توجيه من السوداني لتطويق خطاب الكراهية والطائفية في الإعلام العراقي
Arab
2 weeks ago
share

وجّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بمتابعة مصادر خطاب الكراهية والتحريض الطائفي في وسائل الإعلام، مشدّداً على "ضرورة مواكبة التطوّرات التي يشهدها هذا القطاع عالميّاً، في مجال تكنولوجيا المعلومات، والتحوّل الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والاتصالات والإعلام". وجاءت هذه التوجيهات بعدما عاودت أحزاب وجماعات عراقية مختلفة استعمال الخطاب الطائفي والإقصائي في مواقفها وتصريحاتها اليومية، والتي تردّ عادةً عبر قنوات فضائيّة ومواقع إلكترونيّة تابعة لها.

وبحسب بيان حكومي، فإنّ السوداني "استقبل رئيس وأعضاء مجلس هيئة الإعلام والاتصالات، وجرى خلال اللقاء استعراض محطّات عمل الهيئة والمجالات التي يتوجّب أن تضطلع بتطوير قدراتها فيها، بما تمتلكه من مؤهّلات ماديّة وبشريّة، تمكّنها من إحداث نقلة نوعيّة، إلى جانب الاستفادة من العقول والخبرات المتوفّرة في الجامعات العراقيّة ومراكز البحوث".

وأشار إلى "أهميّة الدور الرقابي في قطاع الاتصالات، ومتابعة نوعيّة الخدمة التي تصل إلى المواطن، مع ضرورة أن تكون الهيئة قطاعاً مشاركاً في رفد الموازنة العامة، إلى جانب أهميّة إدخال قطاع الاتصالات كعاملٍ أساس في الاقتصاد العراقي، وأهميّة متابعة مصادر خطاب الكراهية والتحريض الطائفي، وكلّ ما من شأنه الإضرار بالأمن الوطني ومؤسسات الدولة، مع التركيز في المجال الإعلامي على أُسس المواطنة".

وخلال الأشهر الماضية، ومع انطلاق الحملة الإعلاميّة للأحزاب استعداداً للانتخابات المقرّرة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لجأت قوى سياسيّة وجماعات مسلّحة تمتلك أجنحة سياسيّة، إلى استغلال وسائلها الإعلاميّة ومحلّليها وصحافيّيها ومراقبيها، لإطلاق خطابات عنصريّة وإقصائيّة وطائفيّة باعتبارها وسيلةً للتحشيد، في وقتٍ يواجه فيه القضاء والادعاء العام انتقاداتٍ حادّة بسبب عدم تحرّكهما لضبط تلك المواقف والتصريحات، والتي تكون غالباً مصحوبةً بلغة تحريضٍ وكراهية، رغم أنّ هذه الخطابات لا تجد مريدين ولا مؤيدين.

وفي مارس/آذار الماضي، دعا رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني إلى تشريع قانونٍ يُجرّم الطائفيّة في العراق، مع إغلاقٍ وحجبٍ وإزالة الصفحات والمنشورات والفيديوهات والتسجيلات التي تدعو إلى الطائفيّة، موضّحاً في تصريحاتٍ أنّ "الطائفيّة التي عانيناها لسنواتٍ قد مضت، كما مضى الإرهاب وسيمضي الفساد، لكن ما تبقّى من تلك الآثار بدأ يظهر مجدّداً في أحاديث الإعلام التقليدي، ويُروَّج له عبر (الذباب الإلكتروني) في مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى نقض مظلوميّةٍ قديمة بظلمٍ جديد، أو مظلوميّةٍ جديدة بظلمٍ تاريخي، وينعق خلف ذلك من ينعق قائلاً إنّ الطائفة توازي الأرض والقوميّة والتاريخ". لكنّ السلطة التشريعيّة (البرلمان) لم تتّجه بعد نحو كتابة تشريعٍ قانونيّ خاصّ بمحاسبة الطائفيّين.

وخلال الفترة الأخيرة، أثار عددٌ من المحلّلين والصحافيّين القريبين من أحزابٍ نافذة، وأعضاء في مجلس النوّاب، تصريحاتٍ عنصريّة وطائفيّة عادةً ما تُوجَّه إلى مكوّناتٍ رئيسة في المجتمع العراقي. وكان آخرها التصريح الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبيّة والإعلاميّة، حين دعا النائب عن فصيل "عصائب أهل الحق" والقيادي فيه، علي تركي، إلى تحويل مدينة سامراء إلى "مدينة شيعيّة"، معتبراً أنّ "المدينة ستكون صبغتها شيعيّة أكثر مما هي صبغة وطنيّة"، في تصريحٍ يُنذر بمحاولات تغييرٍ ديمغرافي وعمليّات تهجير قد يتعرّض لها سكّان سامراء ذات الأغلبيّة العربيّة السنّيّة. كما صدرت تعليقاتٌ مشابهة من بعض النوّاب والسياسيّين بحقّ المكوّن الكردي.

في السياق، رأى أستاذ الإعلام في جامعة واسط العراقيّة، إبراهيم حسن، أنّ "المؤسّسات الإعلاميّة في العراق ليست مستقلة، وأغلبيّتها مملوكة وممولة من الأحزاب والكيانات السياسيّة والفصائل المسلّحة، وبالتالي فإنّ الإعلام العراقي هو إعلامٌ حزبي بامتياز". وأضاف في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ "المال السياسي حوّل الإعلام إلى أداةٍ لتنفيذ الأجندات والأفكار والتوجّهات الحزبيّة والفصائليّة"، مشيراً إلى أنّ "الإعلام العراقي لا يعكس بصورةٍ حقيقيّة ما يفكّر به الشعب، بدليل أنّ الشعب العراقي ليس طائفيّاً، لكنّ الإعلام طائفي".

وشدّد حسن على أنّ "التوجيهات الحكوميّة الأخيرة، إذا لم تكن بالتنسيق مع القضاء العراقي والادعاء العام، فإنها ستكون كغيرها من التوجيهات التي صدرت عن حكوماتٍ سابقة"، موضحاً أنّ "الخطاب الشمولي والإقصائي واضحٌ في الإعلام العراقي، وهناك نوايا دائمة لدى بعض الأحزاب لتحقيق حالات انقسام داخل المجتمع العراقي، إلا أنّها تفشل في كلّ مرة، لكنها تحقّق مكاسب سياسيّة عبر الضغط والفضائح". وأشار إلى أنّ "المثقّفين والصحافيّين غير الطائفيّين مهمّشون، ويتعرّضون للابتزاز السياسي في محاولةٍ لجرّهم إلى ساحات الإعلام الحزبي".

من جهته، أكّد عضو نقابة الصحافيين العراقيّين أحمد قاسم أنّ "الإعلام والإعلاميّين المؤدلجين باتوا سمةً عراقيّة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد، أي قبل أكثر من 20 عاماً، وما جرى كان مدفوعاً بالمال السياسي"، موضحاً في تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "معظم الإعلاميّين يتعمّدون استضافة المتحدّثين الطائفيّين من أجل الحصول على مشاهداتٍ عالية، من دون الاكتراث لآثار هذه التعليقات الطائفيّة على المجتمع العراقي".
وأضاف أنّ "نقابة الصحافيين ترصد هذه التعليقات، كما أنّ هيئة الإعلام والاتصالات تعاقب الطائفيّين والمحرضين على الفتنة، لكن ثمّة حاجةً ماسّة إلى عقوباتٍ قضائيّة صارمة ورادعة".

ويُعاقب القانون العراقي المسيئين إلى الرموز الدينيّة لأيّ طائفةٍ في البلاد، كما أنّ مجلس القضاء الأعلى العراقي كان قد وجّه في وقتٍ سابق محاكمه بتشديد الإجراءات بحقّ مرتكبي جرائم الإساءة إلى الرموز والمعتقدات الدينيّة. كما يمنع الدستور العراقي، وفق المادة السابعة منه، أيّ شكلٍ من أشكال التحريض الطائفي، كما تُعاقب المادة 200 من قانون العقوبات بالسجن لمدّة سبع سنواتٍ على إثارة النعرات الطائفيّة أو المذهبيّة أو ترويجها.

في المقابل، ينصّ قانون مكافحة الإرهاب لعام 2005 على اعتبار الفتنة الطائفيّة جريمةً إرهابيّة، وفق المادة الرابعة من القانون. لكن، ورغم هذه القوانين، لم يُشرّع العراق حتى الآن قانوناً خاصّاً يُجرّم التحريض أو الخطاب الطائفي، ما يجعل المتّهمين بهذه الخطابات يحتالون على النصوص القديمة إذا ما تقدّمت جهةٌ ما بشكوى ضدّهم.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows