أطفال بلا أوراق ثبوتية في سورية والمنفى
Arab
2 hours ago
share

في المخيمات وعشوائيات المدن السورية ودول اللجوء، يكبر آلاف الأطفال في الظلّ، محرومين من أبسط حقوقهم؛ الاعتراف بوجودهم قانونياً. وهؤلاء الأطفال وُلدوا وسط الحرب والنزوح والفقر، ولا يملكون أوراقاً ثبوتية تؤكّد هويتهم، الأمر الذي يضعهم في خانة "اللامرئيين" بالنسبة إلى مؤسسات الدولة والعالم.
ويُعَدّ الزواج غير المسجّل أحد الأسباب الرئيسية وراء هذه الظاهرة، إذ تزايدت في خلال سنوات الحرب حالات الزواج العرفي من دون تثبيت في المحاكم الشرعية، بسبب تعطّل مؤسسات الدولة، أو صعوبة الوصول إليها في بعض المناطق، وبالتالي لا يمكن تسجيل طفل رسمياً من دون عقد زواج قانوني يثبت نسبه.
إلى جانب ذلك تسبّبت الحرب السورية في نزوح آلاف العائلات داخل سورية وإلى خارجها، عدد كبير منها إمّا فقدت وثائقها الرسمية في أثناء ذلك وإمّا تلفت. وفي حالات عديدة، وُلد أطفال في دول اللجوء من دون تسجيل قانوني، أو إفادات ولادة غير معترف بها من قبل الدولة السورية.
تخبر سميرة قطان، نازحة سورية من ريف إدلب الجنوبي (شمال) تسكن في مخيم "الكرامة"، بالقرب من إعزاز (شمال)، "العربي الجديد": "أنجبت طفلي في خيمة من القماش، وسط البرد والطين. لم يكن يتوفّر أي مستشفى، فساعدتني امرأة متقدّمة في السنّ في الولادة"، مشيرة إلى أنّ "زوجي فُقد قبل أن نسجّل زواجنا رسمياً، في غياب المحاكم والقضاة وسط الفوضى". تضيف: "لم أكن أعرف حتى كيف أسجّل طفلي، أو إلى أين أذهب، وأنا لا أملك المال ولا الوثائق المطلوبة". وتتابع قطان: "طفلي يبلغ من العمر اليوم ستّة أعوام، وهو لا يذهب إلى المدرسة. وأنا أخاف أن يكبر بلا مستقبل وبلا شهادة وبلا اسم رسمي. حتى في المستشفى، في حال أُصيب بمرض، يسألون عن أوراقه، فيما هو غير موجود في نظر الدولة والعالم".
وتكمل قطان حديثها لـ"العربي الجديد"، وهي تنظر إليه يلعب بالتراب أمام الخيمة، وتتساءل "ما ذنبه؟ هو ضحية حرب لم يخترها وواقع لم يفهمه بعد". وتقرّ المرأة السورية: "أخاف أن يحلّ اليوم الذي يحتاج فيه إلى هوية فيُقال له: ليس لك مكان هنا. هذه ليست حياة، إنّه انتظار دائم في المجهول". وتلفت إلى أنّ "إعادة الإعمار ليست وحدها التحدّي الأساسي في سورية ما بعد الحرب، إنّما كذلك الاعتراف بأبناء هذه الأرض بوصفهم مواطنين كاملي الحقوق يحملون اسماً وهوية ولديهم مستقبل".
تقيم اللاجئة السورية، ربا الأسعد، في مدينة شانلي أورفا التركية منذ عام 2016، وهي أمّ لثلاثة أطفال وُلدوا جميعاً في تركيا من دون أن تتمكّن من تسجيلهم رسمياً. تخبر "العربي الجديد": "هربنا من ريف حلب تحت القصف، ولم نأخذ شيئاً سوى الملابس على أجسادنا. دخلنا تركيا بواسطة التهريب عبر الحدود، ولم نكن نحمل جوازات سفر ولا أوراقاً ثبوتية. كنت حاملاً بابنتي الكبرى حينها، وقد وضعتها في مستشفى صغير في ريف أورفا. ولأنّني لم أكن أحمل إقامة ولا بطاقة حماية مؤقتة (كيملك)، رفض المعنيون منحها شهادة ولادة رسمية".

وتلفت الأسعد إلى أنّ "ابنتي اليوم في الثامنة من عمرها، ولا تملك أي أوراق تثبت أنّها موجودة. وهي لم تلتحق بمدرسة، ولا تستطيع تلقّي لقاحاتها بانتظام، وفي حال أُصيبت بمرض أخاف من نقلها إلى المستشفى. وعند كلّ حاجز أو مراجعة، أشعر كذلك بالخوف، كأنّما نحن متّهمون دائماً، فقط لأنّنا بلا أوراق". وتتابع: "أولادي بلا هوية، وأنا كأمّ أشعر بالعجز والذنب يومياً. أشعر بأنّنا عالقون في مكان لا يرانا فيه أحد". وتشدّد اللاجئة السورية على أنّها تريد فقط أن يصار إلى الاعتراف بأطفالها "وأن تكون لهم أسماء في السجلات الرسمية، وأن يذهبوا إلى المدرسة مثل بقيّة الأطفال. أريد أن أطمئنّ عليهم، وأنّهم ليسوا منسيّين".
وما تعاني منه سميرة قطان وربا الأسعد مجرّد قصّتَين من آلاف القصص التي تروي معاناة السوريين مع فقدان الهوية، والتحديات القانونية والإنسانية التي تواجههم، ولا سيّما أنّ عدم توفّر الوثائق يحرم الأطفال من التعليم والصحة والحماية والميراث وحتى الحقّ في الزواج والعمل مستقبلاً، ويحوّل حياة الأمهات إلى مسلسل قلق وانكسارات يومية.
في سياق متصل، تعلو أصوات الأهالي والحقوقيين المطالبة بآلية وطنية وأخرى دولية تضمنان تسجيل الأطفال بأثر رجعي، لتفادي مزيد من الانهيار في البنية الاجتماعية. وتحذّر منظمات حقوقية من أنّ هذا الجيل من الأطفال بلا هوية يمثّل قنبلة اجتماعية موقوتة، في حال لم تُتَّخَذ خطوات عاجلة لمعالجة أوضاعهم القانونية.

ويقول الناشط الحقوقي لؤي حمدان لـ"العربي الجديد" إنّ "ظاهرة الأطفال غير المسجّلين واحدة من أخطر تبعات النزاع في سورية"، مشيراً إلى أنّها "تتفاقم بصمت. فعدم تسجيل الزواج في المحكمة يؤدّي تلقائياً إلى عدم تسجيل المواليد الناتجين عنه، وبالتالي يكون هؤلاء الأطفال عديمي الجنسية، وغالباً ما يُستَغَلّون في العمل أو التسوّل".

يضيف حمدان: "نحن أمام جيل مهدّد بالحرمان من كلّ الحقوق الأساسية. والمشكلة ليست قانونية فحسب، بل هي إنسانية في جوهرها"، ويطالب "الحكومة السورية الجديدة ومنظمات المجتمع المدني والأمم المتحدة باتّخاذ خطوات سريعة لتسوية أوضاع هؤلاء الأطفال عبر إتاحة آليات استثنائية لإثبات النسب، حتى في غياب عقد زواج رسمي"، مشدّداً على ضرورة "ألا تصطدم العملية بتعقيدات قانونية وبيروقراطية. لا بدّ من تبسيط إجراءات التثبيت القانوني، وتفعيل المحاكم، وتوفير حلول خاصة للأطفال مجهولي النسب أو مجهولي الأب أو الأم، لتجنيبهم حياة التهميش، خصوصاً أنّ هؤلاء الأطفال لم يختاروا أن يولدوا بلا أوراق؛ هم ولدوا في الزمان والمكان غير المناسبَين".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows