
منذ يوم الجمعة، 13 يونيو/حزيران الحالي، وبالتزامن مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على إيران برزت إلى الواجهة المسيّرات صغيرة الحجم، أو ما تسميه إيران "الأجسام الطائرة الصغيرة"، بعد أن شكلت إحدى الركائز الأساسية لإسرائيل في عملياتها ضد إيران على مدى 12 يوماً من الحرب. وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل إلى استخدام هذا النوع من المسيّرات ضد إيران. فبحسب تقارير، استعانت تل أبيب سابقاً بمسيّرات دقيقة، أو مسيّرات صغيرة للغاية، سراً، كمعدات اختراق منخفضة الكلفة يصعب تتبعها، لأداء مهمات تخريبية داخل الأراضي الإيرانية. فهذه الطائرات الصغيرة التي تطلق من خلال عناصر محلية، بمقدورها التحليق من داخل إيران، واختراق الدفاعات والوصول إلى أهداف حساسة، من غير أن يقتضي الأمر دخول مقاتلات إلى الأجواء الإيرانية.
مهدي بختياري: العمليات التي تعجز المقاتلات عن تنفيذها أسنِدت إلى الطائرات المسيّرة
ومع نهاية أول يوم من العدوان على إيران أو فجر اليوم التالي (السبت 14 يونيو الحالي)، بدأت الأجهزة الأمنية الإيرانية توجه التحذير من استخدام الشاحنات الصغيرة والمتوسطة لنقل المسيّرات بين المدن الإيرانية المختلفة. وأسهمت الرقابة المكثفة وتعاون السكان في اكتشاف أعداد متزايدة من هذه المسيّرات والمعدات داخل السيارات. وتلا ذلك إعلان الشرطة والأجهزة الأمنية تنفيذ مداهمات لعدد من الورش في محافظات متفرقة، حيث أظهرت الصور المنشورة عمليات تجميع أنواع متعددة من المسيّرات.
اكتشاف أكثر من 10 آلاف مسيّرة بطهران
ونقلت وكالة "فارس" الاثنين الماضي عن مصدر مطلع، أنه تم اكتشاف أكثر من عشرة آلاف طائرة مسيّرة صغيرة في طهران، معظمها كان يُستخدم في التجسس أو تنفيذ عمليات تخريبية عبر عناصر متعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي. كما أعلنت الشرطة الإيرانية، خلال الأسبوع الماضي، ضبط وتفكيك شبكة متطورة لإرسال المسيّرات في جبال شمال غرب طهران، ومصادرة كميات كبيرة من معدات التوجيه والتحكم. وفي إعلان آخر، أشارت الشرطة إلى العثور على ورشة صناعية ثلاثية الطوابق في مدينة ري جنوب طهران، ما يكشف حجم التخطيط الإسرائيلي لشن العدوان على إيران واتساع نطاق الإعداد لهذه الهجمات. وتشير تقارير إعلامية إيرانية إلى أن الجزء الأكبر من عمليات اغتيال القادة العسكريين والعلماء والشخصيات الأكاديمية تم بواسطة المسيّرات الانتحارية.
ورأى الخبير العسكري الإيراني، مهدي بختياري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العمليات التي تعجز المقاتلات عن تنفيذها خلال العدوان على إيران أسنِدت إلى الطائرات المسيّرة، فبعضها تشبه الطائرات التقليدية مثل طراز هرمس، في حين أن بعضها الآخر كواد كوبتر قصيرة المدى يسيّرها عملاء من الداخل، وكثير منها عثر عليه داخل سيارات أو جرى تجميعه وصنعه محلياً". وأضاف بختياري أن "مسيّرات هرمس الإسرائيلية الاستطلاعية والهجومية دخلت الأجواء الإيرانية من الخارج، وأن الدفاعات الجوية الإيرانية نجحت في إسقاط بعض منها، وخاصة في آخر يوم للعدوان غرب طهران"، مؤكداً أن "مواجهة هذه المسيّرات بالغة الصعوبة بسبب انخفاض ارتفاعها وسرعتها في التحرك، ما يستنفر منظومات الدفاع الجوي في طهران وسواها باستمرار ويتسبب بإرباكها وإشغالها".
غالبية العمليات خلال العدوان على إيران تمت عبر العملاء
من جانبه، قال الخبير العسكري الإيراني، مرتضى الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إن "نحو 80 إلى 85% من العمليات خلال العدوان على إيران تم تنفيذها عبر مجموعات عملياتية عميلة ناشطة داخل الأراضي الإيرانية، في حين اقتصر دور المقاتلات على حوالي 15% فقط". وأوضح أن "الشبكات التخريبية العميلة اعتمدت عدة أساليب، كان أبرزها استخدام طائرات هيلي شوت وكواد كوبتر تجارية محملة بمتفجرات، مستلهمة بذلك بعض أساليب الحرب في أوكرانيا، حيث تحط الدرون على الهدف لتسقط عبوة ناسفة أو ترتطم به وتنفجر مباشرة".
مرتضى الموسوي: من أهداف استخدام المسيّرات محاولة إسرائيل التخلص من عبء منظومات الدفاع الجوي الإيرانية
وبين الموسوي أن "الاحتلال زود مجموعاته العميلة بدرونات انتحارية من نوع أف بي في (FPV) وصواريخ سبايك الإسرائيلية الموجهة، والتي يتراوح مداها بين ثلاثة إلى سبعة كيلومترات، وتسمح بالمراقبة والتوجيه اللحظيين وحتى الاتصال بالأقمار الاصطناعية". وأشار إلى أن "الهجمات بدأت فجر الجمعة، 13 يونيو (الحالي)، بقصف من المسيّرات الانتحارية وصواريخ سبايك على منازل القادة في حارة الشهيد دقائقي بطهران"، مضيفاً أن "مجموعات عميلة تابعة للموساد تسللت في الوقت ذاته أو قبل العدوان على إيران إلى محيط نحو 30 قاعدة صاروخية هجومية ودفاعية في 15 محافظة، منها خرم آباد، كرمانشاه، همدان، أذربيجان الشرقية والغربية، خوزستان، وضواحي طهران وكرج". وأوضح أن "من أهداف استخدام الكواد كوبتر والمسيّرات، محاولة إسرائيل التخلص من عبء منظومات الدفاع الجوي الإيرانية الحديثة والكثيفة، لفتح ممرات جوية تمهد لاختراق المقاتلات الإسرائيلية الأجواء".
ولفت إلى أن "فرق العمليات الميدانية المعادية، والتي تألفت كل منها من ثلاثة إلى ستة عناصر، تمركزت مسبقاً على بعد عدة كيلومترات من قواعد الدفاع والهجوم الجوي وبعض المنشآت الحساسة الأخرى، وتخفت في تلك المواقع حتى لحظة بدء الهجوم. وما أن أعلن عن انطلاق الهجوم ودخول المقاتلات المعادية أجواء العراق، حتى باشرت تلك المجموعات باستهداف منظومات الرادار التي تشكل عين كل نظام دفاعي".
وأشار إلى أن "بعض الرادارات بعيدة المدى رصدت بالفعل اقتراب الطائرات الإسرائيلية من الأجواء العراقية، وفور صدور الإنذار، بدأت منظومات الدفاع الإيرانية بالخروج من مواقعها استعداداً لاعتراض الهجوم". وتابع الخبير العسكري أنه "مع محاولة إدخال أنظمة دفاعية متطورة من طراز سوم خرداد 15، وطبس، وباور 373، إلى قواعد الدفاع الجوي، بادرت الفرق الميدانية الإسرائيلية المتخفية منذ أيام حول القواعد إلى مهاجمتها بالمسيرات الانتحارية والكواد كوبتر وصواريخ سبايك المضادة للدروع"، موضحاً أن "هذا أدى للأسف إلى فتح ممر جوي غرب وشمال غرب البلاد، خصوصاً في منطقتي تبريز وكرمانشاه، تمهيداً لاختراق العمق الإيراني".
وأشار الموسوي إلى أن "المقاتلات الإسرائيلية عمدت بعد ذلك إلى قصف قواعد القوات البرية ومنصات الدفاع ومداخل المدن الصاروخية التابعة للحرس الثوري"، مؤكداً أن "هذه الهجمات لم تفلح في إلحاق تدمير بهذه المدن الصاروخية المحصنة تحت الأرض، لكنها استهدفت تعطيل أو إبطاء الوصول إليها عبر قصف مداخلها ومخارجها، إذ تحتوي تلك المدن على مئات الآلاف من الصواريخ، منها خرمشهر 4 المتطورة وعماد وغيرهما".

Related News

