انحياز "بي بي سي" لإسرائيل في 35 ألف مادة
Arab
4 hours ago
share

وثق مركز الرصد الإعلامي التابع لمجلس المسلمين البريطاني (CfMM) انحيازاً منهجياً في تغطية هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حربَ الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد تحليل اللغة التحريرية، وكذلك الأصوات المختلفة التي أعطيت مساحة في البرامج الحوارية.

التقرير الذي أصدره المركز في 16 يونيو/حزيران الحالي تحت عنوان BBC On Gaza‑Israel: One Story, Double Standards (بي بي سي عن غزة وإسرائيل: سردية واحدة، معايير مزدوجة) تناول الفترة من 7 أكتوبر 2023 حتى 6 أكتوبر 2024، مستنداً إلى تحليل أكثر من 35 ألف مادة إعلامية، تشمل مقالات مكتوبة وتقارير تلفزيونية من كافة المنصات التابعة لـ"بي بي سي".

أرقام تفضح تحيز "بي بي سي"

أشار التقرير إلى أن عدد الشهداء الفلسطينيين خلال الفترة التي تناولها كان قد تجاوز 42 ألف شهيد، مقابل 1246 قتيلاً إسرائيلياً. وعلى الرغم من هذا التفاوت، وجد التقرير أن "بي بي سي" منحت تغطية أكبر بكثير للقتلى الإسرائيليين، فحصل الشهداء الفلسطينيون على تغطية أقل بـ33 مرة في المقالات و19 مرة في البث التلفزيوني، مقارنة بما حظي به القتلى الإسرائيليون. وعلى صعيد القصص الشخصية أو "البروفايلات الإنسانية"، سجل التقرير 279 قصة شخصية للشهداء الفلسطينيين، مقابل 201 للقتلى الإسرائيليين. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يبدو متقارباً، إلا أنه يبدو متحيزاً إذا ما أخذ بعين الاعتبار إجمالي عدد الشهداء الفلسطينيين، كما أن التفاصيل التي تضمنتها التقارير عن الإسرائيليين كانت أعمق وأكثر شخصية، شملت أسماء وصوراً دقيقة وحكايات عائلية، ما ساهم في إضفاء طابع إنساني قوي عليهم في مقابل حرمان الفلسطينيين من ذلك. ولم يذكر عدد الشهداء الفلسطينيين في العناوين إلا ضعف عدد مرات ذكر القتلى الإسرائيليين، رغم أن عددهم أكبر بـ34 مرة. كما استخدمت "بي بي سي" توصيف "وزارة الصحة التي تديرها حماس" 1155 مرة، ما أعطى انطباعاً عن التشكيك في مصداقية الأرقام الصادرة عن الجهات الفلسطينية.

انحياز في اللغة

وجد التقرير أن "بي بي سي" استخدمت لغة أكثر عاطفية وأشد وقعاً لوصف القتلى الإسرائيليين، مثل "brutal" (وحشي)، و"massacre" (مجزرة)، و"slaughter" (مذبحة)، و"barbaric" (همجي)، و"murder" (قتل عمد). ووردت كلمة "massacre" (مجزرة) 18 مرة لوصف مقتل إسرائيليين، بينما لم تُستخدم تقريباً في سياق تغطية الشهداء الفلسطينيين. وأظهر أن "بي بي سي" كررت وصف الهجمات على الإسرائيليين بالمصطلحات الدرامية أربع مرات أكثر من استخدامها عند الحديث عن الفلسطينيين، فيما استُخدمت كلمة "murder" في 220 مرة في سياق القتلى الإسرائيليين مقابل مرة واحدة فقط للفلسطينيين. التحليل اللغوي أظهر كذلك تمييزاً في مفردات وصف الأسرى والرهائن، إذ استخدمت "بي بي سي" كلمة "hostage" (رهينة) لوصف كل من الإسرائيليين الرهائن لدى حركة حماس، بينما استخدمت مصطلح "prisoner" (سجين) لوصف الفلسطينيين الأسرى في السجون الإسرائيلية، حتى في حالات الاعتقال الإداري التي لا تستند إلى تهم واضحة.

هذا التباين في اللغة لم ينحصر في الكلمات، بل شمل أيضاً الإطار القانوني، إذ جرى تجاهل استخدام مصطلحات مثل "الإبادة الجماعية" عند الحديث عن غزة، رغم أن "بي بي سي" استخدمت هذه المصطلحات بشكل واسع عند تغطية الحرب الروسية على أوكرانيا. كما لم تتطرق "بي بي سي" بشكل كافٍ إلى تصريحات أدلى بها مسؤولون إسرائيليون تتضمن إشارات ودعوات إلى ارتكاب إبادة، مثل تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي شبّه الفلسطينيين بـ"عماليق"، وهو توصيف تاريخي يبرر الإبادة الكاملة في النصوص التوراتية.

الصوت الإسرائيلي أعلى

من حيث التمثيل في الآراء والمقابلات، أجرت "بي بي سي" مقابلات مع 2,350 متحدثاً إسرائيلياً، مقابل 1,085 فلسطينياً فقط، وهو ضعف العدد تقريباً. ظهر هذا الاختلال أيضاً في البرامج الحوارية، إذ تبنت "بي بي سي" الرواية الإسرائيلية 2,340 مرة، مقابل 217 مرة فقط للرواية الفلسطينية.

ازدواجية في التغطية

الجزء المقارن من التقرير كشف أن "بي بي سي" كانت أكثر حزماً في تغطيتها الحرب في أوكرانيا، حيث استخدمت مصطلحات مثل "جرائم حرب" و"إبادة جماعية" بنسبة أكبر، كما أولت اهتماماً أكبر للناشطين الحقوقيين والمدنيين المتضررين. وفي المقابل، تعاملت التغطية مع غزة باعتبارها موضوعاً أمنياً أو عسكرياً بحتاً، مع تجاهل واسع للأبعاد الإنسانية والسياسية والقانونية. كما أن "بي بي سي" أرفقت التبرير الإسرائيلي العسكري بنسبة 75% من حالات التغطية، مقارنة بـ17% فقط للتبرير الروسي في أوكرانيا، ما يعكس تحيزاً واضحًا في تناول الروايات الرسمية. كما أن "بي بي سي" ذكرت فقط 6% فقط من الصحافيين الفلسطينيين الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي في غزة، والذين كان عددهم 176 صحافياً خلال الفترة التي تناولها التقرير. في المقابل، غطت "بي بي سي" 62% من الصحافيين القتلى في أوكرانيا.

ممارسات تحريرية مثيرة للجدل

كشف التقرير أيضاً عن حالات حذف أو تهميش تصريحات تنتقد إسرائيل، أو عن استبعاد تفاصيل تخص ضحايا فلسطينيين خوفاً من التأثير العاطفي على الجمهور. كما أشار إلى شهادات موظفين سابقين في "بي بي سي" تحدثوا عن ضغوط من القيادة التحريرية لتجنب ما يعتبرونه "محتوى مثيراً للجدل" أو "غير متوازن". ولا بد من ذكر أن "بي بي سي" خضعت أكثر من مرة لضغوط الاحتلال ومناصريه حين تمنح منبراً للفلسطينيين وقصصهم، كما حصل حين سحبت فيلماً وثائقياً عن أطفال قطاع غزة في فبراير/شباط الماضي. حينها استنفرت وجوه إعلامية وأكاديمية وحقوقية تطالبها بالتراجع عن قرارها من دون جدوى.

فتّش عن رافي بيرغ

على ضوء هذا التقرير، نذكر بأن الصحافي أوين جونز كتب، في ديسمبر/كانون الأول 2024، مشيراً إلى أن محاولات معالجة هذه القضايا من قبل الصحافيين في "بي بي سي" واجهت مقاومة من الإدارة، ما دفع الموظفين المعترضين إلى اتهامها بخلق بيئة عمل "تقمع الأصوات المعارضة" وتدفع الموظفين نحو الإحباط. في هذا السياق، انفجر الغضب الداخلي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، عندما وقع أكثر من مائة موظف في "بي بي سي" رسالة مفتوحة موجهة إلى المدير العام تيم ديفي. اتهم الموقعون "بي بي سي" بالفشل في تقديم تغطية عادلة ودقيقة لـ"النزاع في الشرق الأوسط"، مشيرين إلى أن تغطيتها تميل لصالح إسرائيل بشكل كبير. من بين الموقعين شخصيات بارزة مثل السياسية سعيدة وارسي والكاتب ويليام دالريمبل.

تكرّر في تقرير جونز اسم أساسي هو رافي بيرغ، محرر شؤون الشرق الأوسط في "بي بي سي نيوز أونلاين". يتهّم التقرير، نقلاً عن صحافيين حاليين وسابقين في الهيئة، بيرغ بتوجيه تغطية "بي بي سي" الإلكترونية لدعم الرواية الإسرائيلية وتقليل الانتقادات الموجهة لإسرائيل، إلى جانب قيامه بدور أساسي في فلترة التقارير النقدية لإسرائيل وتخفيف حدتها أو إعادة صياغتها لتقليل تأثيرها. وينقل التقرير عن عاملين في الهيئة أن بيرغ يدير تغطية الشرق الأوسط بشكل دقيق، ويتحكم في العناوين والنصوص والصور بما يتماشى مع وجهات النظر الإسرائيلية، علماً أنه يملك صلاحيات رفض أو إعادة صياغة المحتوى، وغالباً ما يُقصي وجهات النظر الفلسطينية.

ردود الفعل

اعتبرت المديرة التنفيذية لمركز الرصد الإعلامي رضوانا حميد أن التقرير يمثل "كشفاً مهماً لمسؤولية الإعلام العام في تقديم صورة عادلة ومتوازنة، وعدم السماح لجهة واحدة بالهيمنة على السرد الإعلامي". الوزيرة البريطانية السابقة والناشطة سعيدة وارسي رأت في التقرير "إدانة واضحة" لـ"بي بي سي"، ودعتها إلى مراجعة سياساتها التحريرية بشكل جدي، للحفاظ على مصداقيتها مؤسسةً إعلاميةً عامةً. وقالت وارسي في بيان نقله المركز الإعلامي: "لا يمكن أن تُواصل بي بي سي تجاهل أصوات الفلسطينيين أو تهميشهم". بدوره، وصف المستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، الصحافي أليستير كامبل، التقرير بأنه "كشف عن تموضع سياسي واضح داخل غرفة التحرير في بي بي سي، لا يتعلق بالكراهية، بل بالخوف من إظهار توازن حقيقي في التغطية". كما دعت منظمات حقوقية ومدنية في بريطانيا إلى تقديم شكاوى رسمية إلى هيئة تنظيم الإعلام البريطانية أوفكوم (Ofcom) لمحاسبة "بي بي سي" على ما وصفته بانتهاك ميثاق الحياد الإعلامي.

التوصيات

اختتم التقرير بمجموعة توصيات واضحة إلى "بي بي سي"، منها: إعادة تدريب فرق التحرير على مبادئ العدالة التحريرية وعدم الانحياز، مراجعة السياسات اللغوية في التغطية لتجنب التمييز في المصطلحات، وتعزيز تمثيل الصوت الفلسطيني على مختلف المنصات الإعلامية، إنشاء منصات تفاعلية لسماع قصص الضحايا مباشرة، وتشكيل لجنة مستقلة لمراجعة تغطية الحروب من منظور حيادي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows