
بعد ما يقارب أحد عشر عاماً من اندلاع الصراع في اليمن، تتفاقم معاناة الملايين في ظل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ويُعد المأوى أحد أبرز التحديات التي تواجه السكان، لاسيما النازحين وأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية، إذ أدّى الصراع المستمر إلى تدهور البنية التحتية وترك عشرات الآلاف من الأسر في خيام مؤقتة أو مبانٍ مدمرة تفتقر إلى مقومات الحياة الآمنة.
وفي ظل انعدام الأمن وتفاقم آثار تغيّر المناخ، مثل الفيضانات والعواصف الترابية او الانهيارات واضطراب درجات الحرارة، بات الحصول على مأوى لائق أمراً بالغ الصعوبة، مع دخول النزاع عقداً جديداً وتصاعد حالات النزوح وشح الموارد، مما يهدد سبل العيش ويزيد من هشاشة المجتمعات المحلية.
ووفقاً لخطة الاحتياجات الإنسانية والاستجابة لعام 2025 الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يُقدَّر عدد النازحين داخلياً في اليمن بـ 4.8 مليون شخص، بينهم 1.6 مليون يعيشون في مواقع نزوح غير مخططة أو مكتظة، كما يحتاج أكثر من 7.5 مليون شخص إلى مساعدات تتعلق بالمأوى، يعيش ما يقرب من 70% منهم في ظروف توصف بالكارثية.
مواد ذات صلة
-
سُكان المنازل القديمة.. معاناة صامتة بسبب الأمطار
-
الفيضانات تعمّق جراح اليمنيين
-
قرى الخَلل جنوب تعز: مساكن تحت تهديد الصخور

معاناة مزدوجة
في مواقع النزوح المنتشرة، تعيش أعداد كبيرة من الأسر في ملاجئ مؤقتة تفتقر إلى الحد الأدنى من الحماية من العوامل الجوية، مما يعرضهم لظروف جوية قاسية من برد قارس في الشتاء وحر شديد في الصيف.
ويتجلى ذلك بوضوح في محافظة مأرب، إحدى أكثر المحافظات تأثراً بالنزوح، حيث تتفاقم معاناة الأسر النازحة عاماً بعد عام بسبب تدهور قيمة العملة الوطنية، وتقلبات المناخ، وتراجع حجم المعونات الإنسانية المقدمة.
يقول أحمد، وهو نازح من مديرية الجوبة، إنه اضطر مع أسرته المكونة من تسعة أطفال وزوجته للإقامة في موقع الخربة للنازحين في مديرية ماهلية، حيث أمضوا شهوراً في مأوى من أغطية بلاستيكية ممزقة لا تقيهم من الرياح أو المطر، مما عرض الأسرة خاصة الأطفال لخطر التعرض لعوامل الطقس القاسية وعدم الاستقرار، وفق ما نشرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
“كان أطفالي يرتجفون طوال الليل، وعندما تمطر، لم نكن نجد مكانًا جافاً نختبئ فيه”، يقول أحمد، مضيفاً: “عندما تهب الرياح، كنا نخشى أن ينهار المأوى علينا تماماً”.
تحسنت أوضاعهم لاحقاً بفضل وحدة المأوى الانتقالية التي وفرت لهم جدراناً وأسقفاً عازلة، وأبواباً ونوافذ معدنية، لكن حال أحمد لا يمثل استثناءً، بل يعكس واقع عشرات الآلاف من الأسر النازحة التي تبدأ معاناتها من لحظة العثور على مأوى مؤقت، لا تنتهي عنده.
مواقع هشّة ومخاطر متزايدة
رغم التدخلات الإغاثية المحدودة، لا يزال الوضع في مواقع النزوح هشاً للغاية، ووفقاً لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن 40% من هذه المواقع معرضة لمخاطر الفيضانات أو الحرائق، خاصةً في ظل التغيرات المناخية الحادة وسوء تخطيط مواقع الإيواء.
نجيب السعدي، رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في البلاد، أعرب عن أسفه لاستمرار المخاطر، مشيراً إلى أن الحديث عنها بعد كل هذه السنوات يُعد “أمراً مخجلاً” ودليلاً على فشل المنظمات الإنسانية في إيجاد حلول جذرية.
وأعاد السعدي، في تصريحات سابقة لصحيفة “الشرق الأوسط”، التذكير بأن العديد من المخيمات أُنشئت بشكل عشوائي من قبل النازحين أنفسهم، خاصة قبل عام 2019، ما أدى إلى إقامتها في مجاري السيول، وهو ما يُعد تحدياً كبيراً أمام جهود الحماية.
وقال إن نقل هذه المخيمات إلى مواقع أكثر أماناً يصطدم بعدة عوائق، أبرزها غياب التمويل الكافي ورفض بعض النازحين الانتقال بسبب ارتباطهم بمصادر رزقهم وأماكن عملهم في المناطق الحالية.
ويهدد شح التمويل الإنساني يهدد استمرارية هذه المشاريع؛ إذ لم يُؤمن حتى مايو 2025 سوى 9% من متطلبات خطة الاستجابة الخاصة بالمأوى، ما يعني أن آلاف الأسر الأخرى قد تُترك دون دعم، لا سيما في محافظات مثل مأرب والحديدة، تعز، وحجة، حيث تتزايد حالات النزوح الداخلي.
حرائق متكررة وأرقام مقلقة
تستمر الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في إطلاق التحذيرات بشأن هشاشة إجراءات السلامة في مخيمات النزوح بمحافظة مأرب التي تضم أكثر من 200 مخيم، وشهدت خلال السنوات الماضية عشرات الحرائق التي أسفرت عن خسائر بشرية ومادية جسيمة.
وتشير الوحدة إلى أن 113 مخيماً لا تحتوي على أي طفايات حريق، فيما تضم 93 مخيمًا طفاية أو اثنتين فقط في كل مربع سكني، رغم أن الحاجة الفعلية تُقدّر بأكثر من 12 طفاية لكل مربع لضمان الحد الأدنى من السلامة.
وبحسب الوحدة التنفيذية، فقد تم تسجيل أكثر من 500 حادثة حريق في المخيمات خلال العقد الأخير، نتج عنها وفاة وإصابة ما يزيد عن 100 شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، في ظل ضعف قدرات الدفاع المدني وارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف.
وفي تقريرها السنوي لعام 2024 (أصدرته الشهر فائت) أشارت الوحدة إلى أن نحو 1.1 مليون نازح يعانون من انعدام الأمن الغذائي، من أصل 2,132,913 نازحاً موزعين داخل وخارج المخيمات، في ظل غياب فرص العمل، وتراجع مصادر الدخل، وضعف مشاريع سبل العيش، كما أفادت بأن أكثر من 128,420 أسرة بحاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة ودائمة.
وتُعد مأرب أكبر تجمع سكاني للنازحين في اليمن، حيث تضم وفقاً للتقرير ذاته نحو 488,145 نازحاً داخل المخيمات، و1,644,768 نازحاً خارجها، نتيجة موجات النزوح المتتالية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة جراء النزاع المسلح.
وتدعو الحكومة إلى تبنّي حلول دائمة لمعالجة أزمة النزوح، تتجاوز التدخلات المؤقتة والطارئة، من خلال تخطيط مواقع الإيواء بشكل مدروس، وبناء مخيمات آمنة تراعي المعايير البيئية والمناخية لتقليل المخاطر على السكان.
وتطالب الجهات الرسمية بتمكين مؤسسات الدولة لتقود العمل الإنساني، بدءاً من التخطيط وتحديد الأولويات، مروراً بالتنفيذ، ووصولاً إلى تقييم التدخلات، على أن يكون دور المنظمات الدولية مكملاً، لا بديلاً عن الدولة، مع تقديم الدعم الفني وبناء القدرات.
المأوى في الريف
لا يقتصر انعدام المأوى في اليمن على النازحين والفارين من مناطق النزاع فحسب، رغم أنهم الفئة الأكثر تضرراً، بل يمتد ليشمل سكان القرى النائية والمناطق الريفية في مختلف المحافظات، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الجبلية مثل ريمة، والمحويت، وإب، وذمار، حجة، إضافة إلى السكان في السهول والمناطق الساحلية مثل الحديدة.

وتتفاقم معاناة هؤلاء السكان على مدار العام، خصوصاً أن مساكنهم شُيّدت بطرق بدائية وتقليدية، ما يجعلها شديدة الهشاشة في مواجهة تغيرات الطقس، لا سيما خلال مواسم الأمطار. فمع غياب البنية التحتية والخدمات الأساسية في تلك القرى، تصبح هذه المناطق عرضةً لكوارث متكررة، أبرزها الانهيارات الأرضية والصغرية والسيول الجارفة.
وتؤدي الأمطار الغزيرة إلى تدمير آلاف المنازل المبنية من الطين والحجارة والاخشام (مواد محلية)، وهي مواد لا تصمد أمام ظروف الطقس القاسية، وقد سُجلت حالات وفاة وإصابات بالآلاف في عدة محافظات يمنية.
وتكون منازل سكان الأرياف والمناطق الجبلية غالباً بعيدة عن مراكز الإغاثة وفرق الإنقاذ، وإن وُجدت، فإن الوصول إليها يكون في غاية الصعوبة، مما يعقّد عمليات الإغاثة ونقل المصابين، ويزيد من حجم المأساة الإنسانية في تلك المناطق.
وتعد مأساة منطقة ملحان في محافظة المحويت ووصاب في محافظة ذمار نموذجاً لما خلفته الأمطار من دمار في العام الماضي وصعوبة الوصول إليها، الذي تطلب أيام، كما لا تزال قرية الخشابي، الواقعة شرق محافظة إب، مهددة بانهيار كلي، نتيجة انزلاقها المتواصل وانشقاقها عن الجبل، وهي تصدعات تتوسع بمرور الوقت.
وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد تسببت الفيضانات خلال عام 2024 في أضرار جسيمة طالت نحو 34,709 مأوى، بينها 12,837 مأوى تضررت جزئياً، فيما دُمّر 21,872 مأوى بالكامل.
وأودت الفيضانات بحياة 240 شخصاً، وأصابت 635 آخرين خلال موسم الأمطار، الذي امتد من أبريل إلى مايو، ثم من يوليو وحتى نهاية سبتمبر، وقد تأثرت 20 محافظة من أصل 22 في الموسم الفائت، وتضرر ما لا يقل عن 655,011 شخصاً ينتمون إلى 93,573 أسرة.
وفي ظل استمرار الصراع وتفاقم آثار التغير المناخي، تبقى أزمة المأوى في اليمن من أبرز مظاهر الأزمة الإنسانية المتصاعدة. ومع استمرار ملايين النازحين في العيش ضمن ظروف معيشية بالغة الهشاشة، فإن توفير مأوى آمن وكريم لم يعد ترفاً، بل ضرورة إنسانية عاجلة، تمثل حجر الزاوية لأي استجابة فعالة وشاملة.
وفي ختام هذه المادة، لا بد من التذكير بأن المأوى ليس مجرد جدران وسقف، بل هو بداية الطريق نحو حياة أكثر استقراراً، وخطوة أولى نحو استعادة الكرامة لملايين اليمنيين الذين شردتهم الحرب المستمرة منذ أواخر عام 2014، وفاقمت معاناتهم تقلبات المناخ القاسية.
The post يمنيون بلا مأوى يواجهون النزوح وتقلبات المناخ first appeared on ريف اليمن.