العودة إلى الخراب... سوريون بلا خبز ولا كهرباء ولا دواء
Arab
4 hours ago
share

تبدو البنية التحتية شبه منهارة في العديد من المدن والبلدات السورية، فشبكات المياه والصرف الصحي معطلة، وكذا مراكز الرعاية الصحية، فيما تغيب الخدمات البلدية الأساسية، كترحيل القمامة وتأمين الكهرباء.
عادت السورية مريم المصطفى إلى بلدتها الريفية في ريف إدلب الجنوبي، وتقول: "عدنا على أمل أن نعيش بكرامة، لكننا لم نجد شيئاً، فلا مركز صحي ولا أفران خبز، وحتى لو أردنا تجهيز الخبز على التنور في البيت، فإن الكهرباء غير متوفرة. كنا نظن أن شيئاً قد تغير، لكننا وجدنا البيوت مهدمة، والشوارع مليئة بالحفر، والمياه مقطوعة، ونضطر إلى شرائها بمبالغ باهظة من صهاريج المياه، حتى إن المدارس لم تفتح أبوابها، وبات أطفالنا بلا تعليم".
وتضيف: "نعيش حياة شبه بدائية، إذ نغلي الماء قبل شربه، ونبحث عن الحطب للخبز، وإذا مرض أحد أفراد الأسرة، نقطع مسافات طويلة للوصول إلى نقطة طبية، وغالباً ما تكون تكاليف العلاج فوق طاقتنا. انتقلنا من ضنك المخيمات إلى جحيم البلدات المدمرة، ولا نطلب الكثير، فقط نريد الحد الأدنى من الأمان والخدمات".
وفي ظل غياب الخدمات الرسمية، يضطر السكان إلى القيام بمهام البلديات في بيئة تفتقر إلى أدنى درجات النظافة. يقول خالد الدامور، من مدينة كفرنبل، لـ" العربي الجديد": "نقوم بترحيل القمامة إلى خارج المدينة، فلا وجود للبلدية، وإذا لم نفعل ذلك، فستتكدس القمامة، وتصبح الروائح لا تطاق، ويملأ الذباب المكان، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض. كل عائلة تتخلص من نفاياتها في أقرب أرض فارغة، من دون أي رقابة أو تنظيم، ومع غياب المراكز الطبية، أصبح الوضع الصحي خطيراً، والمراكز القريبة مغلقة أو خالية من الأدوية".
ويشير إلى وفاة امرأة في حي مجاور بعدما أصيبت بجلطة قلبية مفاجئة ليلاً، ولم يتمكن أهلها من إسعافها، كون أقرب مشفى يبعد عشرات الكيلومترات. ويوضح: "لا أحد يلتفت إلينا، لا الحكومة ولا المنظمات، ونعمل من الفجر حتى المساء لنؤمن الخبز والماء، وفي الليل نستخدم ضوء الشموع أو الطاقة الشمسية التي بالكاد تكفي لإنارة غرفة واحدة. لسنا طامعين في الرفاهية، بل نريد بيئة نظيفة، وكهرباء وماء، وخدمات طبية، فهذه أبسط حقوقنا".
واصطدم الشباب العائدون من النزوح بواقع يغيب فيه الأمل، وتضيع فيه الفرص. من بين هؤلاء أمينة علولو التي تقول: "كنا نظن أن العودة ستكون بداية جديدة، لكن الواقع كان مختلفاً. وجدنا الدمار كما هو، والمدارس مهدمة، والطرقات مليئة بالركام، فلا خدمات ولا حتى محل صغير نشتري منه الحاجيات الأساسية. كنت أطمح بالعودة إلى الدراسة، لكن المدرسة لا تزال مغلقة، وأخي الصغير يقضي يومه في اللعب بين الأنقاض، ونشعر كأننا غير مرئيين، أو كأن منطقتنا غير موجودة على الخريطة، حتى إننا بدأنا نفكر بالرحيل مجدداً، لكننا لا نعلم إلى أين".

ويوجه السكان استغاثات إلى الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية لإعادة تأهيل الخدمات الأساسية، قبل أن تتحول العودة إلى مأساة جديدة. يقول الناشط المدني أيمن الدروبي: "ما يحدث في مناطق عودة النازحين هو استمرار لحالة الإهمال المزمن. ليست هناك خطة واضحة لإعادة تأهيل هذه المناطق رغم استمرار دعوة السكان للعودة، وبالتالي عاد الناس إلى أماكن تفتقر إلى أدنى شروط الحياة الكريمة".
ويوضح لـ"العربي الجديد": "الأمر لا يقتصر على غياب الخدمات، بل يشمل انعدام البيئة الآمنة، سواء الصحية أو التعليمية أو المعيشية، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول، ويهدد بانهيار أي محاولة للاستقرار أو إعادة الإعمار الذاتي. ينبغي اعتماد مقاربة عاجلة تشمل تشكيل غرف طوارئ محلية بالتعاون بين المجالس المحلية والمنظمات الإنسانية، والبدء بعمليات إسعافية، كترحيل القمامة، وتأمين مياه الشرب، وإعادة تأهيل النقاط الطبية، ومن المهم تفعيل برامج (النقد مقابل العمل)، كي يُشرَك السكان في تنظيف وترميم بلداتهم بمقابل مادي، ما يوفر لهم مصدر دخل مؤقتاً، ويدعم الاستقرار الاجتماعي".
يتابع الدروبي: "ننتظر توفير الدعم اللوجستي للمدارس، حتى وإن كانت مؤقتة، وتشجيع التعليم المجتمعي ريثما يعاد تأهيل البنى التحتية التربوية، كما ينبغي الضغط على الجهات المانحة لتمويل مشاريع صغيرة للطاقة الشمسية، والمخابز المجتمعية، فهي حلول قابلة للتنفيذ سريعاً. إذا لم يتم التحرك، فإن الكثير من العائلات ستجد نفسها مجبرة على النزوح مجدداً، وهذه المرة من دون أمل بالعودة".
وحتى يناير/كانون الثاني الماضي، كان أكثر من 3.4 ملايين نازح يعيشون في مناطق شمال غربي سورية، بما في ذلك نحو مليونين في 1500 مخيم وموقع نزوح في محافظتي إدلب وحلب، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وكشفت المتحدثة باسم المفوضية سيلين شميت، في حديث مع صحافيين في العاصمة دمشق، أن نية العودة موجودة لدى كثير من النازحين في إدلب، حيث أعربت اثنتان من كل ثلاثة أسر شملهم استطلاع عن الرغبة في العودة إلى ديارهم.

وأضافت شميت: "إذا بدأت حركة العودة هذه، فقد يرتفع عدد سكان منطقتي معرة النعمان وكفر نبل من ثلاثة آلاف إلى 130 ألف فرد، وبشكل عام، قد تشهد 23 منطقة تضاعف عدد سكانها، ما يضع ضغوطاً إضافية على البنية التحتية والخدمات المنهكة. خلال زيارة قمنا بها إلى مواقع نزوح في إدلب وحلب، تأكدنا من عزم النازحين على العودة إلى ديارهم لإعادة بناء حياتهم، ولكي تكون عودتهم كريمة ومستدامة، فإنهم يحتاجون إلى السكن والوظائف والمدارس والمستشفيات والكهرباء والمياه النظيفة، كما يحتاجون إلى دعم واسع النطاق لإزالة الألغام والمخلفات الحربية، وهي أكبر مخاوفهم الأمنية".
وتؤكد المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين أن سورية تحتاج إلى دعم عاجل لإعادة الإعمار بعدما دمرت سنوات الصراع الاقتصاد والبنية التحتية، ما جعل نحو 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية. مشيرة إلى أن هناك فرصة تاريخية، وعلى المجتمع الدولي الالتزام بدعم السوريين من خلال دعم الجهات الإنسانية، والاستثمار في التعافي المبكر، وبالتالي إنهاء أكبر أزمة نزوح في العالم.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows