندوبي وكالات كندية معروفة في مجال الاستشارة من أجل الهجرة، لإيهام الضحايا بتمثيلها في المغرب، ويعمدون إلى استعمال اسمها التجاري في "يانصيب الهجرة"، أو عن طريق رسائل البريد الإلكتروني للترويج للهجرة من أجل العمل أو الإقامة في كندا.
وسطاء وهميون انتحلوا صفة مندوبي وكالات هجرة كندية
وعن طرق اصطياد الضحايا، يوضح المصدر ذاته أن المحتالين يستغلون فترة فتح الترشح لليانصيب الأميركي لإطلاق إعلانات كاذبة حول بدء التسجيل في "يانصيب كندا"، رغم أن لا وجود له في الأصل، ثم يعرضون خدماتهم على الضحايا بغرض الحصول على المعلومات البنكية. كما يتم نشر إعلانات كاذبة من قبيل إمكانية الهجرة دون التوفر على شهادات أو مستوى في اللغة أو خبرة مهنية، مع وجود رواتب خيالية، أو يُروَّج لمناصب عمل وهمية، مع إمكانية توفير التأشيرة للراغبين مقابل عمولة مالية تُدفَع للوسيط.
وجهات مفضلة للمغاربة
تعتبر أميركا الوجهة المفضلة للهجرة بالنسبة إلى المواطنين المغاربة بنسبة 26 في المائة، تليها كندا بـ 23 في المائة من الراغبين في الهجرة بالمملكة، متبوعة بفرنسا، ويفكر 35 في المائة من المواطنين المغاربة في الهجرة إلى الخارج، وعبّر 55 في المائة من الشباب المغاربة الذين تراوح أعمارهم ما بين 18 و29 سنة عن رغبتهم في الهجرة، بينما بلغت هذه النسبة في صفوف المواطنين التي تزيد أعمارهم على 30 سنة حوالى 24 في المائة فقط، وفق نتائج دراسة استطلاعية أنجزها البارومتر العربي، تحت عنوان "الرأي العام تجاه الهجرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" وكُشف عن نتائجها في 18 أغسطس 2024.
وحول طريقة مغادرة البلاد، كشفت معطيات البارومتر العربي أن 53 في المائة من المغاربة الذين يفكرون في الهجرة أكدوا أنهم "قد يغادرون المملكة حتى إذا لم تتوفر لهم الأوراق والتصاريح اللازمة لذلك"، أي بطريقة غير نظامية. وتفيد معطيات الدراسة بأن 42 في المائة من المغاربة الراغبين أو الذين يفكرون في الهجرة حاصلون على التعليم الجامعي، و33 في المائة منهم حاصلون على التعليم الثانوي أو أقل؛ فيما أكد 45 في المائة من الراغبين في الهجرة في المملكة أن الأسباب الاقتصادية هي التي دفعتهم إلى التفكير في هذا الفعل.
وبحسب بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك (غير حكومية) فإن "نسبة البطالة المرتفعة التي تتجاوز الأرقام الرسمية المعلن عنها وأحدثها 13.3 في المائة خلال سنة 2024 بواقع 1,638,000 عاطل من العمل"، وفق مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط، تدفع بعض الشباب إلى البحث عن فرص عمل بالخارج بكل الوسائل والطرق، وهو ما يؤكده كذلك ريان الذي يلفت إلى أن العمليات الاحتيالية تستهدف فئات متعددة، أبرزها الشباب حديثو التخرج الذين يسعون للحصول على فرص عمل دولية، والعاملون في القطاعات المهنية والحرفية مثل البناء والفندقية والخدمات، بالإضافة إلى المهاجرين غير النظاميين الذين يبحثون عن طرق قانونية لتسوية أوضاعهم.
ما بعد وقوع الجريمة
بينما لا يعدم المحتالون وسيلة للوصول إلى ضحاياهم "تبقى الأرقام الرسمية بشأن قضايا النصب والاحتيال غير واضحة أو محدثة بدقة"، كما يقول الغنبوري، موضحاً أن التقديرات تشير إلى وجود مئات الشكاوى المرفوعة سنوياً لدى الجهات الأمنية، علماً أن العديد من الحالات لا يتم الإبلاغ عنها نتيجة شعور الضحايا بالخجل أو عدم ثقتهم باسترجاع حقوقهم، وهو ما يتفق معه ريان الذي يؤكد من واقع خبرته في مرصد التواصل والهجرة بأمستردام، أن العديد من القضايا تمر دون كشف أو مساءلة، نظراً للطابع العابر للحدود لهذه الجرائم، وصعوبة تعقب الجناة الذين يستخدمون هويات مزيفة ووسائل دفع غير قابلة للتتبع.
وينص الفصل الـ 540 من القانون الجنائي المغربي على أنه "يعد مرتكباً لجريمة النصب، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم، من استعمل الاحتيال ليوقع شخصاً في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير". فيما تعاقب المادة الـ 72 من مدونة الصحافة والنشر بغرامة تصل إلى 200 ألف درهم على نشر وقائع غير صحيحة أو زائفة أو مستندات مختلقة.
ولا تتوفر وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات في المغرب على أية معطيات إحصائية تتعلق بمخالفات الوكالات الخاصة العاملة في مجال الاستشارة أو تخص من تعرضوا للاحتيال، بحسب ما أفاد مصدر مسؤول بالوزارة طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول له بالحديث للصحافة، مؤكداً ضرورة توفر المغاربة المتوجهين إلى الخارج للعمل مقابل أجر على عقود شغل يكون مؤشراً عليها من قبل المصالح المختصة لدى دولة المهجر، وكذلك من قبل السلطة الحكومية المغربية المكلفة بالشغل، وهو ما تنص عليه المادة الـ 512 من مدونة الشغل.
من المسؤول؟
تشكل عمليات النصب والاحتيال المرتبطة بعروض العمل الوهمية بالخارج تحدياً متزايداً، خصوصاً في ظل انتشار التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت بيئة خصبة لهذه الأنشطة الإجرامية، وفق ريان، قائلاً إن غياب رقابة فعالة على المحتوى الرقمي يسمح لهذه العصابات بالاستمرار في نشاطها، ما يعزز الحاجة إلى إطار قانوني أكثر صرامة لتنظيم الإشهار الرقمي المرتبط بعروض العمل. كذلك إن غياب التنسيق بين الجهات المسؤولة عن الشغل والهجرة والأمن الرقمي يجعل ملاحقة المحتالين أمراً صعباً، خصوصاً أن عمليات النصب غالباً ما تتجاوز الحدود الوطنية.
وإجمالاً، يرى ريان أن السلطات المختصة تتحمل جزءاً من المسؤولية في التصدي لهذه الظاهرة، سواء من خلال تشديد الرقابة على وكالات التوظيف المعتمدة، أو عبر تعزيز آليات كشف التلاعب في العروض المنشورة على الإنترنت.
غير أن المصدر المسؤول بوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يدفع بأن الوزارة تقوم بزيارات تفتيشية لإلزام وكالات الاستشارة الخاصة في مجال الهجرة باحترام المقتضيات القانونية وكذا مسطرة التأشير على عقود العمل المبرمة لفائدة العمال المغاربة المرشحين للهجرة مع تفعيل العقوبات الزجرية المنصوص عليها في مدونة الشغل والتي تراوح ما بين 5 آلاف درهم و30 ألف درهم غرامةً على أقصى تقدير.
ومع ذلك، يرى الغنبوري أن السلطات المختصة في مجال الشغل تتحمل مسؤولية جزئية واضحة نتيجة الثغرات في منظومة التنظيم والتوعية المتعلقة بعروض العمل الخارجية، ويلفت إلى أنه بالرغم من وجود أطر قانونية تنظم عمل وكالات التشغيل الخاصة (عددها 78 بحسب وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات)، إلا أن غياب الرقابة الفعالة على مكاتب الاستشارة في الهجرة أو الحملات الترويجية الموجهة للباحثين عن عمل يتيح مجالاً واسعاً للنصابين للتحرك دون عوائق.
ويوضح مستور أن القانون المغربي لا ينظم مهن الاستشارة عموماً، ومنها الاستشارة في مجال التشغيل والهجرة، على عكس الوساطة في مجال التشغيل، مبيناً أن الاستشارة لا تخضع لأي ترخيص، إذ يمكن لكل من يريد ممارستها شرط تأسيس شركة يتضمن قانونها الأساسي كل ما يحيل على تدبير الموارد البشرية.
وبحسب الغنبوري، يعد ضعف مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، عاملاً رئيسياً يفاقم هذه الظاهرة، إذ تفتقر هذه المنصات في المغرب إلى إطار تشريعي صلب ينظم الإعلانات المنشورة عليها. ففيما تتيح هذه المنصات نشر عروض عمل مزيفة دون تدقيق مسبق، لا توجد آليات فعالة لتصفية المحتوى المشبوه أو معاقبة المروجين له، على النقيض من دول مثل الولايات المتحدة وكندا، حيث تفرض قوانين صارمة على الإعلانات الرقمية، وتعاقب الشركات التي تسمح بانتشار الاحتيال من خلال منصاتها، إلى جانب وجود تعاون وثيق مع الجهات الأمنية لتتبع هذه العمليات.
وتبعاً لذلك، باتت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى تشريعات شاملة تعالج هذه الفجوات، بما في ذلك توفير قنوات رسمية وسهلة الوصول للتحقق من صحة عروض العمل الخارجية، لضمان حماية المواطنين من هذا النوع من الاستغلال المتزايد، كما يؤكد الغنبوري.
ووسط استمرار سقوط مئات المغاربة الحالمين بالهجرة فريسة سهلة لعمليات النصب والاحتيال، يؤكد الأربعيني سعيد الرحموني، انطلاقاً من واقع تجربة عاشها قبل سنتين على ضرورة اتخاذ الراغبين في الهجرة الحذر حيال عروض التي تقدم إليهم، خصوصاً بعد أن وقع بمعية عشرات المغاربة ضحية عملية نصب واحتيال من قبل مواطن تونسي مقيم في البلاد، عرض على الراغبين في الهجرة إلى كندا عقد عمل وتأشيرة مقابل مبالغ تراوح بين 75 ألف درهم و100 ألف درهم، وزعم أيضاً أنه على اتصال بمحامين كنديين سيتأكدون من صحة ملفات الهجرة الخاصة بهم.
ورغم مرور الوقت، إلا أن مشاعر الغيظ ما زالت تسيطر عليه كلما تذكر حين اتصل به المحتال ليخبره أن عقد عمله وتأشيرته جاهزان، وأن رحلته إلى كندا ستكون من تركيا. لكن بمجرد وصوله بمعية مرشحين آخرين إلى الأراضي التركية، سيصدمون بأن أسماءهم غير موجودة على أي قائمة سفر، وأنهم ببساطة تعرضوا للاحتيال. يقول بنبرة أسى وحزن: "عشت مأساة بعد أن ضاعت أموالي التي جمعتها على مدى سنوات، لكن الخسارة لم تكن مالية فقط، بل نفسية أيضاً. لقد انقلبت حياتي رأساً على عقب".

Related News


