
تحولت مدينة طابا المصرية، الواقعة على الحدود مع الأراضي المحتلة، إلى نقطة محورية في حركة "النزوح الجماعي" للإسرائيليين، إذ باتت بمثابة "بوابة نجاة" للهاربين من التصعيد العسكري المتفاقم بين تل أبيب وطهران، خصوصاً بعد الضربات الإيرانية التي طاولت منشآت إسرائيلية استراتيجية وإغلاق المجال الجوي الإسرائيلي لفترات مؤقتة.
ويشهد معبر طابا منذ أيام تدفق آلاف الإسرائيليين والأجانب، بينهم دبلوماسيون وموظفون دوليون، سعوا لعبور الحدود نحو الأراضي المصرية بهدف الخروج لاحقاً إلى أوروبا أو دول أخرى، عبر مطار شرم الشيخ. وتزامن ذلك مع نشاط محموم داخل السفارات الأجنبية بالقاهرة، التي تواصلت مع السلطات المصرية لتأمين عمليات إجلاء واسعة.
وأكد مصدر دبلوماسي أوروبي في القاهرة لـ"العربي الجديد" أن "الخارجية المصرية تعاملت باحترافية عالية مع طلبات الإجلاء، ووفرت ممرات آمنة بالتنسيق مع الجهات الأمنية"، مضيفاً أن "السرعة في الاستجابة المصرية عكست وعياً بحساسية الموقف وأهمية الدور المصري في التهدئة الإقليمية". ورغم هذا الدور الرسمي الفاعل، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي والأحاديث في الشارع المصري موجة من الرفض الشعبي لقدوم الإسرائيليين إلى سيناء، حيث يرى كثيرون أن السماح لهم بالعبور والإقامة المؤقتة تطبيع واقعي مرفوض، خصوصاً في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية. ورأى ناشطون أن ما يحدث يُظهر مفارقة صادمة: "الفلسطيني محاصر والسلطات المصرية تمنع قوافل كسر الحصار، والإسرائيلي مرحب به في فنادق سيناء".
وقال الباحث والمفكر السياسي ومؤسس حركة "مصريون ضد الصهيونية"، محمد سيف الدولة، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "ما يجري اليوم من تسهيلات دخول الإسرائيليين إلى سيناء يعيد إلى الأذهان نظام الامتيازات الأجنبية الذي فُرض على مصر خلال الاحتلال البريطاني. فهل يعلم المصريون أن الإسرائيليين يتمتعون بامتيازات سياحية خاصة داخل الأراضي المصرية؟ في الواقع، هناك اتفاق رسمي موقع بين مصر وإسرائيل بتاريخ 26 فبراير/ شباط 1989، ينص على إعفاء السائحين الإسرائيليين القادمين إلى جنوب سيناء عبر معبر طابا من الحصول على تأشيرة دخول، ويُسمح لهم بالبقاء لمدة 14 يوماً دون رسوم، مع ختم جوازات سفرهم على ورقة منفصلة بناءً على طلبهم، أو بختم عادي، ودون إلزامهم بأي قيود جمركية حقيقية، حيث تقتصر عمليات التفتيش الجمركي على إجراءات عشوائية".
وأضاف سيف الدولة: "لم يفهم المصريون قط الأسباب التي دفعت الدولة المصرية إلى قبول هذا الوضع الاستثنائي، الذي يمنح الإسرائيليين امتيازات لا تتمتع بها أي جنسية أخرى، خصوصاً أن إسرائيل هي العدو التاريخي والوجودي الذي اعتدى علينا مرتين عام 1956 و1967، ولم يغادر سيناء إلا بالقوة العسكرية أو بموجب اتفاقية السلام، التي فُرضت علينا فيها قيود أمنية وعسكرية صارمة في أراضينا، وتحديداً في سيناء". ويشير إلى أنه "حتى بعد أن انتصرت مصر في النزاع الحدودي بشأن طابا، وصدر حكم نهائي من هيئة التحكيم الدولية في 29 سبتمبر/أيلول 1988، لم نرَ مراجعة حقيقية لهذه الترتيبات. الأطماع الصهيونية في سيناء لم تتوقف يوماً، وقد عبّر عنها قادتهم منذ توقيع اتفاقية السلام، حين صرح مناحيم بيغن بأن إسرائيل "ستعود إلى سيناء عندما يتوفر ثلاثة ملايين يهودي لاستيطانها"، كذلك قال الوزير الصهيوني آفي ديختر عام 2008 إن "الانسحاب من سيناء كان مشروطاً بضمانات أميركية تتيح العودة في حال تغيُّر النظام المصري، بما لا يخدم المصالح الإسرائيلية".
وشدد المفكر السياسي على أن "الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الامتيازات القانونية الممنوحة للإسرائيليين، بل في ما يترتب عن ذلك من اختراق أمني وتجسسي وتجنيد ناعم يتم على أرض الواقع، عبر التواصل والاحتكاك بين آلاف السائحين الإسرائيليين والمواطنين المصريين على شواطئ جنوب سيناء، في وقت يُفرض فيه حصار خانق على الفلسطينيين الراغبين في عبور معبر رفح، وتُمارس عليهم قيود أمنية مشددة لا تُفرض على غيرهم". وختم قائلاً: "إن منح كل هذه التسهيلات والمكافآت لمواطني دولة الاحتلال، بينما يتواصل العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، أمر لا يمكن أن يقبله أي ضمير وطني. هذا الوضع لا يستفز المشاعر فقط، بل يهدد الأمن القومي، ويعكس ازدواجية صادمة في التعامل الرسمي، وهو ما يغذي حالة من الغضب الشعبي الحقيقي تجاه السياسات الرسمية المتعلقة بالعلاقة مع إسرائيل".
وفي الجانب الاقتصادي، أظهرت التقارير ارتفاعاً مفاجئاً في نسب الإشغال الفندقي في طابا وشرم الشيخ، وهو ما قد يُفسَّر للوهلة الأولى بأنه مؤشر على انتعاش السياحة. لكن مسؤولاً سياحياً تحدث لـ"العربي الجديد" قال: "هذه إشغالات شبه وهمية؛ الإسرائيليون لا يقيمون سوى ليلة أو اثنتين على الأكثر، قبل السفر إلى أوروبا أو العودة عبر دول ثالثة. شرم الشيخ وطابا ليستا وجهة، بل مجرد محطة عبور مؤقتة"، وأضاف أن القطاع لا يستفيد فعلياً من هذه الموجة إلا بشكل هامشي، وسط غياب خطط لاستثمار هذا التدفق في مسارات تنشيط سياحي حقيقية.
ورغم أن مصر لطالما لعبت دور الوسيط بين تل أبيب وطهران عبر القنوات الدبلوماسية غير المباشرة، فإن الأزمة الحالية أبرزت تحولاً في موقعها من مجرد وسيط إلى لاعب مؤثر في "إدارة التداعيات الإنسانية والأمنية". وبينما عجّت وسائل الإعلام ومجموعات التواصل الإسرائيلية بدعوات السفر إلى جنوب سيناء، وسط تصعيد عسكري خطير في المنطقة، كشف الواقع الحدودي في معبر طابا مفارقة لافتة تتجاوز الأمن والسياحة، لتطرح تساؤلات عميقة عن العدالة في حرية التنقل، وتطبيق الاتفاقات الثنائية بين مصر وإسرائيل.
وفي منشور لافت على مجموعة "محبي سيناء"، كتب المستوطن الإسرائيلي ومسؤول المجموعة، غي شيلو: "نحن نشعر بأمان كبير في سيناء، والسفر إليها خيار ممتاز، تعالوا وارجعوا، فالحياة تستمر حتى في زمن الحرب". وفي الخلفية، كانت الحافلات تقل مئات الإسرائيليين الهاربين من القصف إلى طابا، ليعبروا بسلاسة إلى شرم الشيخ أو القاهرة أو أوروبا. ولكن في المقابل كتبت "رابطة المصريين في إسرائيل" منشوراً من زاوية أخرى، قالت فيه: "إن حرية التنقل حق بسيط ممنوح للإسرائيلي، وممنوع على المواطن المصري المقيم في إسرائيل بشكل قانوني!".
ورغم أن اتفاقية كامب ديفيد، وما تبعها من تفاهمات ثنائية، تنص على السماح بدخول السياح الإسرائيليين إلى جنوب سيناء دون تأشيرة لمدة تصل إلى 14 يوماً، مقابل تسهيلات مماثلة للمصريين في اتجاه إيلات، إلا أن الواقع العملي يكشف تطبيقاً انتقائياً. فالإسرائيلي يدخل ويخرج بحرية، بينما يُجبر المصري المقيم في إسرائيل، وإن كان يعيش هناك بشكل شرعي، وخرج من مصر بتصاريح رسمية، على المرور عبر القاهرة للحصول على تصريح أمني قد يستغرق أسابيع أو شهوراً، دون أي ضمان لإصداره. وفي هذه الفترة قد يفقد عمله، أو تتفكك أسرته، أو يُمنع نهائياً من العودة إلى حياته التي بناها على الجانب الآخر.
وقالت صفحة "المصريين" إنه "في الوقت الذي هرعت فيه سفارات الإمارات والأردن والبحرين والمغرب إلى إجلاء رعاياها من إسرائيل وتيسير عبورهم إلى مصر عبر طابا، يبقى المصري المقيم هناك في موقع الاستثناء السلبي، ممنوعاً من العودة المؤقتة إلى بلده عبر أقرب معبر بري، رغم أن القانون والاتفاقات والدستور المصري لا تمنعه"، وأضافت: "تحذر إسرائيل مواطنيها من التوجه إلى سيناء، لكنها لا تمنعهم. تسجل التحذير وتترك القرار للمواطن. أما مصر، فتحذر وتمنع وتماطل، خصوصاً إذا كان طالب الدخول مصرياً يعيش في إسرائيل".

Related News
